بعد توتّر العلاقات بين أنقرة وأربيل خلال الفترة الماضية، توجّه إقليم كردستان إلى محاولة إعادة المياه لمجاريها مع الجارة الشمالية، عبر لقاء جمع رئيس حكومة الإقليم مسرور بارزاني والرئيس التركي رجب طيب أردوغان في العاصمة التركية، ليمثل بداية جديدة لاسيما وأن الطرفين لا يريدان خسارة بعضهما، كما يرى مراقبون للشأن السياسي، نتيجة لارتباطهما تجاريا وصناعيا، لكن بالمقابل فأن ملفي الأمن والنفط تصدرا المباحثات بغية التوصل لحل نهائي، في ظل ترجيحات بأن بارزاني سينفذ شروط أرودغان بما يخص "العمال الكردستاني".
ويقول القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني وفاء محمد كريم، إن "زيارة رئيس حكومة الإقليم مسرور بارزاني إلى تركيا في الوقت الحاضر، تهدف إلى تعزيز العلاقات التجارية والاقتصادية من جديد ما بين أنقرة وأربيل، فالإقليم له منفذان حدوديان مع تركيا، كما تأتي من أجل بحث قضية إعادة تصدير نفط الإقليم، فهناك رفض تركي لهذا الأمر حتى اللحظة".
ويضيف كريم، أن "بارزاني سوف يعمل خلال زيارته إلى تركيا على إقناع المسؤولين الأتراك لإعادة تصدير نفط الإقليم من جديد، كما سيتم بحث قضية تزايد عمليات القصف التركي على أراضي الإقليم"، مبينا أن "هذه الزيارة جاءت بعد تنسيق مع رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، وأن نتائجها ممكن أن تكشف خلال الأيام القليلة الماضية، بما يتعلق بقضية إعادة تصدير نفط الإقليم وكذلك الملف الأمني المتعلق بالقصف التركي".
وكان رئيس حكومة إقليم كردستان مسرور بارزاني، وصل يوم أمس إلى العاصمة التركية أنقرة، والتقى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ووزير الخارجية التركي هاكان فيدان، وبحسب البيان الرسمي فأن الزيارة بحثت سبل تعزيز العلاقات بين الإقليم وتركيا، بالإضافة إلى مناقشة آخر التطورات والمستجدات في العراق والمنطقة.
وكان أردوغان، فاز بالانتخابات الرئاسية، بعد منافسة قوية أمام كمال أوغلو، في 28 أيار مايو الماضي، حيث جرت الانتخابات على جولتين، وفي كلا الجولتين حصل أردوغان على النسبة الأعلى من الأصوات، لكنه في الأولى لم يصل لنسبة الـ50 بالمئة المقررة للفوز.
ويرتبط العراق مع تركيا، بملفات عديدة، ولعل أهمها ملف المياه، حيث قللت تركيا الإطلاقات المائية للعراق بشكل كبير، وبلغت نسبة ما يرده 30 بالمئة فقط من استحقاقه الأساسي، إلى جانب الملف الأمني، المتمثل بتنفيذ أنقرة عمليات عسكرية واسعة عبر الطيران والتوغل البري، في إقليم كردستان، بهدف ملاحقة عناصر حزب العمال الكردستاني، الذي تصنفه أنقرة على أنه إرهابي.
وإلى جانب هذه الملفات، يبرز الملف النفطي، حيث تم إيقاف تصدير نفط إقليم كردستان عبر خط جيهان التركي قبل نحو 3 أشهر، بقرار دولي بناء على دعوى قضائية رفعها العراق، ورغم توصل بغداد وأربيل إلى حل بشأن تصدير النفط ووارداته، إلا أن تركيا ما تزال ترفض استئناف تصدير النفط عبر الخط.
وقد كشفت معلومات يوم أمس، أن العراق وتركيا لم يتوصلا إلى اتفاق لاستئناف تصدير نفط الإقليم كوردستان، بسبب رفض بغداد تسديد أجور تصدير النفط عبر الأنبوب الذي يمر من الأراضي التركية وصولاً إلى ميناء جيهان، خلال فترة التي توقف فيها التصدير، فضلا عن الغرامة التي فرضتها هيئة التحكيم التابعة لغرفة التجارة الدولية في باريس، والبالغة مليار و500 مليون دولار، حيث تطالب تركيا بسحب الشكوى وتقسيط المبلغ، في حين أكد الوفد العراقي ضرورة أن تسمح تركيا باستئناف تصدير النفط تعبيراً عن حُسن النيّة، ومن ثم يصار إلى بحث مسألة المحكمة والغرامة.
بالمقابل، يرى المحلل السياسي التركي جواد غوك، أنه "بعد الاستفتاء الفاشل الذي أجراه إقليم كردستان تغيرت المعادلات في المنطقة، فالحكومة التركية كانت غاضبة جدا من قضية الاستفتاء، والذي أثر على علاقة أنقرة وأربيل، لكن هناك مصالح لدى تركيا في الإقليم تتعلق بالتجارة والاقتصاد والاستثمار، إضافة إلى ملف النفط".
ويتابع أن "العلاقة ما بين تركيا وإقليم كردستان حساسة جداً، والطرفان لا يريدان خسارة بعض، ولهذا لا نتوقع أن تكون هناك عمليات عسكرية تركية في الإقليم شديدة كما كانت سابقاً، فالجانب العراقي خلال القصف الأخير وقف بقوة ضد تركيا، وأوصل رسائل تهديد لأنقرة بأنه لا يمكن الاستمرار في العلاقات في ظل هكذا عمليات عسكرية".
ويلفت إلى أن "زيارة بارزاني تهدف إلى إعادة العلاقات إلى وضعها الطبيعي ما بين أنقرة وأربيل، لكن لتركيا مطالب كثيرة أهمها قضية ملف حزب العمال الكردستاني".
يذكر أن علاقة رئيس الحزب الديمقراطي مسعود بارزاني وأردوغان، شهدت توترات كثيرة، وأبرزها ما جرى في العام 2017، عندما أجرى بارزاني استفتاء انفصال إقليم كردستان عن العراق، وشمل به محافظة كركوك، وهو ما قوبل برد سريع وفوري من أردوغان، حيث أغلق المجال الجوي مع الإقليم، فضلا عن المنافذ البرية.
وشن أردوغان في ذلك الوقت، هجوما على بارزاني، وقال في كلمة له إن بارزاني سيخضع لـ"حساب التاريخ،" واصفاً إياه بالساعي وراء الفرص والمصالح، وأعلن أن حكومته ستتواصل مباشرة مع الحكومة المركزية في بغداد وليس مع حكومة الإقليم.
وخلال العامين الماضيين، ارتفعت حدة التوتر نظرا للعمليات العسكرية الكبرى التي أطلقها أردوغان في أراضي الإقليم، لملاحقة عناصر حزب العمال الكردستاني، وأدت هذه العمليات إلى سقوط ضحايا مدنيين واستهداف مصيف، ذهب ضحيته العشرات من النساء والأطفال، وعلى إثر ذلك تقدم العراق بشكوى لمجلس الأمن الدولي ضد القصف التركي.
من جهته، يبين رئيس المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية غازي فيصل،أن "هناك علاقات وثيقة واستراتيجية ما بين إقليم كردستان والحكومة التركية، خصوصاً علاقة الإقليم مع أردوغان توثقت بصورة واسعة في مجال التجارة والصناعة والعدد والأجهزة وفي مجال البنى التحتية من الطرق والجسور والمدن السكنية العملاقة، فهذه الزيارة سوف تناقش بشكل معمق الملف الاقتصادي والاستثماري خلال المرحلة المقبلة".
ويتابع أن "زيارة بارزاني سوف تتناول بكل تأكيد الملف الأمني، والذي يعتبر الشاغل الأول في الاستراتيجية التركية في مواجهة حزب العمال الكردستاني، خصوصاً هو يشكل تهديدا لأنقرة وكذلك لسوريا والعراق وعموم المنطقة، وتركيا هنا سوف تجدد طلبها هذا من خلال الاجتماعات مع بارزاني، لاسيما وأن الحزب الديمقراطي الكردستاني له تنسيق مع الفصائل المسلحة المقربة من إيران، التي ترتبط بحزب العمال أيضا".
وتمتد علاقة بارزاني مع أردوغان لسنوات طويلة، وشكّل بارزاني في العام 2013، قوة دعم كبيرة لأردوغان، حيث عقدا اجتماعا في ولاية ديار بكر الكردية، في خطوة رمزية لتحشيد دعم الكرد لصالح أردوغان، عندما كان رئيسا لوزراء تركيا في حينها، وجرى الاستقبال في حينها بحفاوة كبيرة، وحضور مطرب كردي، كان خارج تركيا منذ سبعينات القرن الماضي، في خطوة اتخذها أردوغان في حينها لكسب تأييد الكرد له، عبر بارزاني، الذي يعد شخصية ذات تأثير كبير على المجتمعات الكردية بالمنطقة.