الاتفاق الأخير بين الولايات المتحدة وإيران، والمتضمن تبادلاً للسجناء وإفراجاً عن الأموال الإيرانية المجمدة، قابله تفاؤل بانعكاس إيجابي على الواقع العراقي، نظراً إلى أنه سيخضع طهران لاشتراطات واشنطن، وفيما أكد محللون أن العراق تحول إلى ورقة تفاوض دائمة الحضور في أي حوار أمريكي- إيراني، نفى مقرب من الإطار التنسيقي وجود علاقة بين الاتفاق وبين نشاطات الفصائل المسلحة العراقية.
ويقول رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري، خلال حديث لـه، إن "الاتفاق الأمريكي- الإيراني (الأخير)، يمكن أن يكون له انعكاس إيجابي على العراق، من ناحية أن طهران ستخضع للاشتراطات الأمريكية، وهذه الاشتراطات تتعلق بقضية التمدد الإيراني والملف النووي الإيراني وغيرها".
وكانت وكالة "إرنا" الإيرانية نقلت، الجمعة 11 آب 2023، عن مصدر رسمي لم تسمه أن الولايات المتحدة وإيران توصلتا إلى اتفاق يقضي بالإفراج عن ستة مليارات دولار من الأموال الإيرانية المجمدة في كوريا الجنوبية و"جزء كبير" من أموال إيران لدى المصرف العراقي للتجارة، كما تضمن الاتفاق تسليم إيران خمسة أمريكيين مسجونين لديها إلى الولايات المتحدة مقابل تسلمها خمسة إيرانيين مسجونين في أمريكا.
وتم الاتفاق على تحويل أموال إيران إلى اليورو، ونقلها إلى مصرف في سويسرا، ومن هناك إلى حساب مصرفي في قطر ليكون متاحا لإيران الحصول على هذه الأموال، ووفقا لهذا الاتفاق أيضا، فإنه لن يتم الإفراج عن السجناء الأمريكيين حتى يتم تحويل الأموال الإيرانية بالكامل إلى حساب لطهران في قطر، التي ستشهد عملية تبادل السجناء.
ويضيف الشمري، أن "الولايات المتحدة تفصل ما بين قضية العقوبات وقضية الاتفاق الأخيرة بتبادل السجناء ما بين واشنطن وطهران"، لافتاً إلى أن "قضية الفصائل كانت جزءاً من الاتفاق، بأن لا تستهدف تلك الفصائل الأهداف والمصالح الأمريكية من السفارة أو القواعد وغيرها من الأهداف".
ويبدي المحلل السياسي، تفاؤلا بانعكاس الاتفاق "إيجاباً على الملف العراقي الذي تديره الولايات المتحدة الأمريكية بمعزل عن الملف الإيراني، خصوصاً مع وجود عقوبات على بعض الشخصيات والمصارف المقربة من طهران"، وفيما يستبعد "خضوع الولايات المتحدة لأي من الضغوط الإيرانية"، يرى أن "من المبكر جداً اعتبار صفقة تبادل السجناء بين طهران وواشنطن، يمكن أن تنهي الأزمة بين الدولتين".
وكانت ما تعرف بـ"تنسيقية المقاومة"، أصدرت في حزيران يونيو الماضي، بيانا أعلنت فيه أن إيقاف العمليات العسكرية ضد التواجد العسكري الأمريكي داخل العراق، يجب ألا يفهم منه القبول باستمراره، مشيرة إلى "منح فرصة أخيرة للحد من انتهاكات أمريكا".
ومنذ نحو ثلاثة أعوام، صعّدت الفصائل المسلحة وقوى الإطار التنسيقي من مطالباتها بإخراج القوات الأمريكية من العراق، وضغطت بكل السبل لتحقيق هذا الأمر، إلى جانب ظهور فصائل بأسماء وهمية، تبنت كافة عمليات استهداف المصالح الأمريكية في العراق.
جدير بالذكر، أن استهداف المصالح الأمريكية عبر الطائرات المسيرة والصواريخ، كان حاضرا في ذروة الأزمة السياسية التي استمرت لأكثر من عام، حيث جرت استهدافات عدة ومن أبرزها ضد القاعدة العسكرية الأمريكية قرب مطار بغداد الدولي، وذلك في أيار مايو 2021.
من جهته، يفيد المحلل السياسي المقيم في واشنطن نزار حيدر، خلال حديث لـه، بأنه "لا يختلف اثنان على أن العراق هو الملف التفاوضي الدائم على طاولة أي حوار أمريكي إيراني منذ 2003 ولحد الآن، بسبب نفوذ الطرفين في عمق العملية السياسية، خاصة إذا أخذنا بنظر الاعتبار أن نظام ما بعد 2003 هو أمريكي بامتياز، وأن أدواته هم وكلاء إيران بشكل أو بآخر، وهذا يدل بشكل واضح على أن تخادماً أمريكياً إيرانياً مستمراً في العراق، لم ينقطع حتى قبل التغيير والغزو الأمريكي، تحدث عنه بإسهاب السفير الأمريكي الأسبق في العراق زلماي خليل زاد في مذكراته، وكذلك محمد جواد ظريف وزير الخارجية الإيراني السابق في مذكراته، وقد تتغير موازين وأحجام هذا التخادم إلا أنه لن ينتهي في يوم من الأيام بسبب مصالحهما المتشابكة والمتداخلة".
ويبين حيدر، أنه "منذ تشكيل حكومة الإطار (حكومة محمد شياع السوداني) ولحد الآن، فإن الدور الأمريكي تمدد بشكل كبير، وقد جاء في بعض مفاصله على حساب الدور الإيراني، وطبعاً بغض النظر عن طبيعته والمناطق الرخوة فيه، ولكن ذلك حصل لعدة أسباب، منها رغبة الإطاريين وحكومتهم في إرضاء واشنطن بأي شكل من الأشكال، لذلك نلاحظ أنهم وافقوا على كل اشتراطاتها بلا نقاش، وهو الأمر الذي أعاد حقيقة التخادم القديم بينهم وبينها بكل تفاصيله، ويأتي في هذا الإطار إصرار رئيس الحكومة وكل زعماء قوى الإطار على تنفيذ اتفاقية الإطار الاستراتيجي الموقعة مع الولايات المتحدة عام 2008 بحذافيرها، إضافة إلى رغبة الأطراف الإقليمية وواشنطن في تهدئة الأمور في المنطقة وخفض مستويات التصعيد في كل الملفات، وطبعاً هذه الرغبة هي التي تقف خلف التطبيع الإيراني السعودي على وجه التحديد، وكذلك خلف المفاوضات المباشرة الجارية منذ أشهر بين طهران وواشنطن".
ويتابع أن "إيران تمر بظروف اقتصادية واجتماعية وسياسية صعبة، وكذلك هناك رغبة من واشنطن لخفض التصعيد معها، لذلك فإن سياسة طهران الجديدة مع ملف العراق تقضي بغض الطرف عن بعض التزاماتها إزاء وكلائها، لصالح خطوات اقتصادية ومالية تحققها في مفاوضاتها مع واشنطن التي لم تتردد في تحقيق ما تصبو إليه طهران كثمن لمواقفها الإيجابية، فوافقت لأول مرة على أن تدفع بغداد بعض التزاماتها المالية إليها بالدولار".
ويلفت إلى أن "ملف حصر السلاح بيد الدولة أمر تعمل واشنطن على تحقيقه بالتعاون مع القائد العام للقوات المسلحة السوداني، الذي يرغب هو الآخر في إنجازه ليحمي حكومته وسلطته من سلاح الميليشيات ولتقليم أظافر وقلع أسنان عدد من زعماء الإطار الذين يهددونه بالفصائل المسلحة، وقد تمت مناقشة هذا الملف في اجتماعات اللجنة العسكرية والأمنية العليا العراقية الأمريكية المشتركة التي عقدت اجتماعاتها في واشنطن مؤخراً، بحضور الوفد العراقي برئاسة وزير الدفاع والجانب الأمريكي برئاسة نائب وزير الدفاع الأمريكي.
جدير بالذكر، أن واشنطن بدأت منذ مطلع العام الحالي، بضبط حركة الدولار لمنع تهريبه من العراق إلى إيران، وفرضت عقوبات على مصارف عراقية عديدة وشروطا على البنك المركزي العراقي، ما دفع الأخير لإصدار حزم إجراءات عدة، لوقف تهريب الدولار والاكتفاء بتمويل التجارة الحقيقية فقط وليست الوهمية، ما أدى لارتفاع سعر الدولار في السوق العراقية لمستويات قياسية رغم خفض سعره بشكل رسمي من 142 إلى 132 ألف دينار لكل 100 دولار.
إلى ذلك، يوضح المحلل السياسي المقرب من الإطار التنسيقي علي فضل الله، خلال حديث لـه أن "الاتفاق الأمريكي- الإيراني الأخير يتعلق بملف تبادل السجناء، ومن طلب هذا الاتفاق هو الجانب الأمريكي وأعطى مغريات إلى الجانب الإيراني، ولهذا دائما ما يعمل الإعلام على تحريف الحقائق وإيصال فكرة بأن إيران ضعيفة وتعطي تنازلات لأمريكا وهذا غير صحيح".
ويضيف فضل الله، أن "هناك دائما من يريد ربط تحركات ونشاطات الفصائل المسلحة في العراق بأي اتفاق إيراني-أمريكي وهذا غير صحيح، والفصائل صحيح أنها تتعاون بشكل كبير مع طهران وتعدها عمقها الاستراتيجي، لكن هذا لا يعني أن تتحكم بقرارات الفصائل داخل الجغرافيا العراقية، بل الفصائل لها سياستها الخاصة وتتعامل وفق المتغيرات".
ويواصل أن "الاتفاق الإيراني- الأمريكي الأخير كان يخص حصراً ملف تبادل السجناء وإطلاق الأموال المجمدة لإيران لدى كوريا الجنوبية والعراق، والمفاوض الإيراني كان هو الذي يملي على المفاوض الأمريكي وليس العكس، ولهذا أمريكا لا تستطيع الإملاء على ايران في أي من الملفات".
يشار إلى أن العراق يواجه صعوبة في تسديد ديون شراء الغاز من الجانب الإيراني لتشغيل محطاته الكهربائية، بسبب العقوبات المالية التي تقيد بغداد بهذا الشأن.