30 Apr
30Apr

سمعت نضال محسن (55 عاما) صوت ارتطام شيء بالأرض وهي بالطابق السفلي، لكن المشهد في الأعلى جعلها ترتعد خوفا: شفاهٌ ذابلة، وجبين متعرّق، وتقلصات في منطقة الصدر، وجسد يرتعش؛ بهذه الصورة وجدت محسن ابنتها نرمين ذات الـ20 عاما، مرتمية في غرفة نومها.
هرعت المرأة الخمسينية، للاتصال بالإسعاف لنقلها إلى أقرب مشفى في الكوت، لأنها كما عبرت خلال حديث لـه عملت طيلة حياتها حتى تكون “الملاذ الآمن” لأفراد أسرتها الأربعة، لاسيما بعد وفاة والدهم قبل 8 سنوات.
وتقول محسن، إن “الطاقم الطبي في ردهة الطوارئ هرع في بادئ الأمر بجدية لعلاج ابنتها، وتم قياس الضغط والسكر والأوكسجين، من دون أي رد فعل يلحظ من البنت، إلا أنه عند فحص العيون، اختلف حال الأطباء قليلا، وهدأت فورة القلق لديهم، بالتفاتة في ما بينهم، وابتسامة كأنها تؤكد معلومة مسبقة”.
لكن المرأة كانت حتى ذلك الوقت، في حيرة وقلق وخوف على صحة ابنتها، وتجري اتصالات مستمرة مع أخوتها واختها، الذين تبدد شملهم بسبب ظروف العمل والدراسة والزواج، لينتهي الأمر بتحرك ابنتها بشكل مفاجئ طلبا للذهاب إلى الحمام، عندها، اقتربت إحدى الطبيبات الشابات لتهمس في أذن الأم، أن الأمر كما هو متوقع، “اضطراب الشخصية الهستيري HYS، المرتبط بالتعلق العاطفي والصدمات المترتبة عليه”، كما تروي نضال محسن.
وتشير كلمة هستيريا أو العصاب الهستيري إلى حالة مرضية تؤدي الإصابة بها إلى المبالغة في التعبير عن مشاعر الخوف الشديد أو أي مشاعر فياضة وجياشة أخرى قد يصعب على صاحبها التعامل معها بشكل متوازن، تصنف الهستيريا كأحد الأساليب العقلية الدفاعية التي يستخدمها العقل البشري في مواجهة المواقف الصعبة.
وبتنهد وصوت خافت، تتابع محسن، وهي تستذكر تصرفات ابنتها التي تغيرت خلال الفترة السابقة، “بدأت نرمين تميل إلى الاختلاء بنفسها لفترات طويلة في غرفتها، متعذرة بالدراسة، إضافة إلى زيادة في مصروفها بشكل كبير، وكثرة سحبها لمبالغ كانت قد ادخرتها في وقت سابق، إضافة إلى تغيير في نمط التغذية والنوم والملبس”.
ويؤدي اضطراب الشخصية الهستيرية إلى فقدان الإحساس بقيمة الذات، ويعتمد من يعانون منه في سعادتهم على جذب انتباه وقبول الآخرين في كثير من الأحيان، فقد تصادف شخصا يغمى عليه أو يتظاهر بالاختناق ليحظى باهتمام من حوله في مشهد درامي مفاده “أنني موجود وأريد الاهتمام”، يحاول هؤلاء الناس المبالغة والتكلف في التصرف من أجل أن يعطيهم الناس الاهتمام الذي يريدونه.
ويبدو أن فقدان الأب، والأجواء الأسرية، والهدف في الحياة جعلت من شاب، الركن الأوحد في حياة نرمين، التي تحدثت من جهتها، عن علاقتها مع احمد (اسم مستعار) خلال عامين من الحب الذي وصل إلى حد التعلق المرضي.
تؤكد نرمين، أن “التواصل مستمر طوال النهار، خشية دخوله في علاقة جديدة، وما يرافق تلك العلاقة من تقديم هدايا أدت إلى تراكم الديون عليّ في المكتبات ومحال بيع الملابس والعطور، أما في الليل فهاجسي الكبير هو أن لا يكون في اتصال مع أخرى، فتحول الليل والنهار إلى كابوس”، لم تجد معه الفتاة إلا من التمارض حيلة لكسب حنان أحمد.
وتضيف أن “الحب والعاطفة والاهتمام، كانت بداية علاقتي معه، إلا أن تحولي إلى قيد في حياته، دفعه إلى التهرب مني، لأكثر من مرة، إلا أن الفرص التي منحني إياها بدأت بالتناقص، سيما مع اكتشافه لأكثر من مرة كذبي في ما يخص التمارض”.
وتتابع أن “العلاقة بدأت بالتحول تدريجيا من المودة والمحبة والتعاطف إلى صراع لإثبات حسن النية من الطرفين، حتى وصلنا إلى طريق مسدود، ولا يمكن أن يبرئ نفسه أيضا من الأخطاء في العلاقة، إلا أن وضع أي رجل في مرمى الاتهامات بشكل مستمر، لا يمكن أن يحتمل إلى النهاية”.
ويتميَّز اضطرابُ الشخصية الهستيري Histrionic personality disorder بنمطٍ شائع من الانفعالية المفرطة والسعي إلى لفت الانتباه، ويطالب مرضى اضطراب الشخصية الهستيري باستمرار بأن يكونوا مركز الاهتمام، وغالبا ما يحاولون القيامَ بذلك عن طريق التصرّف بطرق مغرية واستفزازية بشكل غير لائق، والتعبير عن أنفسهم بشكل كبير جدا.
ويقوم الأطباءُ بتشخيص اضطراب الشخصية الهستيري بناءً على أعراض نوعيّة، بما في ذلك الانزعاج بسبب عدم كون الشخص مركز الانتباه، وبالتفاعل المغري أو الاستفزازي مع الآخرين بشكل غير لائق، والسلوك الدرامي والتعبير عن الانفعال.
“كلما قويت العلاقة، وتحولت إلى تعلق، كلما قصر عمرها”، قاعدة يُعتمد عليها في علم الاجتماع بحسب الأكاديمي في جامعة واسط لطيف الحسناوي، الذي أوضح انه رصد لدى طلبة الجامعات حالات متعددة لمشاكل ما بعد التعلق.
ويرجع الحسناوي، تلك الآثار إلى “قلة التواصل الأسري داخل المجتمع في الوقت الحالي، لأسباب اقتصادية، ودخول مواقع التواصل الاجتماعي، وضعف الوازع الديني في المجتمع عموماً”.
ويؤكد على أن “العلاقة التي تصل إلى التعلق يكون مصيرها محتوما بالفشل، لأن التعلق هو عكس ما تميل إليه النفس البشرية من حب الاختيار والتحرك ضمن مساحة آمنة في الحياة، بعيداً عن ضغط القيود، مهما كانت كمية التضحيات والعطاء من الطرف الآخر”.
وتعالج الاضطرابات الهستيرية باستخدام العلاج الإدراكي السلوكي والذي يساعد على فهم شخصية المضطرب ومعرفة دوافعه اللاشعورية وهدف الاضطراب وتبصير المضطرب ومساعدته على استعادة ثقته بنفسه والتكيف مع الظروف المحيطة، وفي بعض الأحيان يجب مساعدته على تفريغ الشحنات العاطفية العالقة باللاشعور وذلك باعتماد تقنية التحويل والتفريغ والتطهير النفسي التي يعتمد عليها التحليل النفسي.
من جهته، يذكر رجل الدين سلمان محمود، خلال حديث لـه، أن “أي علاقة تبعد الإنسان عن ذكر الله، ويكون فيها المحبوب هو الشغل الشاغل في الحياة، مصيرها الفشل، فهذه العلاقة لا تتسق وما قدره الله في خلق الإنسان وجعل المودة والرحمة هي المعيار لجميع المحبين”.
ويضيف أن “التقارب المستمر بين الجنسين دون رابط شرعي مع هذا الكم من العاطفة، باب من أبواب الدخول في مجال الأخطاء”.
ويلفت إلى أن “الأسرة تتحمل المسؤولية الأولى في خلق جو أسري مستقر، فتنشئة شباب وشابات في أحضان أسرة مترابطة، ووفق التشريع الإسلامي، خطوة كبيرة في صناعة سد أمام دخول أفرادها في هذه المتاهات”.

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - وكالة انباء النافذة