26 Jun
26Jun

ما تزال ثقافة التأمين الصحي، غائبة ومرتبطة بالعاملين في المؤسسات والشركات الأجنبية العاملة في العراق، وهؤلاء يتجهون في الغالب إلى شركات التأمين الخاصة، لما توفره من تسهيلات تفتقر لها نظيرتها الحكومية، الغارقة بالروتين وتغطية النفقات بطريقة الدفع المؤجل وليس المسبق.

وكانت الضحية الأكبر في هذا الملف، هي شركة التأمين الحكومية، التي جوبهت بعزوف الجهات الصحية والمواطنين عن التأمين لديها، نظرا للإجراءات المعقدة التي تتبعها عند تغطية نفقات مراجعة الطبيب، لكن بالمقابل فإن نسبة المواطنين الذين يتجهون للتأمين ما تزال غير ملحوظة، إلى جانب افتقار الأطباء لثقافة التعامل مع بطاقات التأمين، وعدم ثقتهم بها، ما يدفعهم للتمسك باستحصال أجورهم بالطريقة المعتادة وهي الدفع نقدا من المريض.

والبداية من مستشفى الراهبات وسط العاصمة بغداد، وهي إحدى المستشفيات المشتركة بنظام التأمين وتعمل به، حيث يوضح موظف قسم الضمان الصحي فيها سرمد محمد، أن "آلية عمل التأمين الصحي، تكون عبر تسليم المريض بطاقته التعريفية المستحصل عليها من شركة التأمين الصحي المشترك فيها هو، ومن ثم نقوم بتحويله إلى الطبيب".

ويبين محمد، أن "من الإجراءات الواجب توفرها في التأمين أن يكمل المريض كافة إجراءاته داخل المستشفى، فلا يمكن مثلا أن نصرف له العلاج من طبيب خارج المستشفى أو نجري له تحاليل معينة طلبها طبيب آخر من خارج المستشفى".

وحول الأسعار، يؤكد أنه "من إيجابيات التأمين هو أن الأسعار تكون مخفضة أو شبه مجانية، أحيانا بعض الشركات تدفع الكلفة كاملة بناءً على العقد بينها وبين المريض، لذلك عند المراجعة لا يدفع أي شيء وأحياناً تدفع الشركة ما نسبته 85 بالمئة أو 90 بالمئة، لكن هناك سلبيات هو التأخير بسبب طول الإجراءات في كل قسم سواء تحليلات أو مراجعة طبيب لحين انتظار الحصول على الموافقات".

ويشير إلى أنه "لا نتعامل مع الجهات الحكومية، فقط الشركات الأهلية لأن النظام الحكومي قائم على أساس الدفع بعد إكمال الإجراءات كافة، حيث يتوجب على المريض دفع كافة التكاليف ومن ثم استحصالها لاحقا عبر تقرير مفصل، لكن مع الشركة الخاصة فإن المريض لا يدفع شيئاً، لأن هناك تعاملا مباشرا بين المستشفى وشركة التأمين".

يذكر أن الواقع الصحي في العراق يعاني من مشاكل عدة، بداية من تقادم المستشفيات وعدم تأهيلها، إضافة إلى الإهمال في الجوانب الخدمية والسلامة وعدم توفر الأدوية.

وتظهر بيانات منظمة الصحة العالمية أن الحكومة العراقية أنفقت خلال السنوات العشر الأخيرة مبلغا أقل بكثير على الرعاية الصحية للفرد من دول أفقر كثيرا، إذ بلغ نصيب الفرد من هذا الإنفاق 161 دولارا في المتوسط بالمقارنة مع 304 دولارات في الأردن و649 دولارا في لبنان وفقا لتقرير سابق.

الروتين القاتل
وبالتوجه لشركة التأمين الوطنية يبين الموظف في قسم التامين الصحي بالشركة عماد مكي، أن "الإجراءات لدينا كأي جهة حكومية تتعامل بالنظام التقليدي المعتاد، وتشمل الأوراق الرسمية للفرد الذي يرغب في الحصول على تأمين صحي، حيث نتعامل بواسطة عقود تجدد سنويا وبحسب قدرة الفرد على الدفع، إذا أراد أن يدفع مليون دينار أو أكثر، كما نعتمد على العمر إذا كان المراجع في العشرينات من عمره أو في الثلاثينات، وهذا أيضا له علاقة بسعر الاشتراك".

ويلفت مكي، إلى أنه "بعد الاتفاق على مبلغ الاشتراك يقوم المراجع بملء استمارة ومن ثم نقوم بفحصه بواسطة طبيب مختص لمعرفة إن كان يعاني من مرض معين أو صحته سليمة لأن العقد يفعل بعد 45 يوما من توقيعه".

وبشأن طبيعة عمل اشتراك التأمين، يوضح مكي: "نحن لا نوفر بطاقات أو هويات تعريف للأفراد الذين يحصلون على تأمين صحي، الطريقة المتبعة لدينا، هو مراجعة الفرد الشركة بعد كل زيارة طبيب أو مختبر أو إجراء عملية، ومن الشروط أن يكون قد ذهب مسبقاً إلى نقابة الأطباء للمصادقة على الأوراق والتقرير الطبي، ومن ثم يسلمنا الأوراق ليثبت بأنه قام بدفع المبلغ وتكون مختومة وفيها كل المبالغ، ومن ثم نقوم نحن بتسديدها له، إلا أن الشركات التي تمنح هوية للتأمين الصحي لديها شبكة محددة على عكسنا نحن نغطي العاصمة والمحافظات جميعها من دون استثناء".

جدير بالذكر، أن عدد الأطباء والممرضات بلغ في العراق مقارنة بعدد السكان أقل بكثير من دول أخرى، بل إن عددهم أقل بكثير من دول أفقر مثل الأردن وتونس وفقا لتقرير رويترز، ففي العام 2018، كان لدى العراق 2.1 ممرضة وقابلة لكل ألف نسمة مقارنة مع 3.2 في الأردن و3.7 في لبنان، وذلك وفقا لتقديرات كل بلد.

وبلغ عدد الأطباء 0.83 فقط لكل ألف نسمة، أي أقل بكثير من الدول المماثلة في الشرق الأوسط، فقد بلغ العدد في الأردن على سبيل المثال 2.3 طبيب لكل ألف نسمة.

من يتجه للتأمين؟
شركة الحمراء، إحدى شركات التأمين الخاصة، وفقا للموظفة فيها رشا أنيس، فإنها تكشف أن "هناك جنسيات متعددة إضافة إلى المواطنين العراقيين يتجهون للتأمين، خاصة موظفي السفارات، أو الشركات التي لديها عدد عاملين كبير، فهذه الشركات تتجه للتأمين على جميع موظفيها وبالتالي يحصلون على خصم كبير، على عكس التأمين الفردي".

وتلفت إلى أن "تكلفة التأمين مختلفة وحسب العرض الذي تختاره الجهة أو الفرد، لكن تكلفة التأمين خارج البلاد مكلفة لأنها تتضمن العديد من الإجراءات بحسب نوع الحالة وإجراءات كل بلد"، مبينة أن "عملنا مبني على تسلم الفرد بطاقة التأمين شاملة لشبكة من الأطباء والمختبرات والمستشفيات المتعاونين معنا، وذلك بعد دفعه قيمة الاشتراك، وعند التوجه لأي جهة صحية متعاونة معنا يتم خصم المبلغ من البطاقة".

وتستدرك أن "من يرغب في زيارة طبيب أو مختبر خارج الشبكة المحددة، يمكن له دفع كافة المستحقات والحصول على تشخيص كامل، وبعدها يأتي إلى مقر الشركة ويتسلم المبلغ الذي قام بدفعه مسبقاً، وفي هذه الحالة تكون نسبة ما يدفعه الشخص 40 بالمئة من التكلفة، أما إذا راجع جهة داخل شبكتنا يكون ما يدفعه 20 بالمئة".

وكانت مدير شركة التأمين الوطنية إسراء صالح، أوضحت في أيلول سبتمبر 2022، آلية منح التأمين، مؤكدة أن الشركة ترتبط مع العميل بعقد يتضمن نوع ومحل التأمين المراد التأمين عليه كأن يكون تأمينا على الحياة أو السيارة أو الحريق والحوادث…إلخ، وأن القسط المطلوب يكون حسب سعر التأمين، وهذا السعر تحدده تعرفة خاصة بالأسعار وضعت لهذا الغرض ويتم تقييم المبلغ الكلي بمعادلة بسيطة ويستخرج من خلالها القسط بضرب التأمين في السعر للحصول على القسط الواجب الدفع.

فرض التأمين بـ"القوة"
الخبير الاقتصادي قصي صفوان، يرى أن "الشركات بكل أنواعها لم تنجح بالدخول لعالم التأمين، فهي تتحمل على عاتقها مخاطر تقلبات الأسعار والسرقة والحرائق، وقد لاحظنا الخسائر المالية الكبيرة التي يتكبدها التجار في حالة وجود مثل هذه الأحداث، مثلاً نشاط التأمين ضد السرقة محدود في العراق".

ويوضح أن "هناك عدة أسباب تقف وراء انخفاض ثقافة التأمين، وأبرزها هو دور شركات التأمين في التحرك على التجار والصناعيين وحتى الأفراد في التأمين على الحياة أو المشاكل الأخرى، وهناك عدة إخفاقات في عملية التأمين، عملياً فقط حوادث السير هي المغطاة بالتأمين لأن هناك مبلغا إضافيا يضاف إلى البنزين باعتبار أنه يدفع إلى صالح شركة التأمين من خلال شراء الوقود".

ويكمل صفوان حديثه أن "العراق يتطلع إلى تحفيز شركات التأمين المحلية وتأسيس شركات لإعادة التأمين وجلب استثمارات دولية في قطاع التأمين، ويمكن أن يكون هناك إجبار لجميع موظفي دوائر الدولة والعاملين بالقطاع الخاص على فتح نافذة تأمين صحي ضد الأمراض، لذا علينا إجبار جميع الوحدات الحكومية بقانون يلزمها بتأمين كافة أنشطتها وكذلك العملية تجري على جميع التجار النظاميين لفتح نافذة غطاء تأميني مقابل الاستيرادات التي يقومون بها، لأن عملية التوعية وحدها لا تكفي، وعلينا استخدام سلطة القانون بفرض نشاط التأمين".

يشار إلى أن أغلب العراقيين باتوا يتجهون إلى خارج العراق لغرض تلقي العلاج، وخاصة إجراء العمليات الصعبة، ومن بين الدول إيران وتركيا والهند، وغالبا ما تأتي نصيحة السفر من قبل الأطباء أنفسهم، في حال وجدوا الحالة المرضية صعبة وتحتاج إلى أجهزة وعلاجات وإمكانيات كبيرة.

إلى ذلك، يبين الطبيب عبد القادر الماجد،أن "قضية التأمين الصحي لم تصادفني خلال عملي في عيادتي الخاصة أو المستشفيات، طيلة فترة عملي منذ سنوات طويلة، فلم يأت مواطن يحمل بطاقة تأمين صحي، سواء من شركة خاصة أو حكومية".

ويتابع: "للأسف لا يوجد إقبال واسع من قبل المرضى لأنه ليست هناك ثقافة واسعة لديهم في معرفة أهمية التأمين الصحي، على الرغم من أني لجأت لإحدى الشركات في القطاع الخاص للحصول على تأمين لفرد من عائلتي كونه يتنقل كثيراً ويحتاج إلى تقليل المصروفات في ما يخص الجانب العلاجي".

ويختم حديثه بـالقول: "عملت فترة كطبيب مختص في إحدى المحافظات وتنقلت عدة مرات ولطالما غيرت مكان عيادتي الخاصة، ولكن لم تصادفني حالة لمريض لديه تأمين صحي، شخصياً لا أعرف الإجراءات جميعها لأن شركات التأمين تتعامل مع مراكز ومستشفيات كبيرة بشبكة واسعة وليس عيادات خاصة، لكن نأمل أن يكون هناك انتشار للتأمين الصحي لأنه سيسهل العديد من الصعوبات للمرضى".

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - وكالة انباء النافذة