مع غياب التيار الصدري عن المشهد الانتخابي المقبل، طوى الكسل ذراعيه على الأحزاب السياسية التي تعتزم المشاركة بانتخابات مجالس المحافظات، ففي سابقة لم تحدث منذ 2003، مددت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات للمرة الثانية على التوالي، فترة تسجيل المرشحين للانتخابات المحلية المزمع إجراؤها نهاية العام الحالي، بعد تقاعس الكيانات السياسية عن تسجيل مرشحيها، ما يؤشر عدم استعداد التحالفات لخوض السباق الانتخابي، في حين، رأى مراقبون أن أزمة توافق سوف تضرب الأحزاب في ظل تحركات أمريكية غير معلومة في المنطقة.
ويقول رئيس الفريق الإعلامي للمفوضية العليا للانتخابات عماد جميل، خلال حديث لـه، إن "الأحزاب والتحالفات غالبا ما تستغلّ الوقت الضائع لتسجيل المرشحين والتحالفات، وعلى الرغم من أن العدد المسجّلين قليل حتى الآن، إلا أن من المتوقع ارتفاعه بشكل كبير خلال يوم واحد فقط".
ويقدم جميل، إحصائية بعدد المرشحين الذين تقدموا للتسجيل لدى المفوضية،، قائلا "يبلغ تعداد المرشحين الفرديين 37 مرشحا فقط في كل العراق، أما بالنسبة للقوائم، فهناك مئات الأحزاب المسجلة لدينا، ونعتقد بلوغ مرشحيها من 3-4 آلاف مرشح".
وقررت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في 6 آب أغسطس الحالي، تمديد فترة تسجيل المرشحين المنفردين لانتخابات مجالس المحافظات للمرة الثانية على التوالي، لغاية 13 من ذات الشهر، والذي وافق أمس الأول الأحد، فيما مددت فترة تسجيل التحالفات والأحزاب السياسية لغاية يوم 20 من الحالي.
وهذه المرة الثانية التي يتم فيها تمديد فترة التسجيل، إذ كانت المفوضية قد أعلنت في 30 تموز يوليو الماضي، عن تمديد فترة تسجيل التحالفات السياسية إلى 6 من شهر آب أغسطس الحالي، كموعد أخير للتمديد، قبل أن تتراجع أمس الأول، وتقرر التمديد مرة أخرى.
وكان مراقبون أرجعوا في تقرير سابق، تمديد مفوضية الانتخابات لفترة تسجيل الكيانات السياسية، إلى قلة أعداد الأحزاب، وتأخر حسم التحالفات فيما بينها، سواء التقليدية أو الناشئة، إلى جانب شكوك حول تأجيل الانتخابات المحلية للعام المقبل، الأمر الذي نفاه مقرب من الإطار التنسيقي، بل أكد أن أعداد الأحزاب سترتفع خلال تمديد فترة التسجيل.
إلى ذلك، يرى المحلل السياسي فلاح المشعل، خلال حديث لـه، أن "هذا التمديد هو الثاني للمفوضية من أجل تسجيل الأحزاب لمرشحيهم، ولم يحدث أن مددت فترة التسجيل مرتين من قبل".
ويرجع المشعل تقاعس الأحزاب عن تسجيل المرشحين لسببين، "الأول أن الأحزاب تريد هامشا من الوقت حتى تبدأ بترتيب أمورها مع الجماهير التي تعتقد أنها مؤيدة لها، والسبب الثاني أنها من ناحية أخرى تنتظر قرارا في الوقت الأخير من التيار الصدري بالمشاركة".
ويضيف: "إذا صدر قرار باشتراك التيار سيكون الوقت أمام الأحزاب متاحا لترتيب أوضاعها، فالحراك السياسي في الداخل العراقي في تحول وتغير مستمر، وإذا نظرنا إلى القوائم والأحزاب داخل الإطار فسنجد أنها تعاني من أزمة التوافق الداخلي بينها، هذه الأمور دعت الأحزاب لتأخير التسجيل، وهي قضية ليست من مصلحة الجمهور بقدر ما هي مصلحة حزبية".
وتجري الاستعدادات في ظل غياب الكتلة الصدرية، التي كانت قد حصدت 73 مقعدا نيابيا في الانتخابات التشريعية الأخيرة في تشرين الأول أكتوبر 2021، لكن الصدر فشل بتشكيل الحكومة ودخل بصراع مع الإطار التنسيقي استمر لمدة عام، وانتهى بانسحابه وتشكيل الإطار للحكومة.
لكن في المقابل، يجد المحلل السياسي غالب الدعمي، خلال حديث لـه أن "الأحزاب السياسية يسعدها عدم مشاركة التيار الصدري في الانتخابات، وهذا الشيء واضح، ولا يخفى على أحد".
ويستدرك الدعمي، "لكن يبدو أن الوقت ضيق وغير مستقر"، لافتا إلى أن "المفوضية لم تستطع إكمال بيانات مليون ناخب جديد، وهؤلاء لم يذهبوا لأجل إنشاء البطاقة البايومترية وهذه مشكلة قد تقلل نسبة المشاركة".
يشار إلى أن مراقبين أكدوا في تقرير سابق، أن تصويت مجلس النواب على اعتماد قانون الانتخابات، وفق نظام "سانت ليغو" والدائرة الواحدة، سيتسبب بتدني نسبة المشاركة في الانتخابات المقبلة مقارنة بسابقاتها، لانعدام ثقة الناخب بالقانون الذي قد يمكّن الكتل الكبيرة من السيطرة على البرلمان.
وقد شهدت الانتخابات التشريعية الأخيرة مشاركة نسبة 41 بالمئة، بحسب المعلن من قبل مفوضية الانتخابات في حينها، فيما ذكرت منظمات مستقلة معنية بالانتخابات أن النسبة أدنى من المعلن.
ويعتقد الدعمي، أن "هناك من يرغب بتأجيل الانتخابات المحلية، وتقديم الانتخابات البرلمانية لتكون في موعد واحد، وهذا الأمر يرجح أن يحدث لاسيما مع التحركات الجديدة والنشاط الأمريكي في الشرق الأوسط وامتلاكه القرار الاقتصادي مع عدم قدرة الحكومة على تنفيذ برنامجها حول الكهرباء وتخفيض سعر صرف الدولار، وكل هذا من شأنه أن يربك الوضع"، مشيرا إلى أن "الانتخابات قد تجري، لكن إجراءها في هذا الوقت ليس بصالح الطبقة السياسية والإطار التنسيقي تحديدا".
جدير بالذكر، أن تحالفات عدة شُكلت مؤخرا استعدادا للانتخابات المحلية، من أبرزها تحالفات الإطار التنسيقي، التي ضم أحدها كلا من كتلة بدر النيابية بزعامة هادي العامري، وإرادة المرتبطة بالنائب السابقة حنان الفتلاوي، إلى جانب كتلة صادقون المرتبطة بحركة عصائب أهل الحق، وكتل حقوق ومنتصرون وسومريون والصدق والعطاء والمنتج الوطني، في مقابل تحالف آخر ضم تيار الحكمة الوطني وائتلاف النصر، في حين دخل ائتلاف دولة القانون بشكل منفرد، وجاءت تلك التحالفات بعد قرار الإطار التنسيقي المشاركة في الانتخابات عبر قوائم متعددة وليس بقائمة واحدة.
بدوره، يؤكد الخبير القانوني علي التميمي، خلال حديث لـه أن "تمديد فترة تسجيل المرشحين للانتخابات، قانونية وهي من صلاحية مجلس المفوضية وفق قانون مفوضية الانتخابات النافذ".
ويضيف التميمي: "يبدو أن هناك عددا من الأحزاب أو التحالفات غير مكتملة من ناحية الأوراق والجوانب القانونية، والمفوضية تمنح الفرصة لهذه التحالفات لإكمال أوراقها لأن شروط الترشيح تحتاج إلى مفاتحة جهات متعددة للتأكد من الشهادة الدراسية والمساءلة والعدالة والأدلة الجنائية".
وبشأن أعداد المرشحين المطلوبة في كل محافظة، يشير إلى أن "القانون لم يحدد عدد المرشحين لكل محافظة، إنما هناك تحديد لعدد أعضاء مجلس المحافظة التي حددها القانون بأن لا يقل مجلس المحافظة عن عشرة ويزداد العدد تبعا للكثافة السكانية".
وسبق لتقرير سابق كشف أن موعد الانتخابات المحليّة يواجه خلافات عديدة داخل الإطار التنسيقي، بين قوى تطالب بتأجيلها للعام المقبل، وأخرى تسعى لإجرائها نهاية العام الحالي.