26 Jan
26Jan

وقع الإطار التنسيقي في "تناقض" حيال قرار المحكمة الاتحادية القاضي بعدم دستورية الأموال المرسلة من بغداد إلى حكومة إقليم كردستان، بحسب محللين، ففيما اعتبر نائب عن الإطار، القرار "صائبا"، دافع عن إرسال الحكومة الحالية لتلك الأموال، استنادا لكون الأخيرة "أصيلة" وليست تصريف أعمال كسابقتها، رغم تأكيد قانونيين بأن القرار يشمل جميع الحكومات، وسط تحذيرات من تدهور الأمور، بانسحاب الحزب الديمقراطي الكردستاني، الذي هاجم القرار، من العملية السياسية، أو ظهور ثغرة تمكن التيار الصدري من العودة إلى المشهد.

ويقول القيادي في التحالف الكردستاني ريبين سلام، خلال حديث له، إن "قرار المحكمة الاتحادية يمثل ورقة ضغط تجاه حكومة السوداني، عبر تقييدها بقرارات لها غطاء قانوني، فيما كان من المفترض أن تتفق جميع الأطراف على دعم الحكومة الحالية، عبر تحالف إدارة الدولة".

ويضيف سلام، أن "هذه المبالغ هي عبارة عن سلف، فالموازنة لا تكفي لسد احتياجات الإقليم، وهذه السلف هي عبارة عن تصفية ما هو معلق في الذمة المالية للمركز، بموجب موازنة 2019 المادة 10 الفقرة ج، التي تشير إلى إلزام الجهات الرقابية العراقية بتصفير الذمة المالية للمركز تجاه إقليم كردستان، التي تراكمت بعد عدم تسلم إقليم كردستان أي مبلغ مالي يخص رواتب الموظفين، وذلك خلال مدة محاربة تنظيم داعش الإرهابي".

ويشير إلى أن "توقيت هذا القرار يدل على فعل سياسي مغلف بإطار قانوني، له دوافع عديدة، منها الحصول على مكاسب جديدة تخص التصويت على بعض القوانين، ومكاسب سياسية بمفاوضات أخرى تجري بين الحكومتين المركزية وحكومة الإقليم، مع التأكيد أن هذه الجهات الضاغطة هي الجهات التي لا تريد الخير للعراق".

وكانت المحكمة الاتحادية العليا، أصدرت يوم أمس قرارا، يقضي بإلغاء جميع القرارات الحكومية المتعلقة بتحويل الأموال إلى إقليم كردستان، ونص قرارها على "الحكم بعدم صحة القرارات الصادرة من قبل مجلس الوزراء في عامي 2021 و2022" بشأن تحويل الأموال لإقليم كردستان، مضيفة أن "الحكم بات وملزما للسلطات كافة".

وورد في تفاصيل قرار الحكم، تحديد فترة قرارات تحويل الأموال في حزيران وتموز وآب وأيلول وتشرين الثاني من العام 2021، وكانون الأول من العام 2022، في وقت تحولت حكومة مصطفى الكاظمي السابقة إلى تصريف أعمال بدءا من تشرين الأول 2021.

يذكر أن الحكومة الحالية برئاسة محمد شياع السوداني، قررت السير على نهج الحكومة السابقة ذاته، وأرسلت مبلغ الـ200 مليار دينار شهريا إلى إقليم كردستان، وقد أصدرت قرارا منتصف الشهر الحالي يقضي بإرسال 400 مليار دينار عن مستحقات شهرين.

إلى ذلك، يرى النائب عن الإطار التنسيقي علي الفتلاوي، خلال حديث له، أن "قرار المحكمة الاتحادية صائب وجريء، ويتوافق مع سيادة القانون، وهذا يفتح الباب أمام إعادة النظر بجملة القرارات التي اتخذها الكاظمي، أثناء مرحلة تصريف الأعمال، وسنعرض العديد منها أمام القضاء".

ويضيف الفتلاوي "لسنا ضد شعب كردستان، بل مع القانون، ويجب أن يكون القانون فوق كل شيء، ومع إحقاق الحق بالتساوي بين جميع المواطنين، فالمبالغ التي أرسلت سابقاً لإقليم كردستان كانت ضخمة، ويجب التحقق منها، لاسيما وأنها أرسلت خارج إطار الموازنة العامة".

وعن إطلاق السوداني لدفعتين ماليتين من هذه الأموال لإقليم كردستان يوضح الفتلاوي، أن "للسوداني حقا قانونيا بصرف الأموال، كونه رئيس للوزراء لم تنته مدة حكمه، فيما تصرف الكاظمي بالمال العام أثناء مدة تصريف الأعمال، أي بعد انتهاء مدة حكمه الفعلية".

وكان رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني، أصدر بيانا يوم أمس، هاجم فيه قرار المحكمة الاتحادية، قائلا "مرة أخرى، وللأسف، أبدت المحكمة الاتحادية العراقية موقفاً عدائياً آخر تجاه إقليم كردستان، بمنع الحكومة الاتحادية من إرسال الأموال التي كان يفترض إرسالها الى الإقليم، والمشكلة الرئيسة هنا ليست المبلغ المالي، بل في الانتهاك الصارخ للحقوق والمبادئ، حيث يعلم الجميع أن مشاركتنا في ائتلاف إدارة الدولة وتشكيل الحكومة العراقية الجديدة، كانت قائمة وفق برنامج واضح ومفصل ومتفق عليه من قِبل جميع الأطراف".

كما وصف بارزاني في بيانه "قرار المحكمة الاتحادية قبل أن يكون ضد إقليم كردستان، هو قرار ضد العملية السياسية وضد الحكومة العراقية"، واصفا ما جرى المحكمة الاتحادية بأنها "حلت محل محكمة الثورة في النظام السابق".

كما أصدرت حكومة إقليم كردستان بيانا، بينت فيه أن هذا الموقف يمثل "تأكيداً على المضي بسياستها الجائرة والعدائية تجاه إقليم كردستان، وفي الوقت الذي توجد فيه أجواء إيجابية وتقارب بين حكومة الإقليم والحكومة الاتحادية للتوصل إلى اتفاق وحل المشاكل تحت مظلة الدستور، إلا أن ما يدعو للأسف أن المحكمة، وبدلاً من دعم هذه الأجواء الإيجابية، منعت الحكومة الاتحادية، بقرار تعسفي ومعادٍ لشعب كردستان، من إرسال المبالغ التي كان يُفترض إرسالها إلى إقليم كردستان".

وأكدت أن القرار "يتنافى مع اتفاق قوى إدارة الدولة التي شكّلت الحكومة الجديدة، وتخالف المنهاج الوزاري الذي أقرّه مجلس النواب، والذي تحدثت فقراته بوضوح عن (تجنب أية إجراءات تصعيدية).. وعليه نرفض قرارات المحكمة الاتحادية، وندعو الحكومة الاتحادية إلى عدم الخضوع لهذا القرار، والإيفاء بالوعود التي قطعتها بإرسال المستحقات المالية لإقليم كردستان".

ومن الناحية القانونية يبين الخبير القانوني أمير الدعمي، خلال حديث له أن "القرار الحالي استند على قرار سابق للمحكمة الاتحادية، ألزم الحكومة الاتحادية بعدم تسليم إقليم كردستان أي مبلغ مالي بما فيها أموال الموازنة، حتى ينتهي إقليم كردستان من تسليم جميع الأموال التي حصل عليها من تصدير النفط خارج إطار الحكومة الاتحادية".

ويلفت الدعمي، إلى أن "حكومة الكاظمي كانت قد التزمت بعدم تسليم الأموال لإقليم كردستان، على إثر قرار المحكمة الاتحادية 59 السابق، فيما خرقت هذا القرار حكومة السيد السوداني، بعد أن أطلق الأموال على شكل دفعات، لأن الاتفاقات السياسية تسمو على أي قانون، فقد كان الاتفاق السياسي قائماً على أساس تشكيل الحكومة مقابل غض النظر على قرار المحكمة الاتحادية السابق".

ويبين أن "قرار المحكمة الاتحادية قانوني ودستوري، مستند على تصدير إقليم كردستان للنفط خارج إطار شركة سومو، والمبالغ المتأتية من هذا التصدير تذهب إلى خزينة الإقليم دون الرجوع للخزينة الاتحادية، بالمقابل لم تكن التوافقات السياسية والمحاصصة قائمة على نسق قانوني أو دستوري".

وأثارت هذه المبالغ المرسلة للإقليم، حفيظة قوى الإطار التنسيقي خلال حكومة الكاظمي، وعدتها محاولة منه للحصول على ولاية ثانية في الحكم، وانتقدت إرسالها في ظل عدم الاهتمام بالمحافظات الوسطى والجنوبية.

يشار إلى أن موازنة 2021، نصت على أن يسلم إقليم كردستان العراق الحكومة الاتحادية 460 الف برميل نفط ونصف إيرادات المنافذ الحدودية، وبعد احتساب كلف التشغيل والإنتاج، من المفترض أن يسلم الإقليم 250 الف برميل نفط الى بغداد، فيما تم تأجيل تسوية الأموال السابقة التي بذمة الإقليم، (وهي متراكمة نتيجة عدم تسليمه ايرادات النفط والمنافذ للحكومة الاتحادية)، لكن لم يسدد الإقليم حتى الآن أي مستحقات للحكومة الاتحادية.

وكان رئيس إقليم كردستان نجيرفان بارزاني، زار بغداد مرتين أواخر الشهر الماضي، وبحث مع السوداني أطر العمل بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم، ضمن أهداف المنهاج الوزاري، وأكد السوداني له، بحسب البيانات الرسمية في حينها التزام الحكومة الاتحادية بالدستور العراقي لمعالجة الملفات العالقة مع حكومة الإقليم بما يضمن حقوق جميع المكونات.

إلى ذلك، يؤكد المحلل السياسي علي البيدر، خلال حديث له أن "المشهد السياسي الحالي فرض ثقافة معينة على القضاء، دفعه لاتخاذ خطوة كهذه، في وقت يجب المحافظة على مرحلة الاستقرار النسبي التي شهدها العراق في الآونة الأخيرة، على الصعيدين السياسي والأمني، وربما قرار كهذا سوف يعجل بانسحاب الكرد من الحكومة أو من المشهد السياسي، وبالتالي سيضعف من الحكومة الحالية، مع بروز أزمات متداخلة، تنتج عن فتح ملفات عديدة".

ويضيف أن "بروز الأزمة السياسية بين المركز والإقليم سيسرع من عودة التيار الصدري، الذي ينتظر الثغرات السياسية والأزمات ليعيد ترتيب أوراقه من جديد، عبر مزيد من التحالفات مع المتخاصمين، وهذا ما لا يخدم إصلاحات السوداني، التي تسير بوتيرة متصاعدة".

ويكمل البيدر، أن "العراق شهد مؤخراً تقارباً بين مكوناته وطبقاته الاجتماعية، وهذا ما تبين في بطولة كأس الخليج العربي، ومع احتفاء المجتمع الكردي بفوز المنتخب العراقي بالبطولة، وحضورهم الاحتفالات في مدينة البصرة، لكن أزمة سياسية كهذه ربما تسوق على أنها ضد شعب الإقليم، وهذا ما يؤدي إلى تصدع العلاقات الاجتماعية، فالحل الوحيد أمام الطبقة السياسية هو الجلوس على طاولة واحدة، وحلحلة جميع الأزمات مرة واحدة".

جدير بالذكر، أن المحكمة الاتحادية أصدرت، منتصف شباط فبراير 2022، قرارا يقضي بعدم دستورية قانون النفط والغاز في إقليم كردستان، ومنعته من تصدير النفط لصالحه، على أن يكون التصدير عن طريق بغداد حصرا، بناء على دعوى رفعتها وزارة النفط الاتحادية، ومن ضمن قرارات المحكمة الاتحادية، هو استقطاع مبالغ تصدير النفط من نسبته بالموازنة في حال عدم التزام إقليم كردستان بتطبيق القرار.

وقد أثار المحكمة الاتحادية السابق بشأن قانون النفط والغاز، لغطا كبيرا، وهجوما كبيرا من قادة إقليم كردستان، وأكدت حكومة الإقليم آنذاك أنها لن تلتزم به واستمرت بتصدير النفط.

يشار إلى أن مصادر سياسية كشفت في تقرير سابق مؤخرا، أن السوداني وافق على تخفيف الضغوط على الشركات الأجنبية العاملة في إقليم كردستان، بهدف الاستجابة لقرار المحكمة الاتحادية، وذلك بناء على الاتفاق السياسي وما ورد في منهاجه الحكومي.

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - وكالة انباء النافذة