تصاعد حظوظ المرشح الجمهوري والرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، بالفوز في الانتخابات الرئاسية التي لم يتبق لها سوى أيام، خيم بظلاله على الواقع العراقي في ظل وضع إقليمي ملتهب، إذ توقع مراقبون أن يظهر البيت الأبيض سياسة “خشنة ومتشددة” تجاه الطبقة السياسية والفصائل المسلحة العراقية، ما قد ينعكس سلبا على العراق بشكل عام، فيما قلل آخرون من تلك المخاوف، استنادا إلى كون السياسة الأمريكية واحدة باختلاف الرؤساء، متوقعين أن تشهد العلاقات عهدا جديدا من الاستقرار بنهاية الحرب الإقليمية الحالية.
ويقول المحلل السياسي المقيم في واشنطن، نزار حيدر، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “الجمهوريين يعتبرون العراق جائزتهم الرابحة على اعتبار أنهم هم من قاموا بتغيير النظام السياسي عام 2003، وأنهم هم من كانوا السبب في السيطرة على كل ما يتعلق به منذ أكثر من عقدين”.ويتوجه الأمريكيون إلى صناديق الاقتراع في الخامس من تشرين الثاني نوفمبر المقبل لانتخاب الرئيس القادم للولايات المتحدة، حيث تشتد المنافسة بين الرئيس الجمهوري السابق دونالد ترامب، ونائبة الرئيس الحالية الديمقراطية كاملا هاريس بعد انسحاب الرئيس الحالي جو بايدن، من الترشح للانتخابات.
سياسة خشنة!
ويرى حيدر، أن “ترامب ينتهج سياسات تجاه العراق والمنطقة أكثر تطرفا، فهو يحاول أن يؤثر في تغيير مسارات الحزب الجمهوري وليس العكس، وبعودته إلى البيت الأبيض سوف يشهد العراق سياسات أمريكية خشنة ومتشددة، على العكس مما لمسه من الإدارة الديمقراطية الحالية التي ظلت تتعامل بسياسة ناعمة مع الطبقة السياسية الحاكمة في بغداد، إلا في الحالات الضرورية التي لم تجد فيها الإدارة بدا من التعامل الخشن، والذي تمثل بعمليات القصف التي تقوم بها فصائل مسلحة”.
ويؤكد أن “الجمهوريين إذا عادوا للبيت الأبيض فإن العراق سينتقل بعلاقته مع واشنطن إلى ما يمكن أن نسميه بالصديق العدو، فترامب يتعامل معه كحديقة خلفية لجارته الشرقية إيران، وبذلك سيعود العراق كورقة تفاوضية بين واشنطن وطهران، وهذا أمر يضر بالعراق بشكل كبير، خاصة وأن بين بغداد وطهران من جهة وبين ترامب من جهة أخرى يعود لحادثة المطار عام 2020 (في إشارة لاغتيال قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس)، فطهران ما زالت تبحث عن الثأر، وبغداد تريد إلقاء القبض عليه من خلال المذكرة التي أصدرها القضاء العراقي عام 2021، والتي أعلن عنها في وقتها رئيس السلطة القضائية فائق زيدان”.
وكان ترامب، قد اتخذ قرارا جريئا بعدما أمر باغتيال قائد فيلق القدس الإيراني الجنرال قاسم سليماني، ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس في 3 كانون الثاني يناير 2020 بغارة جوية قرب مطار بغداد، ما أدخل العلاقات العراقية الأمريكية التي كانت مستقرة نسبيا، في مرحلة جديدة من الاضطراب والتوتر والحرج، حيث بدأت تتصاعد هجمات الفصائل العراقية المسلحة ضد القوات الأمريكية في أنحاء العراق.وفي السابع من كانون الثاني يناير 2022، أعلن مجلس القضاء الأعلى، صدور مذكرة قبض من محكمة تحقيق الرصافة ببغداد، على الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، ضمن التحقيق الخاص باغتيال قائد قوات الحشد الشعبي ابو مهدي المهندس بضربة أمريكية ببغداد، رفقة الجنرال الإيراني قاسم سليماني.
أسود وأبيض
وفيما يخص اتفاقية الإطار الاستراتيجي الموقعة بين بغداد وواشنطن عام 2008 والتي شرعها مجلس النواب بقانون، يرى المحلل السياسي المقيم في واشنطن، أنها “ستكون في مهب الريح إذا عاد الجمهوريون إلى البيت الأبيض، فيما ستبقى محاولات تفعيلها تسير كالسلحفاة إذا ظل الديمقراطيون في المكتب البيضاوي”.
ويخلص حيدر إلى أن “ترامب يرى منطقة الشرق الأوسط بلونين فقط؛ أسود وأبيض، ولذا فإن العراق سيكون أمام اختبار صعب لتحديد أحد اللونين”، مشيرا إلى أن “الجمهوريين لا يؤمنون بسياسة النأي بالنفس أو إمساك العصا من الوسط التي ترددها بغداد دائما إزاء تطورات المنطقة، على العكس من الديمقراطيين الذين يعذرون بغداد ويتفهمون موقفها المعقد وسط الأزمات المتصاعدة في المنطقة”.
وقبل أسبوعين فقط من انطلاق الانتخابات، أظهرت استطلاعات تفوقا لمرشح الحزب الجمهوري دونالد ترامب، بنسبة 52 بالمئة، على حساب مرشحة الحزب الديمقراطي كامالا هاريس، التي حصلت على 42 بالمئة فقط، فيما تشتد حملتا المرشحين اللذين يجوبان الولايات الأكثر تأثيرا مثل ميشيغان وبنسلفانيا وويسكنسن شرقي البلاد، فيما يواصل ترامب هجومه اللفظي اللاذع ضد هاريس، ووصمه لها بـ”نائبة الرئيس الفاشلة”.
من جهته، يرى أستاذ السياسات العامة في جامعة بغداد إحسان الشمري، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “الولايات المتحدة الأمريكية لا تعتمد الشخوص والأسماء، فالديمقراطيون والجمهوريون قد يختلفون في التفاصيل، لكنهم يضعون في حساباتهم الأمن القومي والمصالح الأمريكية أولا، وهذه من الثوابت”.
قرارات وعقوبات
وبشأن التعاطي مع الوضع العراقي والإقليمي لا يجد الشمري، اختلافا بين ترامب ونظرائه من الحزب الديمقراطي، “أنت تلاحظ أن الديمقراطيين وعلى رأسهم بايدن أو هاريس منزعجون من نشاط الفصائل المسلحة ويهمهم أمن القواعد الأمريكية وأمن إسرائيل، لذا لا نستبعد أنهم قد يعطون الضوء الأخضر لإسرائيل من أجل استهداف العراق وهذا ليس بعيدا، على الرغم من أنهم أبدوا مرونة في التعامل مع العراق في بعض الملفات”، هكذا يضيف.لكن الشمري يعتقد، أن ترامب إذا ما عاد إلى الرئاسة في ظل الوضع الحالي، فأنه سيكون أشد وطأة على العراق، وبالطبع على الفصائل المسلحة وإيران، وقد يتخذ قرارات جذرية خصوصا أن الفصائل لا تزال تناهض الوجود الأمريكي، وهذا قد يدفع إدارة الجمهوريين إلى إبداء مزيد من التشدد كقرارات أو عقوبات”.وخلال توليه رئاسته الأولى، امتلك ترامب تصورات وأفكارا خاصة للتعامل مع العراق، إذ كرر مرارا تهديداته ضد إيران بتوجيه “انتقام كبير” ضدها إذا شنت هجمات على المصالح الأمريكية في العراق والمنطقة، لكن طهران فعلت ذلك بقصف قاعدة عين الأسد وعدة هجمات بعد اغتيال سليماني والمهندس.
كما حاول ترامب وضع تصوره للعلاقات الاستراتيجية مع العراق وفق المبادئ التي حددها وهي: تحجيم الوجود الإيراني في العراق، وتعزيز الوجود العسكري الأمريكي وحماية الجنود، وانتزاع تسهيلات من العراق لحرية حركة القوات الأمريكية، حتى لو كان نشاطها متداخلا مع الوجود العسكري الأمريكي في شرق سوريا، وهو أيضا عندما تسلم منصبه، تعهد بإنهاء وجود تنظيم داعش في العراق خلال 100 يوم، وإرسال المزيد من الجنود إلى العراق والعمل من اجل قيام حكومة صديقة في بغداد.
عهد جديد
إلى ذلك، يعتقد مدير المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية غازي فيصل، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “السياسة الخارجية الأمريكية والمصالح الدولية، سواء في العراق أو الشرق الأوسط تحددها المؤسسات الأمريكية، فهي دولة مؤسسات سواء كان رئيسها ترامب أو هاريس، وبالتالي فلن تكون هناك تغييرات راديكالية جذرية كبيرة”.
وعن موقف الحكومة الأمريكية المقبلة من الوضع الإقليمي الحالي، يضيف: “من المؤكد عندما تنتهي الانتخابات ويظهر الرئيس الجديد للولايات المتحدة بداية العام الجديد ستكون الحرب في الشرق الأوسط منتهية وتذهب الأوضاع نحو بناء سلام ورسم خارطة جديدة للعلاقات السياسية، والعراق كحكومة عندما يتخذ موقفا محايدا ومتوازنا، سيذهب نحو تمتين العلاقة على أساس المصالح المتبادلة سواء مع هاريس أو ترامب وفق اتفاقية الإطار الاستراتيجي”.
وبالنسبة لموقف الرئيس الجديد من الفصائل المسلحة، يشير إلى أن “هذه الفصائل ستكون مرتبطة بمواقف إيران فإذا ذهبت الأخيرة بعد هذه الحرب إلى العزلة واحترام القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة وعدم التدخل في شؤون السيادية للدول من المؤكد سيكون هناك شرق أوسط مختلف، وما هو متوقع أن لا تستمر إيران في دعم الفصائل بعد تلقي حزب الله في لبنان والحوثي في اليمن ضربات قوية في هذه الحرب”.
وشهدت الحرب الأخيرة على غزة ولبنان سلسلة اغتيالات نفذتها إسرائيل ضد قادة “المقاومة” الموالين لإيران، وأبرزهم زعيم حزب الله اللبناني حسن نصر الله، وإسماعيل هنية ويحيى السنوار زعيمي حركة المقاومة الفلسطينية “حماس”.ويصر فيصل، على أن “المرحلة المقبلة سوف تشهد تحولات مهمة على صعيد العلاقات العراقية الأمريكية بعد نهاية هذه الحرب وعودة السلام والأمن في منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي، وهذه التحولات مبنية على أساس المصالح المتبادلة في جوانب اقتصادية مختلفة كإنتاج الغاز والطاقة البديلة والقضايا البيئية”.