لم يدم التعامل باليوان الصيني في عمليات الاستيراد الخارجية طويلا، حتى وجد المتلاعبون منفذا للولوج إلى التحويلات السوداء من خلال هذه الفرصة، وهو ما دفع البنك المركزي لإيقاف التعامل بالعملة الصينية بعد ضغوط أمريكية، وفيما كشف خبراء عن طريقة وآلية التلاعب، اعتبروا هذه العملية سببا لرفع أسعار صرف الدولار في السوق المحلية.
ويقول الخبير الاقتصادي عبد الرحمن المشهداني، خلال حديث لـه إن “البنك المركزي سمح للبنوك المعاقبة أمريكيا بالتعامل بعملات بديلة للدولار مثل اليورو واليوان والليرة التركية والدرهم الإماراتي، لكن بدا أن هناك التفافا على هذه العقوبات، فاستخدام العراق لعملة اليوان الصيني في الحوالات لم يستمر أكثر من 5 أشهر”.
ويضيف المشهداني، أن “طريقة الالتفاف تتم عبر تحويل الدولار إلى عملة اليوان الصيني وإرسالها إلى الصين، لكن بحكم أن الأخيرة تربطها علاقات جيدة مع الدول المعاقبة كإيران فإنها ستعمل على تسديد جزء من الالتزامات المترتبة على كاهل العراق لإيران، كأن يتم تخصيص مبلغ مليون دولار لاستيراد البضائع من الصين، لكن جزءا من المبلغ يذهب لشراء حاجيات من إيران على اعتبار أننا لا نستطيع الاستغناء عن البضائع الإيرانية”.
ويتابع أن “السوق المحلية تعتمد على إيران بشكل كبير، ففضلا عن تدني أسعار السلع لديها، هناك عوامل عديدة تجعل من إيران وجهة مفضلة للتجار كقرب المسافة، ودليل ذلك هو ما نشرته غرفة التجارة الإيرانية عن حجم التجارة مع العراق إذ بلغت صادرات إيران للعراق فقط للربع الأول من السنة بحدود مليارين و700 ألف، بما فيها الغاز والكهرباء”، مشيرا إلى أن “هذه الأرقام جعلت الشبهات تحوم عن تحويلات لطرف ثالث تتم عبر الصين”.
وعن تأثير إيقاف التعامل بالعملة الصينية، يجد المشهداني، أن “النظام المصرفي سيتأثر بالتأكيد وهذا ما ظهر بارتفاع سعر الصرف بشكل كبير وهو أمر متوقع نتيجة لسوء تقدير البنك المركزي من خلال التوقيت الذي أعلن به إيقاف التعامل باليوان”، لافتا إلى أن “مجموعة من العوامل تزامنت في وقت واحد أدت إلى ارتفاع الدولار”.
ومن هذه العوامل، يؤكد أن “البنك المركزي تلقى إنذارا من قبل الفيدرالي الأمريكي بوجود تلاعب من خلال اليوان، كما أن قرارا آخر من البنك المركزي ساهم في صعود الدولار، وهو تقييد عمليات التحويل من قبل شركات الصرافة بالدولار للمسافرين العراقيين وهو ما يغطي بالواقع حاجة السوق المحلية من الدولار”.
وكان مقرر اللجنة المالية في البرلمان، معين الكاظمي، أكد الخميس الماضي، أن البنك المركزي أوقف التعامل بعملة اليوان الصيني في الحوالات المالية، نتيجة ضغوط من البنك الفيدرالي الأميركي على حكومة بغداد، لافتا إلى أن “البنك الفيدرالي الأميركي فرض على العراق إيقاف التعامل بعملة اليوان، بحجة أن هناك تلاعباً ببعض الحوالات أو حصول إشكالات معينة”.
والعام الماضي، أقر العراق سلسلة تعديلات وإجراءات مالية تهدف إلى تعزيز قوة الدينار العراقي مقابل العملات الأخرى وتخفيف الطلب على عملة الدولار، كان أبرزها، السماح للتجار والمستوردين بالتعاملات التجارية والمالية مع الصين باستعمال عملة اليوان، إلى جانب عملات أخرى أبرزها اليورو وعملات محلية لدول أخرى يرتكز عليها التعامل التجاري بالسوق العراقية.
إلى ذلك، يذكر الخبير الاقتصادي ناصر الكناني، خلال حديث لـه أن “العراق لجأ إلى العملات البديلة المرادفة للدولار بسبب العقوبات المفروضة على 28 مصرفا عراقيا من قبل الخزانة الأمريكية، لكن هذا البديل لم ينجح بسبب الفساد المستشري في المؤسسات الحكومية”.
ويضيف الكناني، أن “الاتفاق على التعامل باليوان لم يكن سهلا، فقد تم ترتيب هذا الأمر بصعوبة واحتاج إلى موافقات ومراجعات وعمل كبير، لكن الفساد عطل هذا الترتيب، وقد لا تكون السرقة والطمع المالي جراء تعطيل هذا المشروع، ولكن أيضا من أجل ضرب اقتصاد البلد ومصالحه لصالح أطراف خارجية”.
ويجد أن “الإجراء الذي اتخذه البنك المركزي لإيقاف التعامل باليوان كان إجراءً احترازيا موفقا ويهدف إلى إيقاف حالة الفساد والتلاعب التي تجري من خلال هذه العملة لمصالح أطراف خارجية أو داخلية”.
وبخصوص تأثر النظام المصرفي العراقي، يؤكد أنه “لم يتأثر بهذا التلاعب، فقد بدأت محاولة التلاعب للتو وتم إخمادها بسرعة من قبل البنك المركزي، وتم إجراء التحقيق اللازم بهذا الأمر، وحصلت السيطرة على الموضوع من أجل الحفاظ على النظام المصرفي”.
وكان التعامل باليوان يسهم مباشرة دون وساطة الدولار في تسهيل وتسريع المعاملات المالية، ويقلل تكاليف الاستيراد ويحمي من مخاطر تذبذب أسعار الصرف داخل العراق.
ولم يعلق البنك المركزي العراقي على هذا الأمر، لكن مستشارا ماليا في سوق بغداد للأوراق المالية، وهو أحمد العريبي، قال لوسائل إعلام، إن أحد أسباب عودة ارتفاع سعر صرف الدولار أمام الدينار، كان لجوء التجار إلى الحصول على الدولار لتمويل أعمالهم، بعد تقييدات فرضت على اليوان الصيني.