كشف بيان مجلس القضاء الأعلى، بشأن صدور أحكام متعددة بحق مغتصبي الأطفال، عن تنامي هذه الجرائم واقترابها من أن تكون ظاهرة، حسب باحثة اجتماعية، التي عزتها إلى انتشار المخدرات التي تفقد الوعي، فضلا عن عدم وجود عقوبات سريعة بحق مرتكبيها أو عدم تنفيذ أحكام الإعدام، وهو ما انتقده أيضا خبير قانوني وأشار إلى ضرورة توجه البرلمان لإنهاء ارتباط تنفيذ هذا الحكم بمصادقة رئيس الجمهورية.
وتقول الباحثة الاجتماعية سمر الفيلي خلال حديث لـها، إن "قضية اغتصاب الأطفال موجودة سابقا، لكنها لم تنتشر مثل الآن ولم يسلط الضوء عليها، فحاليا انتشرت وباتت أقرب للظاهرة وسببها يعود بالدرجة الأساس إلى تعاطي المخدرات، التي تسبب أحيانا الشذوذ الجنسي، وتجعل المتعاطي يقدم على هذه الأفعال بدون وعي".
وتضيف الفيلي، أن "من الأسباب أيضا هو غياب العقوبات السريعة، فأغلب المجرمين قد أمنوا العقاب، كما أنه لم يحدث في العراق حاليا، أن يكون مرتكب مثل هذه الجرائم عبرة للآخرين، فلم يعدم مجرم بشكل سريع، لذا على القضاء والأجهزة التنفيذية الأخرى الإسراع بتنفيذ العقوبات وعدم تأجيلها حتى يكونوا هؤلاء عبرة للآخرين".
وتبين أن "الأطفال الذين يتعرضون للاغتصاب، سيعانون من مشاكل نفسية كبيرة وتكون لديهم صعوبة بالعودة للحياة والاندماج بالمجتمع، لذا فهم بحاجة لعلاج نفسي مكثف ومراكز خاصة تستقبلهم، فما تعرضوا له لن يمحى من ذاكرتهم، سواء الأولاد أو الفتيات، وخاصة الفتيات فستكون الجريمة مضاعفة بحقهن وسيعانين كثيرا، ما لم يتم تدارك الأمر بعلاج نفسي".
وتلفت الباحثة إلى "ضرورة أن يتجه الأهالي حاليا إلى تعليم أولادهم الدفاع عن النفس وتوعيتهم، حتى يتمكنوا من الهرب في هذه المواقف، خاصة وأن الأمر وصل مرحلة الخوف من إرسال الطفل بمفرده للمدرسة ويجب أن يوصله الأهل".
وتستطرد الفيلي، أن "قضايا أخرى برزت مؤخرا، وهي زنا المحارم، وهذه لم تواجه بعقوبات رادعة، فضلا عن تخوف الفتاة من الذهاب للجهات المختصة، وأبرز مخاوفها هي عدم تصديقها أو وجود بعض المرتشين الذين يغلقون القضية، لكن يجب على كل فتاة تتعرض للتحرش من والدها أو شقيقها، ان تسارع بالإبلاغ"، متابعة: "لن ننكر وجود بعض الأشخاص في وزارة الداخلية ربما هم يتحرشون بدورهم بمن تأتي للتبليغ، خاصة وأن إحدى جرائم الاغتصاب كانت ضحيتها طفلة تم الاعتداء عليها من قبل شرطي، لكن هؤلاء لا يمثلون كافة الأجهزة الأمنية، رغم إساءتهم لها".
وأعلن مجلس القضاء يوم أمس الثلاثاء، أن محكمة جنايات البصرة أصدرت حكما بالإعدام بحق مجرم عن جريمة استدراج طفلة قاصرة واغتصابها ومن ثم قتلها وإلقاء جثتها في النفايات، كما أن محكمة جنايات الرصافة أصدرت حكما بالإعدام بحق أحد المجرمين لقيامه بخطف واغتصاب طفلتين في بغداد، ومحكمة جنايات صلاح الدين أصدرت حكما بالسجن لمدة 15 سنة بحق مجرم عن جريمة اغتصاب طفل.
وقد شهدت محافظة البصرة، منتصف شهر نيسان أبريل الماضي، جريمة بشعة، حيث جرى اغتصاب طفلة تبلغ من العمر 7 سنوات، ورمي جثتها في حاوية نفايات، بمنطقة بمنطقة المشراق الجديد (العشوائية)، وأثارت في حينها الرأي العام في العراق، لكن سرعان ما ألأقي القبض على الجاني، وتبين أنه محكوم سابقا بقتل أبنه وألإرج عنه بقرار العفو، وهو من ضمن المحكومين الآن بالإعدام، حسب بيان القضاء.
وبرزت خلال السنوات الماضية، العديد من حالات الاغتصاب في العراق، وبعضها كان لفتيات لم يتجاوزن العاشرة من عمرهن، وتحولت هذه الجرائم الى قضايا رأي عام في حينها، خاصة وأن بعضها تسبب بوفاة الفتيات المغتصبات.
وخلال السنوات الماضية، ارتفعت مستويات تعاطي المخدرات، وكانت منظمة محلية، قد كشفت في العام الماضي، عن نسب تعاطي المخدرات التي تجاوزت 40 بالمائة بين بعض الفئات العمرية من الشباب 15– 35 عاما، فيما تنحصر النسبة الأكبر للإدمان بين أعمار 17– 25 عاما.
وأثار بيان القضاء، الرأي العام في العراق، ونشرت العديد من المنشورات والتغريدات بشأن ظاهرة اغتصاب الأطفال، والتي اعتبرت بيان القضاء وصدور الأحكام بالجملة، دليلا على تنامي هذه الظاهرة ووصولها لمرحلة خطيرة.
وإلى جانب هذه الحالات، برزت ظواهر تكاد تكون غريبة على المجتمع في السنوات الأخيرة، وهي "زنا المحارم"، والتي وصفت من قبل باحثين نفسيين بأنها دليل على "تخلف عقلي".
إلى ذلك، يوضح الخبير القانوني عدنان الشريفي خلال حديث لـه، أن "قانون العقوبات العراقي، نص في المادة 393 منه، على أن يعاقب بالحبس المؤبد أو المؤقت كل من واقع انثى بغير رضاها او لاط بذكر، وهنا السجن المؤبد يكون أكثر من 15 عاما لغاية 25 عاما، والمؤقت من 5 – 15 عاما".
ويبين أن "سلطة الائتلاف المؤقتة، أصدرت الأمر 31 لسنة 2003، وفيه عدلت العقوبات المفروضة على مرتكبي جرائم الاغتصاب، وهذا التعديل ما زال نافذا لغاية الآن، وخاصة العقوبة في المادة 393 من قانون العقوبات العراقي، وأصبحت بدلا من السجن المؤبد، السجن مدى الحياة"، متابعا "لذا كان من الأجدر بالقرار الذي صدر يوم أمس بحق مرتكب جريمة اغتصاب طفل، أن يكون مدى الحياة وليس السجن 15 عاما".
ويلفت إلى أن "جريمة الاغتصاب إذا رافقتها جريمة قتل، أي قتل الطفل بعد اغتصابه، فهنا يحاكم وفق المادة 406 من قانون العقوبات، والتي تنص على أن كل من قتل نفس عمدا مع سبق الإصرار ولدافع دنيء يحكم بالإعدام".
وبشأن تأخر تنفيذ أحكام الإعدام، أو عدم تنفيذ الجنائية منها، يقول الخبير القانوني، أن "قانون العقوبات وضع العقوبة لكل جريمة وبقي التنفيذ لدى جهات أخرى، وسلسلة حكم الإعدام تبدأ بالقرار ومن ثم محكمة التمييز، وفي حال مصادقتها على الحكم هنا يتطلب مصادقة رئيس الجمهورية، فإذا وافق رئيس الجمهورية ولم ينفذ حكم الإعدام، يحق لصاحب الدعوى او المشتكي، رفع دعوى ضد وزير العدل لإخلاله بأدائه الوظيفي"، مضيفا "أما إذا لم يوافق رئيس الجمهورية فهذا يعتبر حنثا باليمين".
ويطالب الشريفي مجلس النواب بـ"ضرورة إقرار قانون يعتبر تنفيذ حكم الإعدام نافذا بعد فترة يحددها، سواء صادق رئيس الجمهورية أو لا، على غرار تشريع القوانين وتنفيذها، وخاصة في مثل جرائم الاغتصاب، التي تعد من أخطر الجرائم، كما عليه أن يستثنيها من أي قانون عفو يمكن أن يشرعه".
يشار إلى أن العادات والتقاليد، ما تزال تتحكم بالكثير من العوائل، ما يدفعها إلى عدم التوجه للمحاكم خوفا من "الفضحية"، إلى جانب ارتفاع مستويات جرائم "الشرف"، التي يتم خلالها قتل الفتاة حتى وإن كانت ضحية لحالات اغتصاب أو ابتزاز إلكتروني.
وكان العديد من المختصين، قد أكدوا سابقا غياب ثقافة القانون داخل المجتمع العراقي، وأنها هي من تدفع الضحايا إلى الصمت أو الانصياع للمعتدي، لأنهن لا يدركن أن حقهن محفوظ في القانون، ودعوا إلى اللجوء للقانون والمحاكم كسبيل للخروج من أي مشكلة، سواء كانت ابتزازا أو تحرشا أو اغتصابا أو عنفا أسريا.