المعلم (أ . ع) الذي رفض الإشارة إلى اسمه الصريح، أحد العدّادين الذين انتدبتهم وزارة التخطيط من وزارة التربية لإجراء التعداد السكاني المقرر في شهر تشرين الثاني نوفمبر المقبل، لكن على الرغم من معرفته بحيثيات هذه العملية، فإنه يشكك في بعض الأسئلة الموجودة في استمارة التعداد.
ودربت وزارة التخطيط أكثر من مئة ألف معلم ومدرس خلال العطلة الصيفية، ممن سيقومون بمهام العد خلال إجراء التعداد العام للسكان والمساكن في العراق.
ويقول (أ . ع) خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “بعض الأسئلة الموجودة في التعداد محل شك، لا أعرف لماذا يتم السؤال عن الهواتف والسيارات أو الممتلكات الخاصة، وتحديد موقع الدار على الـ(جي. بي. أس) في حين يفترض أن يتضمن الإحصاء عدّ الأفراد والأسر ومعرفة النمو السكاني”.
ويضيف، أن “هناك أزمة ثقة بين المواطن والحكومة، لذا لن تكشف أكثر الأسر عن الموجودات والممتلكات الحقيقية لها، بداعي أن الحكومة تريد أن تفرض ضرائب”.
وأثير جدل واسع حول ما تتضمنه استمارة التعداد من أسئلة، وتداول مدونون على الفيسبوك هذه الاستمارة بسخرية كبيرة، إذ كتب عبد الخضر نعمة، أن “أسئلة التعداد يجب أن تتضمن معرفة عدد الأشخاص المتعلمين والخريجين العاطلين لدى الأسرة، وحجم الأطفال الذين تركوا المدرسة بسبب تكاليفها الباهظة”.
وأشار إلى أن “الاستمارة تحصي الممتلكات والغسالات وجميع الأجهزة المنزلية حتى الهواتف وخدمة الإنترنت، هذا ليس تعدادا، إنه كشف ضريبي بامتياز”.
ووفقا لوزارة التخطيط، فإن استمارة التعداد تتضمن توجيه 70 سؤالاً، تشمل 11 محوراً متنوعاً تتعلق بخصائص حياة الفرد ضمن قطاعات “الصحة، التعليم، والعمل، السكن، والخدمات، بهدف الحصول على المعلومات الدقيقة عن أعداد الأسر والساكنين في كل منزل لمعرفة المستوى العلمي لكل مواطن، فضلاً عن التعرف على الأمراض التي تعاني منها الأسر.
من جهته، يعلق متحدث وزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي، خلال حديث ، بأن استمارة التعداد لا تتضمن مبدئيا أي سؤال عن الدخل سواء للفرد أو الأسرة، لكن في ما يتعلق بإحصاء السلع المعمرة فلا علاقة له بالضرائب أو أي إجراءات أخرى، وهو ليس إجباريا أيضا”.
ويضيف عبد الزهرة، “سنأخذ عينات من المجتمع، ونسألها عن هذه السلع، أي أن الأسر ليست كلها مشمولة بهذا السؤال”، لافتا إلى أن “هذه الإحصاء يهدف إلى قياس مستوى الرفاهية ومستوى معدل الفقر في البلد ومنح صورة عن حجم الأجهزة والسلع الموجودة، وعلى أساسها يمكن أن نضع رؤية وسياسة استيرادية مستقبلية ممكن أن نعرف من خلالها تحديد حجم الطاقة الكهربائية المطلوبة للسكان وفق معدلات النمو السنوية وتفاصيل أخرى ترتبط بالجوانب الاقتصادية والتنموية الأخرى”.
ويصر متحدث التخطيط، على أن “هذا التعداد بعيد كل البعد عن أية إجراءات ترتبط بأي حالة من حالات الشك، فقط هو اطلاع على الواقع لرسم سياسات إستراتيجية وحل المشكلات التي يوجهها هذا الواقع”.
وكان المستشار الوطني للتعداد العام للسكان مهدي العلاق، أكد في أيار مايو الماضي، إلغاء السؤال عن القومية في استمارة التعداد العام، مشيراً إلى أن “جميع الإجراءات التي تحققت في عام 2010 توقفت بالكامل بعد الإصرار على رفع القضايا المرتبطة بالقومية والمناطق المختلف عليها”، حسبما نقلت الصحيفة الرسمية.
إلى ذلك، يؤكد الخبير المختص بإدارة الأزمات علي جبار، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “عملية إجراء التعداد السكاني لدولة مثل العراق بعد غياب أكثر من 27 سنة هي عملية جديدة ومفهوم جديد على مستوى أداء الدولة والمجتمع وكيف يتعامل معها”.
ويضيف جبار، أن “العملية الإحصائية في كل الدول تكون شاملة لكثير من المفردات والإحصاءات بدءا بعدد الأشخاص وأنواعهم سواء كانوا ذكورا وإناثا، والطبيعة الاجتماعية والمستوى المعيشي وكثير من الأرقام والتحليلات الإحصائية التي تتبع هذا النوع من الإحصاء الذي يتضمن مخرجات عن مستوى التعليم والواقع الصحي وحجم الأسر وتغيير البيئة المجتمعية بما فيها تقديم الخدمات العامة للأفراد وكيفية توزيعها ووضع التخصيصات المالية التي تناسبها”.
ويجد أنه “بعد 27 سنة غاب فيها الإحصاء غيابا تاما، ظهر أن هناك انعداما للثقافة في مواجهته، لذا فإن وزارة التخطيط تحتاج جهدا مكثفا لتوعية المجتمع بشأن هذا الإحصاء والأهداف المرجوّة منه”.
ويعتقد جبار أن “التخوف الذي ينتاب المواطنين من فرض ضرائب في غير محله، فالدولة ذاهبة لوضع ضرائب لكن في مستويات أخرى لن تكون عملية الإحصاء واحدة منها”، مستدركا أنه “في دولة مثل العراق يكون الخوف المجتمعي مبررا بسبب عدم الثقة بالمؤسسة التنفيذية”.
ويؤكد أن “نمط وسلوك الإحصاءات تغيّر دوليا بشكل كبير جدا، فالإحصاء في أغلب دول العالم يكون الكترونيا وتدخل فيه الكثير من المعلومات والبيانات الدقيقة وحتى الشخصية للأفراد لأنها تنتج الكثير من التحليلات الإحصائية الذي تحتاجها أي حكومة تنفيذية”.
ويستدرك جبار أن “الدولة العراقية وضمن فوضى الإدارة في السنوات الماضية، لا تترك انطباعا عن أن تغييرا كبيرا سيطرأ بعد هذا الإحصاء بقدر ما هو مهم، إذ لا تعتمد الدولة العراقية الإحصاءات والقراءات الدولية والتقارير الاقتصادية الرصينة في أعمالها”.