بعد قرارات دولية ومحلية وتوقف لتصدير النفط، وقعت بغداد وأربيل، اتفاقا هو الأول من نوعه، يضمن تصدير نفط الإقليم تحت إشراف الحكومة الاتحادية، وتكون وارداته معلنة أيضا وبحساب موحد، وفيما رحب الحزب الديمقراطي الكردستاني والإطار التنسيقي بهذا الاتفاق، وعدّوه تطبيقا للوثيقة السياسية التي تم تشكيل الحكومة على أساسها، أكدا أنه يمثل أساس تمرير قانون النفط والغاز، لكن مراقبا سياسيا عزا الاتفاق إلى "عجز" الدولة عن تمرير القانون، ووصفه بأنه "تسوية مؤقتة"، ولا يتوافق مع قرار المحكمة الاتحادية، بل جاء لضمان عدم انهيار تحالف إدارة الدولة.
ويقول القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني، وفاء محمد كريم، خلال حديث لـها، إن "الاتفاق الذي أعلن عنه ما بين بغداد وأربيل، جرى بعد حوارات ومفاوضات واتفاقات مبرمة مسبقاً، وقرار محكمة باريس دفع حكومتي بغداد وأربيل للإسراع بهذا الاتفاق، وهو اتفاق مؤقت لحين تشريع قانون النفط الغاز، الذي سيكون هو الاتفاق الكبير، وينظم مجمل الملفات النفطية والمالية ما بين الإقليم والمركز".
ويبين كريم، أن "أبرز فقرات الاتفاق الذي تم بين بغداد وأربيل، هو منح الكرد منصب نائب رئيس شركة سومو، فلا يمكن للشركة أن تدير حقول النفط في إقليم كردستان، دون وجود ممثل للكرد بهذه الشركة، ولهذا منصب نائب الرئيس أصبح للكرد".
ويضيف أن "من ضمن بنود الاتفاق أن عائدات النفط في حقول الإقليم ترجع وارداتها في حساب خاص، يكون بمراقبة ومتابعة من قبل الحكومة الاتحادية، وتوقيع العقود الجديدة لحقول النفط في الإقليم، ستكون بعلم وموافقة بغداد، خصوصاً أن الإقليم كان يبيع النفط للشركات بأقل من سعر شركة سومو بـ12 دولارا".
ويتابع القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني أن "من ضمن بنود اتفاق بغداد وأربيل، رواتب موظفي الإقليم التي ستدفع من خلال إيرادات بيع النفط من حقول الإقليم، وبعد إقرار الموازنة سوف نأخذ الرواتب من الموازنة ضمن حصة الإقليم المحددة (12.67)، وإيرادات بيع النفط من حقول الإقليم، هي أيضا ضمن حصة الإقليم في الموازنة".
وجرت يوم أمس، مراسيم توقيع الاتفاق المؤقت لاستئناف تصدير النفط من إقليم كردستان، في بغداد برعاية رئيس الحكومة محمد شياع السوداني ورئيس حكومة الإقليم مسرور بارزاني.
وقال السوداني عقب التوقيع: كانت هناك مفاوضات طيلة الأيام الماضية إثر قرار محكمة التحكيم الدولية الذي أوقف تصدير نفط الإقليم. وهو ما يسبب ضرراً بالغاً في مجمل إيرادات العراق النفطية، وأن الضرر سيمتدّ على مجمل إيرادات النفط المثبتة في الموازنة الاتحادية للأعوام الثلاثة المقبلة.
وأكد أيضا: ينتظرنا استحقاق، وهو تشريع قانون النفط والغاز الذي سيعالج كل مكامن الخلل التي رافقت هذا الملف منذ إقرار الدستور العراقي.
يذكر أن رئيس حكومة الإقليم مسرور بارزاني، أكد في بيان له عقب التوقيع على أن: الاتفاق سيُرسي أساساً نحو عهد جديد من التعاون المتين والمستمر بين أربيل وبغداد، وأن كلا الجانبين متفق بأن لدينا الآن إطاراً إزاء مسوّدة مشروع قانون الموازنة العامة الاتحادية، كما أن المناقشات المتعلقة بإعداد قانون اتحادي جديد خاص بالنفط والغاز قد تنطلق في المستقبل القريب.
كما بين: ابتداءً من اليوم، ستتعزز علاقتنا مع بغداد، ويمكننا أن نبدأ مرحلة جديدة من الثقة والتعاون، ومثلما قال رئيس الوزراء الاتحادي، فإنه يجب أن نركز الآن على توسيع فرص التعاون بين بغداد وأربيل، بما يعود بالنفع والفائدة على العراقيين كافة.
وعقب توقيع الاتفاق، أعلن مباشرة عن استئناف ضخ النفط إلى تركيا عبر خط ميناء جيهان التركي.
من جهته، يؤكد القيادي في الإطار التنسيقي علي الفتلاوي، خلال حديث لـه أن "الاتفاق بين بغداد وأربيل يعد هو الأول من نوعه، ويدل على حرص وصدق حكومة السوداني على حل كافة الخلافات والملفات العالقة ما بين بغداد وأربيل، وهذا الاتفاق تم وفقا للدستور".
ويبين الفتلاوي أن "الاتفاق تم بعيدا عن أي صفقات سياسية أو مجاملات، بل هو اتفاق قانوني مهني، الهدف منه إيجاد حلول لكافة الخلافات والمشاكل، وهو يهدف إلى استمرار صادرات نفط الإقليم، التي هي جزء من صادرات العراق، ضمن حصة أوبك، وأي إيقاف لها بشكل طويل، سوف يكون له تأثير على كامل الوضع الاقتصادي العراقي".
ويرى القيادي في الإطار التنسيقي أن "هذا الاتفاق سيفتح الباب لحل باقي الخلافات والملفات العالقة بين بغداد وأربيل، وفي الأيام المقبلة سيتم الاتفاق بشكل نهائي على قانون النفط والغاز لغرض تشريعه في مجلس النواب، وهذا القانون، ضمن الاتفاق السياسي، والحكومة والإطار جادون بتشريعه لأهميته في رسم العلاقات والمهام بين الإقليم والمركز".
وكانت هيئة التحكيم التابعة لغرفة التجارة الدولية، أصدرت قرارها في 24 من الشعر الماضي، بالقضية التي رفعها العراق ضد تركيا منذ العام 2014، بشأن صادرات نفط إقليم كردستان، التي تمررها تركيا عبر خط ميناء جيهان، حيث جاء القرار لصالح العراق.
ووفقا للقرار، فقد توقف ضخ النفط من الإقليم مباشرة، كما أن تركيا أبلغت العراق أنها لن تسمح للشحنات التي تحمل الخام من إقليم كردستان العراق بمغادرة ميناء جيهان الساحلي دون موافقة الحكومة الاتحادية في بغداد.
وكان رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، أعلن منتصف الشهر الماضي، عن التوصل لاتفاق شامل للقضايا العالقة بين بغداد وأربيل، ولأول مرة يتم إيداع الإيرادات الكلية للنفط المنتج في الإقليم بحساب مصرفي موحد يخضع للإدارة الاتحادية.
كما أكد السوداني، أن التفاهمات بين بغداد وأربيل كانت بنقاط واضحة، وفي حال وجود أي خلافات بين بغداد وأربيل هناك لجنة ترفع توصياتها إلى رئيس الوزراء الاتحادي، وأن هذه التفاهمات بين بغداد وأربيل تؤكد مضي الطرفين نحو إقرار قانون النفط والغاز.
بالمقابل، يعتقد رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري، خلال حديث لـه أن "الاتفاق هو أقرب لتسوية مؤقتة بين حكومة السوداني والإطار التنسيقي مع حكومة الإقليم، ولجملة أسباب أبرزها داخليا، قرار المحكمة الاتحادية بضرورة بيع نفط الإقليم عبر حكومة بغداد، والقلق من احتمال انفراط عقد ائتلاف إدارة الدولة في حال استمرار وقف ضخ نفط الإقليم، كما أن السوداني لا يريد كرئيس وزراء استفزاز الحزب الديمقراطي الكردستاني، خصوصا وهو يدرك ثقل هذا الحزب، ولهذا يبدي المرونة لعقد هذا الاتفاق".
ويضيف الشمري، أنه "بعد قرار محكمة باريس، برزت ضغوط أمريكية وإيرانية تدفع نحو التوصل لاتفاق بين بغداد وأربيل حول ملف بيع النفط، ومن شأنه أن يسهم في تنقية الأجواء السياسية عامة في البلد، في المقابل ولكونه مرحليا وجزءا من صفقة قد ينظر للاتفاق من قبل الرأي العام العراقي كتعبير عن العجز في إبرام اتفاق نهائي وفق الدستور، وكجزء من مشكلة الفشل بإقرار قانون للنفط والغاز الذي سينظم العلاقة بين بغداد وأربيل ويضمن الاستثمار الأمثل والتوزيع العادل للثروات".
ويخلص رئيس مركز التفكير السياسي، إلى أن "الاتفاق يقضي بالسماح لحكومة الإقليم بالتصدير، ولكن تحت إشراف شركة سومو، وهو بهذا الشكل لا يحقق الهدف المطلوب وفق ما أقرته المحكمة الاتحادية، فالإشراف الاتحادي فقط، لا يشكل قاعدة اتفاق رصين وثابت"، واصفا الاتفاق بـ"الهش، خاصة مع اعتزام وضع الأموال في حساب بنكي تابع لحكومة الإقليم".
ويعد ملف تصدير الإقليم للنفط، من الملفات الجدلية وغير المحسومة، على الرغم من دخول بغداد وأربيل في مفاوضات عديدة طيلة السنوات الماضية، لكن جلها تركز حول نسبة الإقليم في الموازنة الاتحادية مقابل ما يسلمه لبغداد من إيرادات النفط الذي يصدره.
وكانت المحكمة الاتحادية أصدرت، منتصف شباط فبراير 2022، أصدرت قرارا يقضي بعدم دستورية قانون النفط والغاز في إقليم كردستان، ومنعته من تصدير النفط لصالحه، على أن يكون التصدير عن طريق بغداد حصرا، بناء على دعوى رفعتها وزارة النفط الاتحادية.