في بيان مفاجئ طالبت فصائل “المقاومة” في العراق، رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، بتأجيل إعلان انسحاب القوات الأمريكية، لكن الباب أغلق بعد ساعات قليلة بالإعلان عن اتفاق عراقي أمريكي يفضي بالانسحاب نهاية العالم المقبل.
ويجد مراقبون أن هذا الإعلان، أغضب الفصائل التي كانت تريد أن تضمن “عدوا قريبا” لتنفيذ هجمات انتقامية لما يحدث في جنوب لبنان وغزة، وفيما أكدوا أن إعلان الانسحاب سيمنح القوات الأمريكية في العراق حصانة من الاستهداف، لفتوا إلى أن السوداني باستعجاله الإعلان أراد تفويت الفرصة على الفصائل التي لا تريد “غمد السلاح”.
ويقول المحلل السياسي المقيم في واشنطن نزار حيدر، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “الفصائل المسلحة التي تنشط خارج سلطة الدولة أثبتت مرة أخرى أنها الأحرص على استمرار بقاء قوات التحالف الدولي على الأراضي العراقية وذلك لخلق المبرر للاستمرار في الاحتفاظ بسلاحها خارج سلطة الدولة”.
ويجد حيدر أن “بيان الفصائل دليل واضح على أنها تريد أن يبقى العراق ساحة مفتوحة لتصفية الحسابات بين الولايات المتحدة وإيران التي تعتبر الفصائل ماشة النار”، مشيرا إلى أن “الفصائل، إذن، لا يهمها العراق وسيادته وأمنه القومي ومصالحه الوطنية العليا بمقدار ما يهمها الكسب المستحصل من نشاطها خارج سلطة الدولة كوكلاء للغرباء”.
ويكمل: “صحيح أن الاتفاق الأولي أرجأ نهاية مهام التحالف الدولي إلى نهاية العام المقبل، إلا أن مجرد توقيع بغداد وواشنطن على البيان المشترك يلزم بغداد بحماية المنشآت الدولية على الأراضي العراقية لتحقيق انسحاب آمن، ومن ذلك أن تضع الفصائل أسلحتها في أغمادها خلال المدة الزمنية المتبقية، وهذا ما ترفضه جملة وتفصيلاً لأنه بالنقيض من إرادة طهران التي تريدها أن تبقى وكيلة عنها، فيما يعني قبولها بالصيغة المطروحة تفكيك نظرية وحدة الساحات، وهو امر كذلك يحرجها خاصة في هذه المرحلة التي دخلت فيها حرب الكيان الصهيوني ضد لبنان في مرحلة جديدة خطيرة جداً”.
وكانت فصائل “المقاومة” العراقية، طالبت السوداني، أمس الجمعة، بـ”عدم التعجل في الإعلان عن أي اتفاق مع العدو الأمريكي قبل إتمام التفاهم مع قادة الإطار التنسيقي، وتنسيقية المقاومة العراقية”، لافتة في بيان لها إلى أن “توقيت الإعلان غير مناسب، لاشتراك الأمريكان وتورطهم في المجازر الوحشية وجرائم القتل الجماعي بحق الأطفال والنساء والأبرياء، وعمليات الغدر التي تحدث في فلسطين ولبنان واليمن وسوريا”.
لكن بعد ساعات، قالت حكومتا العراق والولايات المتحدة، في بيان مشترك، إن المهمة العسكرية للتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في العراق ستنتهي بحلول أيلول سبتمبر 2025، على أن يتم الانتقال إلى شراكات أمنية ثنائية.وكانت بغداد وواشنطن قد توصلتا في وقت سابق من الشهر الجاري إلى اتفاق حول انسحاب قوات التحالف الدولي من العراق، وذلك وفق خطة يجري تنفيذها على مراحل.
وتعليقا على بيان “المقاومة”، يرى المحلل السياسي المقرب من الفصائل المسلحة علي فضل الله، أن “بيان تنسيقية المقاومة واضح، فإعلان بيان الانسحاب الأمريكي يمنح هذه القوات المتواجدة على الأراضي العراقية حصانة من أي استهداف”.
ويضيف فضل الله، أن “المقاومة تعد العدة لاستهداف المصالح الأمريكية في العراق والمنطقة، لذلك هي أرادت تأخير البيان أو إلغاءه لعدم إعطاء الشرعية للوجود الأمريكي فعندما يعلن بيان الانسحاب من المفترض أن تكون هناك حصانة للقوات الأمريكية حتى انسحابها بعد اتفاقها مع الحكومة العراقية”، لافتا إلى أن “الغرض من البيان واضح وهو تخطيط من قبل المقاومة لاستهداف الأمريكان في الساعات والأيام المقبلة”.
وتأتي هذه التطورات والبيانات على وقع أحداث مثيرة شهدتها الحرب الإسرائيلية اللبنانية، إذ استهدفت غارات جوية إسرائيلية، مساء أمس الجمعة، مقر القيادة المركزية لحزب الله في الضاحية الجنوبية لبيروت، وفق ما أعلن الجيش الإسرائيلي، في هجوم يعد الأعنف منذ بدء التصعيد الحدودي بين إسرائيل وحزب الله.
وتضاربت الأنباء بشأن مصير الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، وكشف الجيش الإسرائيلي أن الأمين العام لحزب الله كان هو المستهدف بالغارات الإسرائيلية، قبل أن يعلن اليوم السبت أن نصرالله، قد قتل في غارة أمس، كما أكّد الجيش الإسرائيلي في بيانٍ عاجل، عن مقتل قائد جبهة الجنوب في حزب الله، علي كركي، وعددٍ آخر من القادة، فيما قالت مصادر لبنانية إن نصر الله “نجا من الاغتيال”.من جهته، يشير مدير المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية، غازي فيصل، خلال حديث ، أن “وجود قوات التحالف الدولي مازال يشكل أهمية طبقا للتصريحات التي تأتي من الحكومة العراقية والتحالف بالنظر لوجود بعض البؤر لداعش في العراق والشام”.
ويؤكد فيصل، أن “هناك قناعة متبادلة على ما يبدو من خلال اجتماعات اللجنة التنسيقية العراقية الأمريكية أن وجود هذه البؤر الداعشية لا يشكل تهديدا خطيرا على الأمن الوطني العراقي وبالتالي صدرت بيانات وتصريحات حول الخفض التدريجي لقوات التحالف الدولي، وهذا الخفض لا يمنع من أن يكون هناك مستشارون عسكريون وفق اتفاقية الإطار الاستراتيجي”.
ويضيف أن “الحكومة بإعلانها بيان الانسحاب لا تريد أن تعطي الفصائل المسلحة فرصة للتهديد بقصف المواقع والمصالح الأمريكية، لكن على ما يبدو أن الفصائل المسلحة تستهدف بقاء هذه القوات في الوقت الحاضر لكي تشن عمليات انتقامية مما يحصل من حرب مستمرة في غزة أو لبنان لتهديد أمن هذه المصالح، وحتى السفارة الأمريكية ممكن أن تكون هدفا لهجمات الفصائل في الوقت الحالي مع استعار الحرب جنوب لبنان”.وعلقت شركة الخطوط الجوية العراقية أمس جميع رحلاتها من وإلى العاصمة اللبنانية، بيروت، حتى إشعار آخر بسبب “تدهور الأوضاع الأمنية في لبنان”.
وكان القيادي في كتائب سيد الشهداء عباس الزيدي أكد أمس، أن “لدى فصائل المقاومة العراقية القدرة والجهوزية الكبيرة للدعم العسكري واللوجيستي في حرب حزب الله ضد الكيان الصهيوني في لبنان، وأي دولة أخرى من دول محور المقاومة يتعرض لأي عدوان”.
وفي تقرير، حذر مراقبون سياسيون وأمنيون من انزلاق العراق في حرب “غير متكافئة” دون دفاعات جوية، وفيما حمّل البعض، الإطار التنسيقي، مسؤولية ذلك، وتساءل عن سبب عدم اتباع الفصائل لطهران التي نأت بنفسها عن الحرب، أشار آخرون إلى عدم جدوى الهجمات التي تقوم بها الفصائل من العراق ضد إسرائيل.إلى ذلك، يعلق المحلل السياسي فلاح المشعل، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، بأن “الأوضاع متحركة الآن وفي ظل هذا الوضع والحرب التي تتجه للتدمير الشامل على جبهات واسعة، سيتأثر موقف قوات التحالف والموقف العراقي بشكل مباشر، وربما تمتد الحرب إلى الساحة العراقية بعد مشاركة الفصائل العراقية وتوجيه ضربات إلى إسرائيل”.
ويعتقد المشعل أن “القصف الذي تعرض له مركز قيادة حزب الله اللبناني سيوفر معطيات جديدة ومغايرة للحسابات التي كانت حتى يوم أمس، فهل تنسحب القوات أو تنتقل إلى أربيل، اعتقد أن الأيام المقبلة وما تفضي إليه الحرب في لبنان ستحدد موقفاً أوضح”.وعن بيان “المقاومة” الذي طالب السوداني بعدم إعلان إجلاء القوات الأمريكية، يرى أن “فكرة الفصائل هي إبقاء هذه القوات الآن لتضمن عدوا قريبا يمكن استهدافه في أي وقت، أو ربما يضمرون أمرا آخر لم يعلنوا عنه، واعتقد أن ما تفضي إليه أحداث بيروت والضاحية ستحدد مسارات جديدة لهذه القوات والموقف الرسمي منها”.