في ظلّ السعي الحكومي لتوسيع رقعة الاستثمار في البلاد عبر جذب مستثمرين إلى العراق، حدد متخصصون، أبرز المشاريع الاستثمارية بالطاقة والنفط والغاز، ما قد يحقق قفزة كبيرة، لكنهم دعوا لتطوير الخبرات المحلية وإصلاح قانون الاستثمار بما يتناسب مع فلسفة الدولة بعد 2003، وتحولها من نظام شمولي اشتراكي إلى نظام السوق المفتوح.
ويقول الخبير الاقتصادي نبيل التميمي، خلال حديث لـه إن "الكثير من المجالات في العراق مفتوحة أمام الاستثمار منها مجال الطاقة كالكهرباء والنفط والغاز ومجال الاستثمار المعدني الذي يحتاج إلى إقرار قانون، خاصة في ما يتعلق بالكبريت والفوسفات، إضافة إلى الاستثمار بالمصافي، فمن المحتمل أن تطرح مجموعة من الشركات الكبرى المصافي للاستثمار أو على الأقل مصفى واحد كبير على غرار مصفى كربلاء".
ويوضح التميمي أن "هذه المجموعة من أبرز الاستثمارات الموجودة في العراق ولا تقام إلا بتراخيص، كما سيتم اقامة جولة ثالثة من التراخيص قريبا إضافة الى استثمار السكن الذي وضع ضمن جدول المشاريع ولكن حتى الآن ليست هناك خطة حول الموضوع".
ويتابع التميمي "في حالة مضي العراق في طريق إكمال هذه المشاريع الاستثمارية ستكون هناك إيرادات كبيرة وأرباح وتشغيل أيد عاملة ولكن تبقى آليات الاستثمار وإمضاء العقود هي ما يؤخر إتمامها"، مبينا "إذا لم تكن هناك قدرات محلية ولا تنظيم محلي ولا خبرة محلية سيتوجه الاستثمار الى الشراكة بنسبة 50 بالمئة ولكن في حالة توفر الخبرات والقدرات سوف يتم انجاز هذه المشاريع بالجهد الوطني".
وحول قانون الاستثمار، يشير إلى أن "القانون مناسب لأصحاب الشركات والاستثمارات من سطحيات وأطر عامة ولكنه يفتقر إلى غياب التعليمات ويواجه العديد من المشاكل، فهناك وزارات تعمل به بينما وزارات أخرى لا تعمل به ولكنه يبقى ليس بالمستوى المطلوب فهو كحال جميع القوانين ليس احترافيا، ولا يرتقي الى مستويات عالية فضلا عن أنه لا يحتوي على تعليمات".
وكان رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، استقبل يوم أمس الأثنين، رئيس مجلس الأعمال الأمريكي- العراقي نائب رئيس غرفة التجارة الأمريكية لشؤون الشرق الأوسط ستيف لوتس، وجرى خلال اللقاء بحث التعاون في المجالات الاقتصادية والمالية والصحية، فضلاً عن ترسيخ هذا التعاون في مجال الطاقة والبيئة، إضافة إلى الشراكة بين القطاع الخاص العراقي والشركات الأمريكية، كما أكد السوداني أن الحكومة عازمة على تهيئة كلّ ما من شأنه أن يوفر البيئة الاستثمارية الآمنة للشركات العالمية، من خلال القوانين والتشريعات.
وبعد هذا اللقاء، استقبل السوداني وفداً يضم عدداً كبيراً من ممثلي الشركات الألمانية، وأكد أن الساحة العراقية منفتحة على كلّ أنواع الشراكات الاقتصادية، وناقش معهم الفرص الاستثمارية المتاحة والعمل المشترك مع الشركات الألمانية في العراق.
وفي لقاء ثالث يوم أمس أيضا، التقى السوداني وفداً من رجال الأعمال والمستثمرين في دولة الإمارات، وأشار إلى أن العراق تتوفّر فيه فرصٌ استثمارية طموحة، وهو مهيّأ لقفزة اقتصادية نوعية، من شأنها النهوض بالتنمية المستدامة وتحقيق كامل أهدافها، ولفت إلى الاستثمارات الكبيرة المتحقّقة بالعراق في مجالي الطاقة والبتروكيمياويات.
من جهته، يؤكد المستشار المالي لرئيس مجلس الوزراء مظهر محمد صالح، خلال حديث لـه أن "الفرص الاستثمارية التي تحقق قيمة مضافة عالية وتؤدي إلى تنويع الاقتصاد الوطني وينخفض فيها معامل رأس المال أسستها الخريطة الاستثمارية للهيئة الوطنية للاستثمار في ما يخص مشاريع القطاع الخاص، في حين تحظى المشاريع الاستثمارية الاستراتيجية باهتمام الحكومة ونشاطاتها الوزارية القطاعية".
ويضيف صالح أن "الاستثمار الزراعي والصناعي أحد أهم الأولويات في تنويع الاقتصاد الوطني وفك روابطه الأحادية المعتمدة على النفط الخام، فمشروع قانون الإصلاح الاقتصادي يعد الشرارة الأولى لولوج النشاطات الاستثمارية آلتي ستأخذ جانب الشراكة بين الدولة والقطاع الخاص ابتداء من مشاريع تصنيع المواد الخام كالفوسفات والكبريت والغاز الطبيعي وغيرهما في إطار توليد سلاسل قيمة مضافة عالية".
ويشير إلى أن "النظرة الى الشراكات الاستراتيجية مع القطاع الخاص هو التوجه نحو نهضة في الاستثمار، وستجعل العراق في مصاف دول المنطقة النفطية المماثلة في استراتيجيات التنويع الاقتصادي للناتج المحلي الإجمالي".
يشار إلى أن السوداني، وفي شباط فبراير الماضي، زار الهيئة الوطنية للاستثمار، ومنها أكد وجود عوائق كثيرة تقف في طريق تطوير الاستثمار، في مقدمتها مشكلة الأراضي والقوانين والتعليمات، وعدم وجود رؤية واضحة للاستثمار، تُبنى في ضوء المنهاج الوزاري، وتتكامل مع البرنامج الحكومي حسب أولويات الدولة والموارد الموجودة، وعلى وفق أسس علمية صحيحة في قطاعات النفط والغاز والمعادن والزراعة وغيرها.
جدير بالذكر، أن الخبير الاقتصادي باسم انطوان أكد في حديث سابق أن الاستثمارات الموجودة الآن في العراق ليست استثمارات إنتاجية أو زراعية أو صناعية أو سياحية بالشكل الذي يعول عليها، فأغلبها منصب على مراكز التسوق التي تبنى على قطع أراض مميزة وتمتلئ بسلع استهلاكية مستوردة، ولا توجد فيها بضاعة عراقية مصنعة في الداخل، وهذا ما يساعد على خروج رؤوس الأموال إلى خارج البلد".
وكان العراق أقر عام 2006 قانون الاستثمار بالرقم 13، ويتمثل في تأسيس الهيئة الوطنية للاستثمار، وتتفرع منها هيئات في جميع المحافظات العراقية، وتعنى بجلب الاستثمارات المحلية والدولية من أجل تحسين واقع البلاد الخدمي والبنى التحتية وخلق فرص عمل.
يشار إلى أن النائب السابق واللجنة القانونية النيابية رشيد العزاوي، أكد في حديث صحفي خلال الدورة النيابية السابقة، أن قانون الاستثمار تعترضه العديد من العراقيل، أولها تضاربه مع قوانين استثمار أخرى في وزارات الدولة، رغم أن قانون الاستثمار (13) له الأولوية وفق تشريعه، فضلا عن أنه لا يحمي أموال المستثمر (العراقي والأجنبي) ويطالب بكشف الذمة المالية للمستثمر.
بدوره، يرى الخبير القانوني ماجد مجباس، خلال حديث لـه أن "تغيير النظام العراقي من نظام اشتراكي شمولي إلى نظام أقرب إلى الفردي ونظام السوق يحتاج الى تغيير الفلسفة التشريعية بالكامل، فهناك ترسانة من التشريعات تحتاج إلى تعديل وتبديل وإلغاء وتحديث، حيث بات وضع فلسفة الدولة مشوها لا هو اشتراكي ولا هو وضع فردي".
ويؤكد مجباس أن "السلطة التشريعية في العراق بعد التغيير لم تسلط الضوء على القوانين التي تلامس حياة المجتمع وحاجة الناس الحقيقية بقدر ما ركزت على الاهتمام بالقوانين التي لها علاقة بسلطة الحكم وتوزيع السلطة وقوانين الانتخابات".
ويتابع أن "النظام السابق كان نظاما شموليا، وطبيعة القوانين مفصلة من الناحية الإدارية على أساس نظام اشتراكي، لكن الوضع الحالي مختلف ولذلك نرى الكثير من الترهل في الجهاز الإداري ويحتاج إلى نشاط تخلقه القوانين التي تناسب الوضع الحالي فالكثير منها يحتاج الى تعديل".
وفي ما يخص قانون الاستثمار، يعتقد مجباس أن "القانون الحالي من التشريعات المتطورة على مستوى المنطقة، ولكنه لا يعمل بمعزل عن قوانين أخرى، فقانون التسجيل العقاري له علاقة بقانون الاستثمار والأول ممكن أن يقيّد الأخير كما أن هناك قوانين خاصة بمسألة الإدارة ومسألة التعريفات الضريبية، فالقانون يحتاج إلى قوانين أخرى وهذه بدورها تحتاج الى التعديل فليس كافيا تشريع قانون استثمار بهذا المستوى والقوانين الحاكمة الأخرى مازالت متأخرة".
يذكر أن لجنة الاستثمار النيابية السابقة، أكدت هيمنة شخصيات وأحزاب وميليشيات على مشهد الاستثمار في البلاد، وأن من شأنه منع حصول الشركات الاستثمارية الرصينة على فرصة للدخول في مجال الاستثمار في البلاد.