أقدمت وزارة الزراعة على خطوة قد تشكل موردا اقتصاديا لخزينة الدولة بعد أن فتحت المنافذ الحدودية أمام التمور العراقية لتصديرها إلى الخارج مجددا، ما يُعزز الآمال أمام تنوع الاقتصاد الوطني وإتاحة مساحة واسعة للمزارعين المحليين في إضافة أسواق جديدة إلى قائمة وجهاتهم التسويقية.
وتأتي هذه الخطوة بعد عقود عجاف من الزمن تمتد إلى ستينيات القرن الماضي، حيث اقتصر فيها الاقتصاد العراقي على النفط كمصدر أساس لتمويل خزينة الدولة ورفد موازنتها بالأموال.
وبهذا الصدد، يقول عضو لجنة الزراعة النيابية، ثائر الجبوري، خلال حديث له، إن “ما يميز ملف التمور في العراق هي احتواؤه على أصناف نادرة يمكن أن تخلق قطاعا اقتصاديا مستداما، لأنه يحتاج إلى تسويق إعلامي وولادة الصناعة التحويلية التي يمكن أن تزيد الطلب على التمور، لأنها تدخل في صناعة مواد غذائية وحلويات مختلفة”.
ويضيف الجبوري “خلال سنوات معدودة أصبحت التمور العراقية تطرق أبواب 22 سوقا خارجية بعضها خليجي والقائمة تزداد عاما بعد آخر، خاصة مع وجود رغبة لشركات وتجار في استثمار وفرة الإنتاج العراقي ووجود أنواع نادرة من التمور، فتصديرها يخلق توازنا في ملف الأسعار ويعطي هامش ربح جيد للمزارعين، لكنه يبقى دون المستوى قياسا بدول أخرى”.
ويبين أن “وتيرة استثمار نوادر أصناف التمور تصاعدت بنسبة 15 بالمئة خلال عامين بفضل زراعة المزيد من البساتين لأصناف مهيئة للتصدير للأسواق الخارجية، ولجنة الزراعة النيابية تسعى إلى بلورة خطة عمل من أجل توسيع دائرة إنتاج الأصناف النادرة من التمور العراقية وتسويقها لتأخذ موقعها في قوائم التصدير الفعلي”.
يشار إلى أن وزارة الزراعة بدأت منذ سنوات بفتح آفاق نحو تنويع مصادر الإيرادات لأصحاب البساتين والأراضي الزراعية والسعي إلى خلق أرباح تسهم في تمويل تكاليف الإنتاج بعد سنوات عجاف من خسائر متكررة أدت إلى تخلي أعداد ليست بالقليلة من المزارعين عن بساتينهم أمام حمى التجريف وتحويلها إلى قطع سكنية وتجارية مع وجود المغريات المالية الكبيرة خاصة وأن مساحة 100 متر مربع يبلغ سعرها أكثر من 30 مليون دينار كحد متوسط في البساتين القريبة من محيط المدن الرئيسية وهي ترتفع كلما اقتربت من المركز لتصل في بعض المناطق إلى 70 مليون دينار وفق خبراء مختصين بالعقارات.
بدوره، يوضح المتحدث باسم وزارة الزراعة محمد الخزاعي، خلال حديث له، أن “هناك خطة ممنهجة لتوسيع دائرة تصدير العديد من أنواع التمور العراقية وفي مقدمتها الخستاوي والقرنفل والمكتوم مع نجاح الزراعة النسيجية للنخيل والتي توسعت آفاقها في أغلب المحافظات في السنوات الأخيرة، ولدى الوزارة مساعي أيضا لزيادة الإنتاج والتصدير”.
وينوه إلى أن “كل التوقعات إيجابية حول إنتاج التمور للموسم الحالي من ناحية الزيادة قياسا بالسنوات الماضية في ظل وجود مساحات كبيرة من بساتين النخيل ستدخل مسارات الإنتاج الفعلي خاصة المشاريع الاستثمارية في عدة محافظات”.
ويحتضن العراق أكثر أصناف التمور قياسا بدول العالم، فهو وحده، يضم نحو 600 صنف، لتأتي بعده إيران وليبيا بـ400 صنف، فيما يتصدّر تمور العراق من ناحية الطعم هو “البرحي”.
ويعد “البرحي” من أصناف التمور حلوة المذاق، إذ يؤكل بمختلف مراحله “خلالا، رطبا، وتمرا”، ويكون الإقبال عليه كبيرا من دول العالم، والخليج خصوصا، فالكل يتسابق للحصول على هذا النوع من التمر، الذي له مزايا تجعله مختلفاً عن البقية.
ويتميز نخل البرحي، بجذع متين، وسعفه أخضر اللون ولماع ومنحنٍ قليلا، وطول السعفة يتراوح من 3.8 متر إلى 4.45 متر، أما العرجون فيكون لونه أصفر مخضرا إلى برتقالي، وطوله يصل إلى 240 سم.
إلى ذلك، يرى الخبير الزراعي منتظر العلي، خلال حديث لـه، أن “المزارع يخسر في تصدير التمور العراقية للأسواق الخارجية بنسبة تصل إلى 40 بالمئة من قيمتها على الأقل لأنها تصدر كمواد خام وأغلبها تذهب إلى الإمارات العربية المتحدة حيث تقوم شركات متعددة بتعليبها بشكل متقن من أجل إعادة تصديرها مرة أخرى لأسواق أخرى وبأسعار أعلى تكون في أغلب الأحيان أضعاف ما تم شرائها بها”.
ويلفت العلي، إلى أن “التعليب والتسويق الصحيح عاملان مهمان يجب الانتباه لهما من أجل زيادة حصة التمور العراقية في الأسواق، خاصة وأن بلادنا تتمتع بوجود نوادر التمور على مستوى العالم لكن لم تسعفها أدوات التسويق في التعريف بها من قبل، حتى أن بعض الأصناف لا يعرفها العراقيون أنفسهم رغم أنها قد تشكل موردا اقتصاديا مهما وعلى سبيل المثال القرنفل الأسود الذي تنتشره أشجاره في مناطق محدودة جدا قرب الشريط الحدودي مع إيران في مندلي ومدن أخرى”.
يأتي ذلك بالتزامن مع معايشة العراقيين لموسم ذروة الحر الصيفي وما يسمى شعبيا بـ”طباخات الرطب”، التي تبدأ من 20 تموز يوليو وتنتهي في 20 آب أغسطس، وحينها ترتفع درجات الحرارة لأكثر من 50 درجة مئوية، وفيها تنضج التمور جيدا نتيجة تفاعلها مع الحر الشديد.
وفي هذه البيئة الحارة، تشتد حرارة الطقس في البصرة جنوبي العراق التي تتميز بتمورها، وخصوصاً البرحي، إلا أن التحديات المتمثلة بالمياه والمدّ الملحي، أسهمت بتراجع أعداد زراعة النخيل.
وفي السياق، يؤكد تاجر التمور، عطية سبع، خلال حديث لـه، أن “معدلات تصدير زادت في ديالى ومحيط بغداد وصلاح الدين بنسبة 30 بالمئة في السنوات الأربع الأخيرة، ولكن الملفت هو وجود استثمار نوعي في بساتين النخيل الجديدة والتي تعتمد على زراعة نوادر الأصناف من أجل التصدير حصريا”.
وينبه سبع، إلى أن “الزراعة النسيجية قلصت الكثير من المعرقلات بسبب فعاليتها وهي تستقطب قرابة 90 بالمئة من آليات الزراعة في الوقت الحالي، وبالنسبة لي رصدت من 20-30 مزرعة جديدة للنخيل في المحافظات الثلاث المذكورة خلال الأشهر 12 الأخيرة وربما العدد أكبر خاصة وأن تجارا ومستثمرين وحتى مزارعين بدأوا باستثمار ما لديهم من سيول في زراعة النخيل كمورد دائم”.
وفي سبعينيات القرن الماضي، أحرز العراق المركز الأول في إنتاج التمور عالمياً، أما في عام 2014 تراجع العراق إلى المرتبة الخامسة بإنتاج التمور سنوياً، بسبب تحديات كثيرة.
يذكر أنه في العام 1952، اتجه العراق إلى تنظيم تجارة التمور، وأسس في ذلك العام شركة تجارة التمور العراقية المحدودة في البصرة، ثم أسس الجمعية التعاونية لمنتجي تمور المنطقة الوسطى عام 1960، ومصلحة التمور العراقية 1961. ثم ظهرت محاولات بعد عام 1968 لإنشاء مؤسسة مركزية واحدة لجمع متطلبات خدمة ورعاية النخيل والتمور، فتم بذلك تأسيس “المؤسسة العامة للنخيل والتمور العراقية” عام 1970، التي ألغي بعد تأسيسها مصلحة التمور العراقية.
وفي العام 1980 تم تأسيس هيئة التمور العراقية، التي حلت محل مصلحة التمور العراقية الملغاة، وفي عام 1988 شكلت لجنة لمناقشة موضوع إيجاد بديل لهيئة التمور العراقية تنظم عمليات تسويق التمور بشكل أفضل حيث تم تأسيس الشركة العراقية لتصنيع وتسويق التمور، وهي شركة مساهمة مختلطة باشرت أعمالها عام 1989 ومازالت قائمة.