بصورة مفاجئة، ارتفعت مبيعات البنك المركزي من الدولار بشكل وصف بـ"الانفجاري"، قافزة لأكثر من 300 مليون دولار بعد أن كانت أقل من 50 مليونا، ومن وجهة نظر الاقتصاديين فأنه ليس بمؤشر إيجابي لغاية الآن ويمكن عده هكذا في حال استمر لأكثر من أسبوع، لكنهم عزوا هذه القفزة للتعاملات الحكومية من جهة، ولمحاولة سحب العملة العراقية من السوق لسد الرواتب والنفقات الحكومية من جهة أخرى، إلا أن مراقبا سياسيا هاجم التخبط الحكومي بأزمة الدولار، وأكد عدم امتلاك الحكومة لرؤية اقتصادية ومالية واضحة وصحيحة.
ويقول الخبير في الشأن الاقتصادي والمالي نبيل جبار التميمي، خلال حديث له، إن "الارتفاع الكبير في مبيعات البنك المركزي العراقي، لا يمكن اعتمادها كمؤشر على حل أزمة الدولار في العراق، فهذا الارتفاع هو ليوم واحد فقط، وهو ليس مقياسا أو مؤشرا حقيقيا لحل هذه الأزمة".
ويضيف التميمي أن "البنك المركزي إذا استمر بمبيعاته وفق هذا الرقم الكبير وكما كان سابقاً لفترة أسبوع كامل، وبشكل يومي، يمكن أن يسمح بالقول إن العراق تجاوز أزمة الدولار ووصل إلى حلول خلال التفاوض مع البنك الفدرالي والخزانة الأمريكية".
ويتابع أن "ارتفاع مبيعات البنك المركزي بهذا المبلغ الكبير، ربما يكون لوجود طلبات من الأسبوع الماضي أو ربما تكون الاعتمادات الحكومية أو المرتبطة بالحكومة ذات حصة أعلى بهذه المبيعات، ولهذا لا يمكن الاعتماد على يوم واحد للمبيعات، ولهذا فأن سعر صرف الدولار لم يتأثر بحجم المبيعات، فربما الأيام المقبلة تشهد تراجعا بحجم المبيعات".
وشهدت مبيعات البنك المركزي من الدولار يوم أمس، ارتفاعا كبيرا ومفاجئا، حيث بلغت 305 ملايين دولار، بسعر صرف بلغ 1305 دنانير لكل دولار للاعتمادات المستندية والتسويات الدولية للبطاقات الالكترونية وبسعر 1310 دنانير لكل دولار للحوالات الخارجية وبسعر 1310 دنانير لكل دولار بشكل نقدي.
وجاء هذا الارتفاع بعد أن كانت مبيعات البنك المركزي، منذ بدء الأزمة قبل 3 أشهر، تتراوح بنحو 50 مليون دولار وبلغت لمرة أو مرتين حدود الـ100 مليون دينار.
جدير بالذكر، أن البنك المركزي أعلن أمس الأول، عن اتفاقه مع المصرف الأمريكي الشهير، جي بي مورغان، على أن يكون وسيطا، لإيصال مبالغ التجار العراقيين إلى الصين وتغطية استيراداتهم، بعد أن كان البنك يتعامل مع مصارف في الإمارات والأردن، وبحسب تقرير فأن الاتفاق الجديد سيحد من الفواتير المزورة التي كانت منفذا لتهريب العملة لخارج البلد.
وما يزال سعر صرف الدولار في السوق المحلية، مرتفعا وبحدود الـ150 ألف دينار لكل مائة دولار حتى الآن، رغم ارتفاع مبيعات البنك المركزي.
من جانبها، ترى الخبيرة الاقتصادية سلام سميسم، خلال حديث له، أن "الارتفاع في مبيعات البنك المركزي، ليس حلا لازمة الدولار، بل هو إجراء من اجل تمشية الأمور بشكل مؤقت ليس إلا، وهذا الأمر تم بين البنك المركزي والمصارف على توفير الدولار بالسعر المدعوم، وهنا يكون تسويق الدولار عبر المصارف، وتأخذ نسبة أرباح ليست بالقليلة".
وتلفت سميسم إلى "قضية مهمة جداً، وهي أن هناك نية من أجل سحب الأموال العراقية من السوق وكذلك الأموال لدى المواطنين في المصارف أو المنازل، بسبب ان الحكومة حالياً عليها توفير رواتب الموظفين وغيرها من الالتزامات المالية الشهرية، إذ يقوم البنك المركزي بتوفير النقد العراقي إلى وزارة المالية حتى تدفع تلك الرواتب والأجور، وهذا احد أبرز أسباب ارتفاع مبيعات البنك المركزي حالياً".
وكان مجلس الوزراء، صادق الأسبوع الماضي، على قرار مجلس إدارة البنك المركزي بتعديل سعر صرف الدولار مقابل الدينار، ليكون السعر: 1300 دينار للدولار سعر الشراء من وزارة المالية، 1310 دنانير للدولار سعر البيع للمصارف و1320 ديناراً للدولار سعر البيع من قبل المصارف والمؤسسات المالية غير المصرفية للمستفيد النهائي.
ومنذ أشهر، تدخلت واشنطن للحد من تهريب الدولار من العراق، ما أدى إلى ارتفاع سعر الدولار في السوق المحلية لمستوى قياسي بلغ 170 ألف دينار لكل مائة دولار، بسبب تراجع مبيعات البنك المركزي من الدولار، نظرا لخضوعه لنظام "سويفت" المالي الدولي.
يذكر أن مزاد العملة في البنك المركزي، كان يعد من أبرز منافذ تهريب العملة، نظرا لتقديم فواتير استيراد مزورة وبمبالغ عالية، فيما تصل البضائع دون ما قدم في الفاتورة بنسبة كبيرة جدا، وذلك بتأكيد من نواب وجهات رسمية أخرى، فضلا عن مقاطعة بيانات وزارة التخطيط بشأن البضائع المستوردة في القطاع الخاص مع مبيعات البنك المركزي، وأتضح أن الفرق كبير جدا، ما يعني أن الدولار الفائض يذهب للتهريب.
بالمقابل، يذكر المحلل السياسي العراقي المقيم في واشنطن نزار حيدر، خلال حديث له أن "رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني عزا احد أسباب تدهور سعر صرف العملة الوطنية مقابل الدولار الأميركي إلى تفريط الحكومة السابقة في حجم المزاد اليومي للعملة الأجنبية والذي قال انه وصل إلى 300 مليون دولار في اليوم، وكان السوداني قد وعدنا بان مبيعات حكومته من العملة الصعبة سوف لا تتجاوز الـ٣٠ مليون دولار يومياً فقط لا غير، ولكن، ومنذ تصريحه هذا قبل 10 أيام ولحد الآن لم يلتزم السوداني بوعده أبدا، إنما ظل البنك المركزي يزيد من مبيعاته من الدولار يوميا حتى شهدنا اليوم صعوداً صاروخياً تجاوز 305 ملايين دولار".
ويرى حيدر أن "هذه السياسات دليل صارخ على عدم امتلاك الحكومة لرؤية اقتصادية ومالية واضحة المعالم، تعمل عليها لحماية العملة الوطنية وعدم تعريضها للهزات التي تؤثر سلبا على ثبات واستقرار السوق، وتاليا حماية مصالح المواطن وخاصة الطبقة الفقيرة والمستضعفة التي تزيد نسبتها عن النصف في المجتمع".
ويتابع أن "كل ما ظلت تسوقه الحكومة منذ توليها المسؤولية حتى الآن من ذرائع وأسباب قالت إنها تقف وراء انهيار العملة الوطنية، لم تكن دقيقة، فعلى الرغم من إعلان البنك المركزي عن نجاح مفاوضاته مع الفيدرالي الأميركي ووزارة الخزانة الاميركية، ومصادقة الحكومة العراقية على سعر الصرف الذي حدده البنك المركزي الذي أعلن مؤخراً عن التزامات متبادلة بينه وبين الفيدرالي الأميركي، ومنها التزام العراق بالنافذة الدولية، والتزامه بمكافحة تهريب العملة وغسيل الاموال وتمويل الارهاب، مع كل ذلك، مازال سعر الصرف عالياً لم يتغير عما كان عليه الحال قبل تشكيل الحكومة الحالية".
ويعتقد المحلل السياسي أن "السبب الحقيقي وراء أزمة الدينار هو عدم امتلاك الدولة لرؤية مالية واقتصادية واضحة وشفافة، فبلد مثل العراق بموارده الطبيعية وثرائه وثرواته لا ينبغي أن تتأثر عملته الوطنية بالمتغيرات أبداً، كدول الخليج مثلاً"
وباتت قضية تهريب الدولار من العراق، من أبرز الملفات التي خيمت على العلاقة بين واشنطن وبغداد، وأخذت حيزا كبيرا من المفاوضات، وهي أساس وصول الوفد العراقي برئاسة وزير الخارجية فؤاد حسين إلى واشنطن.
وكانت مصادر مطلعة كشفت أن تهريب العملة مستمر، على الرغم من الضوابط على المصارف، ويتم عبر حقائب تنقل برا إلى تركيا وإيران، بعد سحب الدولار من السوق المحلية وليس عبر نافذة بيع الدولار الرسمية، وأطلق عليها متخصصون آنذاك بـ"الحوالات السود".