على الرغم من إعلان بغداد مساندة النظام السوري، وتنظيم اجتماع ثلاثي مع وزراء خارجية طهران ودمشق، لكن الموقف العراقي مازال مغلفا بالحذر من الأزمة السورية، ووفقا لمراقبين فإن بغداد تحاول عدم الانجرار للمشاركة العسكرية في “وضع سوري ملتبس”، قد يهدد الأمن الداخلي بالخطر، وفيما يرهن المراقبون المشاركة بـ”التطورات”، يرجح باحث سياسي تركي أن يؤدي العراق دور الوسيط في هذه الأزمة.
واحتضنت العاصمة بغداد أمس الجمعة، اجتماعا ثلاثيا “عراقيا- سوريا- إيرانيا”، لبحث تداعيات الأحداث الأمنية المتسارعة في سوريا، وتأثيراتها على المنطقة، بحضور وزير خارجية إيران عباس عراقجي، ووزير خارجية سوريا بسام الصباغ، بالإضافة إلى نظيرهما العراقي فؤاد حسين.
ويقول المحلل السياسي المقرب من رئيس الحكومة عائد الهلالي، خلال حديث إن “أهداف الاجتماع الثلاثي بين العراق وسوريا وإيران تتعلق بتعزيز التعاون الأمني والاقتصادي، خاصة في ظل الوضع الراهن في الشرق الأوسط، فمن جانبها، تسعى إيران إلى تعزيز وجودها ونفوذها في المنطقة، في حين أن العراق يسعى إلى حماية مصالحه الوطنية في مواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية، أما سوريا، فهي تبحث عن دعم إقليمي في مواجهة الضغوط الغربية والعقوبات المفروضة عليها”.
وحول المخرجات السرية للاجتماع، يشير الهلالي، إلى أن “العلاقة بين العراق وإيران وسوريا تتسم بحساسية بالغة في ظل الوضع الإقليمي المتوتر، وثمة أحاديث خرجت عن تفاهمات على تعزيز التنسيق الأمني بين هذه الدول في مواجهة الجماعات المسلحة التي تهدد الاستقرار في المنطقة، ومن المرجح أن تشمل هذه المخرجات السرية تعزيز التعاون العسكري والاستخباري، بالإضافة إلى التفاهم على دعم الحركات السياسية الموالية لها في المنطقة”.
وعن احتمالية انخراط العراق في الحرب عسكرياً، يؤكد أن “التوترات الإقليمية، خصوصاً في ما يتعلق بالوجود الإيراني في العراق والصراع في سوريا، قد تجر العراق نحو الانخراط العسكري بشكل غير مباشر، لكن في الوقت نفسه، يبقى موقف الحكومة العراقية في هذا الصدد حذرا، حيث تحرص على الحفاظ على سياستها المستقلة وتجنب الانجرار إلى أي صراع قد يعرض استقرار البلاد للخطر”، مشيرا إلى أن “حكومة بغداد أعلنت مرارا عن رغبتها في الحفاظ على سيادتها وعدم الانخراط في أي حرب إقليمية إلا إذا كان ذلك في إطار الدفاع عن الأمن الوطني”.
وكان وزير الخارجية فؤاد حسين، أكد عقب الاجتماع أمس، أن بغداد ستبادر في محاولة “لعقد اجتماع لعدد من الدول لمناقشة الموضوع السوري”، مشددا على أن “قسما من الدول” التي قد تشارك في اجتماع بغداد “هي دول أعضاء في اجتماع آستانا”، فيما أشار إلى أن بغداد تواصلت “مع العديد من الزملاء ووزراء خارجية تركيا والإمارات والسعودية ومصر والأردن ودول أوروبية وسوف نستمر بهذه الاتصالات”، شدد على ضرورة حماية الأراضي العراقية وإبعادها “عن أي هجمات إرهابية”.
من جهة أخرى، أثار أبو محمد الجولاني، زعيم هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً)، موجة من الجدل بعد نشره رسالة تهديدية ضمن خطاباته الموجهة إلى الحكومات الإقليمية، ومنها الحكومة العراقية، ويفيد الهلالي بأن “الرد العراقي كان واضحاً في رفض أي تدخل خارجي في شؤون البلاد الداخلية، مشددا على أهمية الوحدة الوطنية ورفض الإرهاب بكافة أشكاله، الحكومة العراقية أكدت في ردها على أن أي تهديدات لن تؤثر في سياستها الوطنية، وأن العراق لن يسمح لأي جهة كانت بالتدخل في شؤونه الداخلية”.وأعلن زعيم تنظيم هيئة تحرير الشام أبو محمد الجولاني، أمس الأول الخميس، دخول التنظيمات المسلحة إلى مدينة حماة السورية، فيما حث، في مقطع فيديو، رئيس الوزراء محمد شياع السوداني على عدم السماح للحشد الشعبي الموالي لإيران بالتدخل في سوريا.
وقال الجولاني “فكما نجح العراق والسيد محمد شياع السوداني أن ينأى بنفسه عن الحرب بين إيران والمنطقة في الآونة الأخيرة.. نشد على يده أيضا أن ينأى بالعراق عن أن يدخل في أتون حرب جديدة مع ما يجري في سوريا”.
وأضاف “نرجو ونأمل من الساسة العراقيين وعلى رأسهم محمد شياع السوداني أن ينأى بالعراق عن الدخول في مثل هذه المهاترات، وأن يقوم بواجبه بمنع تدخل الحشد الشعبي العراقي في ما يجري في سوريا بالوقوف في صف هذا النظام الزائل”.
من جهته، يصف المحلل السياسي فلاح المشعل، خلال حديث”، رسالة الجولاني بأن “الأخير عبر عن مضامين جديدة في الخطاب، وكأنه تحول سياسي في هيئة تحرير الشام، وعلى الجانب الآخر لم يصدر شيء رسمي من الحكومة العراقية باستثناء بعض التغريدات من قبل أحد مستشاري رئيس الوزراء الذي استهجن الرد، وأكد عدم الرد على المتورطين بالإرهاب”.
وعن الاجتماع الثلاثي يوم أمس، يذكر المشعل أنه “أقرب إلى البروتوكول بين الدول الثلاث لتنسيق المواقف بين هذه الدول والدعوة إلى اجتماع الجامعة العربية وإيجاد موقف عربي موحد إزاء الأزمة السورية، وتم التأكيد على أن العراق داعم لسوريا لكن على الجانب الأمني لا يمكن للعراق أن يدخل ويخوض الحرب لأن هذا تدخل في شأن داخلي والعراق ملتزم بهذا البند الدستوري”.
ويضيف المشعل، أن “العراق على المستوى الإعلامي صوته مرتفع جدا بدعم سوريا لكن عمليا الوقائع تفرض نتائج أخرى، خصوصا بعد التطورات التي حصلت أمس، بعد أن كانت هناك فصائل عراقية في آلبو كمال ودير الزور انسحبت إلى الداخل العراقي وتم تسليم نقاط الحماية والسيطرات فيها لجماعة قسد، وبالنتيجة انقطع الطريق الذي كان يمر من بغداد إلى سوريا ولبنان”.
ويكمل أن “خطاب السوداني كان واضحا وثبت الأمور بدقة، فلا يمكن قيادة 45 مليون عراقي وزجهم بالمستنقع السوري، فهو مستنقع متداخل وفيه نفوذ لدول عديدة ومشاركات غريبة، حتى التكوين المجتمعي في سوريا مختلف عن العراقي، لهذا لا يمكن أن يتدخل العراق”.
ويخلص إلى أن “الوضع السوري وضع متحرك بين ساعة وأخرى، واعتقد أن النظام السوري أصبح قاب قوسين من النهاية”، وحول مستقبل العلاقات العراقية مع بديل النظام الحاكم إذا ما وصل إلى النهاية، يشير إلى أن “الوقائع تفرض نفسها على طبيعة العلاقات السياسية فإذا سقط هذا النظام سيكون هناك نظام سياسي والعراق مضطر للتعامل معه”.
وكان السوداني، شدد أمس الجمعة، على أهمية التنسيق مع الدول العربية الشقيقة، للخروج بموقف موحد تجاه تحديات المنطقة، وفي مقدمتها التطورات في سوريا، وأكد لوزير الخارجية السوري بسام الصبّاغ، أن موقف العراق بالوقوف إلى جانب سوريا وشعبها، مشددا على أهمية الحفاظ على سيادة سوريا ووحدة أراضيها.وخلال لقائه مع وزير الخارجية الإيراني، أكد السوداني مواصلة العراق بذل الجهود الدبلوماسية الحثيثة في سبيل احتواء الأزمة في سوريا، لتأثيرها “الصريح على الأمن العراقي”، مشيراً إلى أن “ما يحدث في سوريا لا ينفصل عما شهدته غزّة ولبنان من أحداث تسببت في تهديد أمن المنطقة وزعزعة استقرارها”.
إلى ذلك، يجد المحلل السياسي التركي جواد غوك، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “من الإيجابي عقد مؤتمر عراقي سوري إيراني، لإقناع الجانب السوري على الانفتاح، فالحكومة التركية لا تجد أملا في بشار الأسد لأنه لم يتحرك سياسيا تجاه المعارضة السورية، لذا فهي تصرح بأنها لا تتدخل في العملية العسكرية الأخيرة”.
ويضيف غوك، أن “الحكومة التركية ترى الموقف العراقي إيجابيا جدا وحياديا، والحفاظ على الحدود العراقية السورية أمر مهم للأمن الوطني العراقي”، لافتا إلى أن “تصريحات السياسيين العراقيين بعدم التدخل في سوريا تجد مساندة كبيرة في تركيا، وبالنسبة لبعض الفصائل العراقية المسلحة التي اشتركت إلى جانب النظام السوري، فإنها لا تمثل رأي الحكومة العراقية التي تصرح على الدوام بأن لا علاقة لها بهذه الفصائل”.ويرجح المحلل السياسي أن “يؤدي العراق دور الوسيط المركزي بالنسبة لما يجري في سوريا، ومن الممكن أيضا أن يكون وسيطا بين تركيا وسوريا”.