02 Nov
02Nov

يقبض علاء حماد (35 عاما) كفيه بقوة على آلة حفر يدوية ليفسح المجال لزراعة شجرة في الرصيف المرصوص بالحجر المقرنص في طريق حلة – كربلاء، غربي محافظة بابل، ورغم مشقة عملية الحفر اليدوي، لكنه بدا في غاية النشاط مع مجموعة من زملائه المتطوعين.

اختار شباب من بابل، مقطعا من هذا الطريق، ليبدأوا حملة تطوعية أسموها "الموكب الأخضر"، تفاعلا مع المواكب الخدمية التي يمتلئ هذا الشارع سنويا بالمئات منها والتي تنصب لخدمة زائري كربلاء القادمين من جنوب البلاد وخارجها مشيا على الأقدام.

يقول حماد، خلال حديث لـه، إن "تسمية (الموكب الأخضر) التي أطلقناها على حملتنا كانت بالتفاعل مع المواكب الخدمية التي يزخر بها هذا الشارع سنويا في الزيارة الأربعينية وللتعريف بأهمية خدمة البيئة، لاسيما أن طريق (يا حسين) الذي نقوم بتشجيره يفتقر إلى الأشجار الظلية ما عدا شجيرات الكينو كاربس التي رصفت للزينة".

ويضيف أن "الخدمة في المواكب الحسينية ألهمتنا فكرة تشجير الشارع، لاسيما أن الزيارة في السنوات المقبلة ستتزامن مع شهري آب أغسطس وتموز يوليو، أشد الأشهر ارتفاعا بدرجات الحرارة في السنة".

وتعد محافظة بابل أكثر المحافظات استقبالا لزوار الأربعينية كونها مدخل أغلب وافدي المحافظات الجنوبية والزوار الإيرانيين إلى كربلاء.

هادي الجشعمي، (50 عاما)، ابتدأ الحملة باجتماع صغير، ثم مجموعة على الواتساب للتواصل مع زملائه المتطوعين حتى اتسعت وأكملت حتى اليوم غرس نحو 200 شجرة من الألبيزيا، و50 أخرى من الأكاسيا المزهرة.

الجشعمي، يشير خلال حديث لـه، إلى أن "أبرز ما يعيق الزراعة في العراق هو توفر المياه، وهذا المطلب موجود في هذا الشارع، لذلك وجدنا أن غرس الأشجار واجب سواء في هذا الشارع أو أي منطقة أخرى تتوفر فيها المياه، مع ما يمر بالبلد من ظاهرة جفاف وتصحر".

ويضيف أن "مؤتمرا عقدناه قبل بدء الحملة ضم وجهاء ناحية أبي غرق وحضر فيه مستشار المحافظ وممثلون عن دوائر البلدية والزراعة وإعدادية الزراعة المهنية والري، للبحث والتشاور حول الموضوع، ودراسة التربة واختيار نوع الشجرة التي تنجح في العيش تحت درجة حرارة مرتفعة، فوقع الاختيار على شجرة الألبيزيا".

ويتابع الجشعمي، أن "حملة الموكب الأخضر أكملت حتى الآن زراعة أكثر من 200 شجرة بجهد تطوعي وساهمت دائرة البلدية بتوفير سيارة حوضية لسقي المزروعات، كما ساهمت دائرة الكهرباء بتوفير حفارة يدوية"، لافتا إلى أن "هذه الأشجار إذا كتب لها العيش والنجاح سنقوم بتوسيع الحملة ونبدأ الغرس في الأحياء السكنية، فأول الغيث قطرة".



وبحسب المتطوعين المشاركين، فإن الحملة ركزت قبل إطلاقها على الجانب التثقيفي والتوعوي بأهمية زراعة الأشجار وكيفية تأثيرها على البيئة والحد من ارتفاع درجات الحرارة وتوفير موئل للطيور، وكانت إحدى المدارس الإعدادية قد أشركت طلابها في غرس بعض الأشجار ضمن الحملة.

وبدأ يترك انعدام المساحات الخضراء تأثيراته البيئية والصحية في العراق، إذ حلّ البلد ثانيا كأسوأ الدول تلوثا بعد دولة تشاد الأفريقية، وفي تقرير سابق عزا متخصصون بالبيئة ذلك إلى الانبعاثات وعوادم السيارات الكثيرة وانعدام الحزام الأخضر، وطالبوا بالانتقال إلى وسائل النقل الجماعية والطاقة النظيفة وإلزام أصحاب المولدات والمعامل بفلترة الغازات المنبعثة منها، وسط ارتفاع في حالات الإصابة بالربو، وأمراض مزمنة بالصدر، فضلا عن السرطان.

الناشط الزراعي لطيف الجبوري، أحد أعضاء (تجمع نبني الحلة) الذي يعنى بالبيئة يشارك منذ سنوات في الحملات التطوعية للتشجير، ساهم الجبوري في غرس بعض الأشجار على جانبي الشارع، وقدم نصائحه للمتطوعين.

يتوقع الجبوري، وهو يشير إلى الشجيرات المغروسة للتوّ، إن "هذه الأشجار مع العناية خلال موسمي الربيع والخريف القادمين ستصل إلى ارتفاع ثلاثة أمتار، وخلال 3 سنوات ستترك ظلا يغطي سيارة".

ويمتدح الجبوري الألبيزيا لأنها "شجرة ظلية عملاقة تمتاز بالدفع الخضري السريع ثم تتشكل على هيئة مظلة، إضافة إلى أنها مقاومة جدا وسريعة النمو، تساهم في تغيير الأجواء وتلطيف الطقس إذ تخفف من حدة الحرارة وتمنح نسبة من الرطوبة، لاسيما أن أجواء العراق جافة صيفا".

ويكمل أن "الهدف الأساسي من حملاتنا ليس نشر الغطاء الأخضر بشكل تام، لأن إمكانياتنا التطوعية محدودة ولا توازي الجهد البلدي أو الحكومي، لكن هذه الحملات تساهم بلفت أنظار الأهالي وتوعيتهم وتساهم بتشجيع الجهد البلدي، وتدلل على أهمية الثقافة البيئية".

ويوصي الناشط الزراعي بـ"أهمية اختيار النبتة الصحيحة في الزراعة، كي لا نقع في الخطأ الذي وقعت فيه الكثير من البلديات سابقا وهو غرس شجرة الكينو كاربس، وهي شجرة مظلومة لأنها غرست في غير مكانها الصحيح، وعندما أردنا أن نحل المشكلة وقعنا بخطأ أكبر وقمنا بقطع أشجار كبيرة من دون مبرر وصارت أغلب المناطق جرداء".

وكانت وسائل التواصل الاجتماعي، نقلت عشرات الصور لقطع أشجار في بغداد والمحافظات، وسط استهجان كبير من الناشطين والخبراء في البيئة، خاصة وأن قطعها يتزامن مع أقسى موجة جفاف وتصحر يمر بها العراق، كما أنه يخالف توجه الجهات الحكومية لوقف التصحر ووضع الحلول المناسبة للتقليل من آثاره.

وتعليقا على الحملة، يؤكد مدير بيئة بابل مكي الشمري، خلال حديث لـه، أن "دائرة بيئة بابل ووزارة البيئة بشكل عام تشجع على زيادة المساحات الخضراء، لذلك نؤيد مثل هذه الحملات لأن العراق يمر بتغيرات مناخية أثرت عليه بشكل قاس لاسيما أنه أحد أكثر الدول تأثرا بهذه التغيرات".

ويضيف الشمري، أن "بابل ومحافظات أخرى تمر بمرحلة تصحر بسبب قلة المساحات الخضراء والتجاوز عليها وقلة الغطاء الزراعي، بعد زحف الصحراء والمناطق السكنية على الأراضي الخضراء".

ويتابع: "نحن مساهمون ومشرفون على حملة الـ5 ملايين شجرة التي أطلقتها الحكومة مع دوائر المحافظة والزراعة والبلدية والجامعات ومنظمات المجتمع المدني"، لافتا إلى أن "دائرة بيئة بابل تمتلك شعبة خاصة تفتح أبوابها للمتطوعين للتوعية باختيار نوع الأشجار المراد غرسها وإبداء النصيحة والمساعدة، لأن قسما من الأشجار مضر، وقسما آخر ذا فائدة قليلة، وأنا أنصح الحملات التطوعية بزيارة دائرة البيئة لاختيار نوعية الأشجار".

وكانت وزارة الزراعة، أعلنت في عام 2020، عن حاجة العراق إلى أكثر من 14 مليار شجرة لإحياء المناطق التي تعاني من التصحر، بالإضافة إلى إطلاقها مشروعا يرتكز على توزيع الشجيرات إلى البلديات في بغداد والمحافظات ومنظمات المجتمع المدني مجاناً لزراعتها داخل المدن وحولها لتدعيم الحزام الأخضر لمنع زحف الصحراء نحو المدن.

وتعاني المنطقة العربية ككل من آثار التأثيرات السلبية للمناخ، وفي العراق فإن نسبة التصحر في الأراضي المروية تبلغ نحو 71 بالمئة، حيث تراجعت مناسيب المياه بشكل كبير وأبرزها نهر الفرات الذي أثر جفافه على محافظة الأنبار والاهوار والمحافظات الجنوبية.

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - وكالة انباء النافذة