تسهيلات جديدة تمنحها وزارة العمل والشؤون الاجتماعية للعمال الأجانب، تتلخص بمنحهم مهلة لتصحيح مسارهم الرسمي والقانوني داخل البلاد، في خطوة اعتبرها مراقبون مناقضة لقرار الوزارة السابق بالحد من توافد تلك العمالة لغرض إتاحة المزيد من فرص العمل أمام الشباب العراقيين، مؤكدين أن العمال الأجانب ليسوا فنيين أو ممن يمتلكون مهارات خاصة.
ويرى الخبير الاقتصادي عبد الرحمن المشهداني، أن "التسهيلات التي منحت للعمالة الأجنبية ليست خيارا صائبا، خاصة أن العراق يعاني من بطالة كبيرة إضافة إلى إيقاف التعيينات لمدة خمس سنوات ووجود ترهل في الجهاز الحكومي، وبالتالي هذه التسهيلات لا تعتبر حلاً".
والتقى وزير العمل أحمد الأسدي، في 29 من شهر أيار مايو الماضي، نظيره الباكستاني أحمد امجد، وخلال اللقاء أكد الأسدي، أن الوزارة قدمت العديد من التسهيلات التي من شأنها تقويم المسار القانوني للعمالة غير الشرعية، ومنها تخفيض الرسوم على تصريح العمل للعمالة الأجنبية إلى 250 الف دينار، وذلك خلال حديثه عن دخول العمالة بصورة غير شرعية.
ويتابع المشهداني، أن "العدد الحقيقي للعمال البنغال مثلا يتراوح بين 700 ألف إلى مليون بينما عدد المسجلين 90 ألفا فقط، ووزير العمل صرح بأن هنالك أكثر من مليون ونصف المليون عامل أجنبي في البلد"، لافتا إلى أن "الأعمال التي يقوم بها هؤلاء هي أعمال اعتيادية يمكن أن يقوم بها العمال المحليون، عدا خدمات المنازل".
ويعبر الخبير الاقتصادي، عن استغرابه من "هذا الترخيص، لأن هذا الباب قد يفتح مجالا لدخول عمال من دول أخرى خاصة بوجود السوريين الذين من الممكن أن يمنحوا ترخيصا أيضاً مستقبلاً، وهذا يعني أننا لن نجد حلولا فعلية لمشكلة البطالة وتنظيف سوق العمل في العراق".
ويلفت إلى أن "العمالة الأجنبية أصبحت تزاحم العمالة العراقية خاصة أن نوعية الأعمال التي تقوم بها هاتان الفئتان ليست أعمالا تتطلب جهدا فنيا تخصصيا لا نستطيع توفيره، فالعراق ليس بحاجة إلى عمال خدمة أو عمال مطاعم، إذ أن هذه المهن لا يصعب القيام بها من قبل العراقيين".
يذكر أن العراق وفي آذار مارس الماضي، ألغى سمة الدخول للبنانيين، ما ساهم بدخول أعداد كبيرة من العمالة اللبنانية للعراق، وذلك بالتزامن مع تدهور الوضع الاقتصادي في لبنان.
وكان وزير العمل، قد وجه بعد تسمنه منصبه بفترة وجيزة، دائرة العمل والتدريب المهني بعدم ترويج طلبات جديدة خاصة بالشركات المرخصة بتشغيل العمالة الأجنبية، فيما بين أن الوزارة بصدد وضع آليات دقيقة وفقا للقانون، تضمن تشغيل العاطلين عن العمل من العراقيين قبل منح أي فرصة للعمالة الأجنبية.
ومنذ سنوات عديدة، برزت ظاهرة العمالة الوافدة في العراق، وشملت كافة القطاعات، ولاسيما أن أغلب العمالة كانت من بنغلادش، فيما أصبحت مؤخرا من سوريا ولبنان، في ظل الأزمات الاقتصادية التي طالت البلدين، وتركزت هذه العمالة في المطاعم والفنادق والنوادي الليلية أيضا.
من جانبه، يؤكد المتحدث باسم وزارة العمل نجم العقابي، إن "الوزارة وفي وقت سابق منحت العمالة الأجنبية 45 يوماً لتصحيح مسارها داخل العراق، وهذه المهلة انتهت لكن الوزارة جددت هذه المهلة لكثرة الطلبات من أرباب العمل، إذ تعتبر هذه الفترة مدة سماح بالنسبة لمن دخلوا بصورة غير شرعية أو بسمة دخول سياحية والحصول على إقامة لمدة سنة لكن لم تجدد".
ويلفت العقابي، إلى أن "الحد من العمالة الأجنبية هو من أولويات الوزارة، كما أن قانون العمل ينص على تشغيل 50 بالمئة من العمالة المحلية بمقابل 50 بالمئة من الأجنبية، والمقترح الجديد للقانون ينص على تشغيل 70 بالمئة من العراقيين، للحد من العمالة الأجنبية في البلاد".
وتتضارب الأرقام الرسمية بشأن عدد العمال الأجانب، ففيما أعلنت وزارة العمل والشؤون الاجتماعية في كانون الثاني يناير الماضي، أن عددهم بلغ 4 آلاف عامل فقط، كشف وزير العمل الأسبق، باسم عبد الزمان، في عام 2019 أن عدد العمال الأجانب بلغ 750 ألفا، لكن بحسب لجنة العمل والشؤون الاجتماعية السابقة في البرلمان فإن هناك نحو 1.5 مليون عامل أجنبي في العراق.
يذكر أن نحو 95 بالمئة من هذه العمالة الأجنبية تدخل البلد بطرق غير شرعية، لتجنب السياقات القانونية في العراق وتجديد الإقامة، بحسب المتحدث باسم وزارة الداخلية خالد المحنا.
إلى ذلك، يعتقد الباحث في الشأن الاقتصادي علي كريم اذهيب،أن "ملف العمالة الأجنبية في العراق من الملفات الصعبة والشائكة ولن تستطيع الحكومة حله لاسيما بعد سنوات الانفتاح الاقتصادي للعراق في عام 2006 وبعد عامؤ2010 وبعد عام 2014، إذ أن هذا الملف يقف عائقا كبيرا أمام القضاء على حجم البطالة في العراق، خاصة مع معاناة البلاد من أزمة بطالة خانقة وبطالة مقنعة في الوقت نفسه".
ويضيف اذهيب، أن "عدد العاطلين عن العمل أكثر مما معلن رسميا إذ تصل أعدادهم إلى ما بين 5 - 7 ملايين عاطل عن العمل في العراق إضافة إلى البطالة المقنعة التي تصل نسبتها إلى 3 ملايين شخص"، مشيرا إلى أن "نسبة أصحاب البطالة المقنعة أكبر من نسبة العاملين في القطاع العام، وبالتالي لا نرى أن هنالك جدية أو حزما أو إصرارا من قبل وزارة العمل في إنهاء موضوع العمالة الأجنبية".
ويوضح أن "العمالة تدخل إلى العراق عن طريق التهريب، وبحسب المعلومات المتوفرة والمؤكدة أن العمالة الأجنبية وخصوصا السورية واللبنانية وبعض الجنسيات الأخرى الآسيوية يأتون عن طريق إقليم كردستان بفيزا رخيصة ومن دون إقامة ومن بعدها تقوم شبكات المتاجرة بنقلهم من مناطق الشمال في أربيل والسليمانية إلى مناطق الوسط والجنوب للعمل وتحديدا إلى بغداد باعتبارها مركز الثقل من الناحية السكانية للعمل فيها تحت غطاء غير قانوني أو ما يسمى بالعمل في السوق السوداء من دون أوراق إقامة".
ويرجع الباحث في الشأن الاقتصادي كثرة العمالة الأجنبية إلى "انخفاض مستوى الأجور التي يطلبونها، إذ أن رواتبهم لا تتعدى 400 أو 500 دولار شهريا مقارنة بالعامل العراقي الذي يصل راتبه الشهري إلى أكثر من 700 دولار أي ما يعادل 900 ألف دينار عراقي إضافة إلى أن العامل العراقي لديه بعض النرجسية في التعامل ولا يقبل بأي عمل بسهولة، بينما العمال الأجانب يقبلون بأي عمل سواء كان منظفا أو عاملا في شبكات الصرف الصحي أو غيرها".
يشار إلى أن وزير العمل السابق عادل الركابي، أعلن العام الماضي، عن ترحيل آلاف العمال الأجانب المنتهية إقامتهم، فضلا عن إحالة 400 شركة في القطاع الخاص إلى محكمة العمل خلال 2021، لعدم التزامها بنسبة تشغيل العمالة العراقية، وعدم تطبيقها الدقيق لقانون التقاعد والضمان الاجتماعي.
وقد كشفت الإحصاءات الصادرة عن البنك الدولي، أن مستوى البطالة في العراق بلغ 13.7 في المئة، وهو المعدل الأعلى منذ عام 1991، وهو ما أكده المتحدث باسم وزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي، مبينا أن نسبة الفقر في العراق شهدت أيضا ارتفاعا خلال العام الماضي لتصل إلى 31.7، لكنها انخفضت قليلا هذا العام لتصل إلى 30 في المئة.