14 Feb
14Feb

يعود الحديث مجددا عن معوقات الاستثمار في العراق، ففيما طرح رئيس الحكومة هذا الأمر ولم ينفه، كشف متخصصون بالشأن الاقتصادي، أن الملف الأمني من أبرز هذه المعوقات، وتتصدره سيطرة بعض العشائر والجماعات المسلحة على أي مشروع استثماري قريب، ومحاولتهم فرض أتاوات على المستثمرين، فضلا عن حاجة قانون الاستثمار للتعديل.

ويقول الباحث في الشأن الاقتصادي ضياء المحسن، خلال حديث لـه، إن "الاستثمار كما هو معروف، جبان يبحث عن بيئة آمنة، ولا يقصد بذلك استقرار الوضع الأمني فقط، بل في ما يتعلق أيضا بعمليات الترهيب التي تحصل هنا وهناك من قبل بعض الجماعات المسلحة، وممن يفرض أتاوات على المستثمرين، ويجب ألّا ننسى البيروقراطية في إدارة منح الفرص الاستثمارية، وهذه جميعها معوقات تحدث عنها السوداني".

ويشدد المحسن على "الحاجة لتعديل قانون الاستثمار، فالفرص الاستثمارية لا يجب أن تمنح بسهولة وتترك المستثمر يفعل ما يشاء، فالأخير يجب أن يحقق ما يريده مانح الفرصة مع ضرورة أن تكون الفرصة الاستثمارية مجدية بالنسبة للبلاد، وهذا أمر مهم جدا لاسيما وأن كل شيء في هذا البلد يعاني من نقص، فمثلا القطاع الزراعي تنقصه المكائن والمعدات والإدارة الحكيمة التي ترشد الفلاح، والحال نفسها بالنسبة للقطاع الصناعي".

ويستدرك أن "المسؤولين عن الاستثمار لا يملكون المؤهلات لإدارة هذه العملية، فليست هناك سياسة تدرس التمويل المالي وكيفية استرداده، فعند توقيع عقد استثماري مع أي مؤسسة، يصبح من الواجب على المستثمر أن يكون على دراية بما له وما عليه، وهذا ليس موجودا"، مضيفا أن "هناك مشاكل أخرى تبرز في بعض المحافظات تتعلق بالعشائر التي تعيق حصول فرص استثمارية كبيرة، وهذه المعوقات يجب أن تكون الحكومة حاضرة لتتدخل فيها".

ويجد المحسن "ضرورة البحث عن الفرصة والفائدة المتحققة من الاستثمار، فنحن بحاجة إلى إعادة صياغة قانون الاستثمار لضمان ذلك، ولجذب شركات استثمارية لديها القدرة المالية والإمكانات الفنية والتكنولوجية وتتعاون في مسألة تأهيل اليد العاملة العراقية".

وكان رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، زار يوم أمس الإثنين، الهيئة الوطنية للاستثمار، ومنها أكد وجود عوائق كثيرة تقف في طريق تطوير الاستثمار، في مقدمتها مشكلة الأراضي والقوانين والتعليمات، وعدم وجود رؤية واضحة للاستثمار، تُبنى في ضوء المنهاج الوزاري، وتتكامل مع البرنامج الحكومي حسب أولويات الدولة والموارد الموجودة، وعلى وفق أسس علمية صحيحة في قطاعات النفط والغاز والمعادن والزراعة وغيرها.

وتطرق السوداني في حديثه، إلى أن يتصدى الاستثمار للأزمات، مثل أزمة السكن، حيث يحتاج هذا القطاع إلى المزيد من المشاريع الاستثمارية، فيما لو ساهم الاستثمار في حل هذه الأزمة، في حين إن الواقع يشير إلى أننا خسرنا أراضي متميزة دون أن يكون هناك حلّ جذري للأزمة، مؤكداً ضرورة التمييز بين المستثمر الحقيقي الفاعل والآخر غير الحقيقي.

ومنذ سنوات قليلة، بدأت تنتشر في بغداد ظاهرة بناء المجمعات السكنية، في ظل أزمة سكن حادة تضرب البلاد منذ سنوات طويلة، وقد أكد متخصصون في الاقتصاد خلال تقارير سابقة أن بناء هذه المجمعات السكنية، يجري من قبل شخصيات متنفذة عليها عقوبات دولية، ولا يمكنها إخراج أموالها لدول أخرى، فعمدت إلى استثمارها في هذه المجمعات.

من جانبه، يرى الباحث المتخصص في الشأن الاقتصادي همام الشماع، خلال حديث له أن "أكبر وأهم مشكلة للاستثمار تتعلق بالجانب الأمني الذي ينقسم إلى شقين؛ المعلوم والمجهول، والمجهول هو وجود أناس لا تريد للعراق أن يستقر، وبالتالي تعمل على التهديد أو توجيه رسائل سلبية عن البلاد، أما المعلوم هو انه دائما هناك من يريد فرض إتاوات أو شراكات قسرية على المستثمر الأجنبي تحت غطاء حمايته، وهذه الأفعال لم يسلم منها المستثمر المحلي أيضاً".

ويضيف الشماع، أن "عدم استقرار سعر الدولار وتذبذبه وتقلباته من المشاكل الأخرى التي تواجه الاستثمار، كذلك وجود فساد في الهيئة الوطنية للاستثمار التي تطلب مبالغ مقابل إجازة الاستثمار المحلي"، مؤكدا أن "من المشاكل المهمة أيضا عدم وجود نافذة موحدة للمراجعات الاستثمارية وبالتالي على المستثمر أن يراجع العديد من الدوائر والمؤسسات".

وبشأن تنشيط هذا القطاع واحتياجاته، يعرّج الشماع على عدة مطالب، منها "توفير الطاقة الكهربائية، وهي شرط مهم للمستثمرين فمن دون الطاقة الكهربائية لا يوجد استثمار محلي"، مؤشرا أن "القضاء على الفساد وتثبيت الإجراءات وإيجاد نافذة الكترونية موحدة يطلع عليها الجميع المستثمرين، هي خطوات من شأنها المضي بنمو الاستثمار".

جدير بالذكر، أن الخبير الاقتصادي باسم انطوان أكد في حديث سابق أن الاستثمارات الموجودة الآن في العراق ليست استثمارات إنتاجية أو زراعية أو صناعية أو سياحية بالشكل الذي يعول عليها، فأغلبها منصب على مراكز التسوق التي تبنى على قطع أراض مميزة وتمتلئ بسلع استهلاكية مستوردة، ولا توجد فيها بضاعة عراقية مصنعة في الداخل، وهذا ما يساعد على خروج رؤوس الأموال إلى خارج البلد".

وكان العراق أقر عام 2006 قانون الاستثمار بالرقم 13، ويتمثل في تأسيس الهيئة الوطنية للاستثمار، وتتفرع منها هيئات في جميع المحافظات العراقية، وتعنى بجلب الاستثمارات المحلية والدولية من أجل تحسين واقع البلاد الخدمي والبنى التحتية وخلق فرص عمل.

يشار إلى أن النائب السابق واللجنة القانونية النيابية رشيد العزاوي، أكد في حديث صحفي خلال الدورة النيابية السابقة، أن قانون الاستثمار تعترضه العديد من العراقيل، أولها تضاربه مع قوانين استثمار أخرى في وزارات الدولة، رغم أن قانون الاستثمار (13) له الأولوية وفق تشريعه، فضلا عن أنه لا يحمي أموال المستثمر (العراقي والأجنبي) ويطالب بكشف الذمة المالية للمستثمر.

بدوره، يرى الباحث في الشأن الاقتصادي جليل اللامي، خلال حديث لـه أن "أهم معوق للاستثمار يتمثل بالتدخلات العشائرية والمتنفذين في مجال عمل الشركات العالمية، إضافة إلى خطر انتشار الجريمة المنظمة والجماعات الخارجة عن القانون وقيامها بفرض الإتاوات على الشركات وتهديد مصالحها، الأمر الذي دعا العديد من الشركات العالمية إلى صرف النظر عن العمل العراق".

ولا ينسى اللامي "فقدان الثقة بين الشركات المستثمرة والجهات الحكومية المتمثلة في بعض الوزارات التي تعاني من عدم شفافية في منح الاستثمار أو فرض مبالغ مالية مقابل إحالتها إلى شركات محددة، وكذلك الإجراءات البيروقراطية والروتين الحكومي القاتل الذي يشكل عقبة كبيرة بوجه الاستثمار الأجنبي، وامتناع المؤسسات الحكومية المختلفة عن تقديم التسهيلات التي تساعد في تنفيذ المشاريع الاستثمارية في ظل انتشار آفة الفساد المالي والإداري".

وبشأن تشجيع الاستثمارات في البلاد يشير اللامي إلى "ألحاجة إلى تشجيع القطاع الخاص العراقي للاستثمار في البلاد من خلال توفير التسهيلات اللازمة لتأسيس المشاريع الاستثمارية وتعزيز القدرة التنافسية للمشاريع المشمولة بأحكام القانون في الأسواق المحلية والأجنبية، وكذلك حماية حقوق وممتلكات المستثمرين".

كما يؤكد على ضرورة "إجراء بعض التعديلات على قانون الاستثمار بما ينسجم مع التطور الهائل الحاصل في مجال الاستثمار في العالم"، لافتا إلى أن "تعديل قانون الاستثمار لا يتطلب جهداً كبيراً بل تعديل بعض الفقرات التي تحتاج إلى ذلك لوجود ثغرات بسيطة فيها، والتي لم تعالج لسنوات طويلة وبسببها سيطر الفساد على الاستثمار، وأدى إلى تأخير إتمام المشاريع الاستثمارية لسنوات".

وكانت المشاكل التي رافقت توقيع الحكومة لعقد إنشاء ميناء الفاو الكبير، من أبرز الحوادث بشأن الاستثمار في البلد، حيث جرى ضغط كبير على الشركة الكورية، وصل مرحلة العثور على جثة مديرها في العراق، وقد قيل في حينها أنه انتحر، دون معرفة السبب الحقيقي لوفاته.

يذكر أن لجنة الاستثمار النيابية السابقة، أكدت هيمنة شخصيات وأحزاب وميليشيات على مشهد الاستثمار في البلاد، وأن من شأنه منع حصول الشركات الاستثمارية الرصينة على فرصة للدخول في مجال الاستثمار في البلاد.

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - وكالة انباء النافذة