14 Dec
14Dec

ما تزال تبعات سقوط نظام بشار الأسد في سوريا تتوالى، وتلقي بظلالها على العراق ودول المنطقة، فقد تراجع دور اللاعب الإيراني الذي كان يتصدر المشهد في الشرق الأوسط، بفعل الخسارات التي تلقاها، مقابل صعود نظيره التركي، المستفيد الأكبر مما يجري في سوريا.

وفيما أجمع محللون على توسع الدور التركي في المنطق خلال المرحلة القادمة، أشاروا إلى أن العراق لن يكون بمنأى عن هذا المشروع، في ظل تزايد النفوذ العسكري والاستخباراتي لأنقرة في شمال العراق.

وتم الإعلان عن سقوط نظام الأسد يوم الأحد الماضي المصادف 8 كانون الأول ديسمبر الحالي، بعد 12 يوما فقط على بدء المعارضة السورية عملياتها العسكرية التي أسمتها عملية “ردع العدوان”، حيث دخلت قواتها إلى العاصمة دمشق، وأعلنت عبر التلفزيون الرسمي سيطرتها، لتبدأ سوريا عهدا جديدا ومفتوحا على سيناريوهات عدة.

ويقول المحلل السياسي التركي جواد غوك، في حديث لـ”العالم الجديد”، إن “المشروع التركي بات متقدما على الإيراني بعد الأحدث الأخيرة في سوريا، حيث يحصل الآن تعاون مشترك بين أنقرة ودمشق”.

ويوضح غوك، أن “الدور الذي كانت تلعبه إيران في سوريا، أصبح من نصيب تركيا، والحركة لن تتوقف هنا، فالقصة تعتمد على نتائج الحكومة الجديدة في سوريا، خاصة من الناحتين الأمنية والاقتصادية، وبالتالي فإذا نجح في سوريا، فإن نفوذ تركيا سيتسع أكثر في المنطقة”.

ويتوقع أن “تستغل تركيا الفرصة، وتقوم بمهاجمة الكرد المعارضين، لبسط نفوذها، وفي المجمل فإن نفوذ تركيا سيتسع بشكل أكبر”.

واعتبر محللون الأحداث المتوالية في المنطقة، بدءا من اغتيال زعيم حزب الله اللبناني حسن نصر الله، وإعلان وقف إطلاق النار في جنوب لبنان، وسقوط نظام بشار الأسد في سوريا، وخروج قيادة حركة حماس الفلسطينية من المشروع الإيراني، اعتبروها خسارات متتالية تعرضت لها طهران.

وكانت صحيفة اعتماد الإيرانية، رجحت في افتتاحية ترجمتها “العالم الجديد” قبل أيام، تزايد حدة التنافس بين تركيا وإيران، في ظل ما حققته الأخيرة في سوريا، ومن خلال الدعم التركي لآذربيجان في صراعها مع أرمينيا حليفة إيران.

من جانب آخر، يرى الباحث والمحلل السياسي الأردني حازم عياد، أنه “لا شك بأن الدور التركي ازداد من حيث الوزن والتأثير في المشهد السوري والإقليمي، على خلفية علاقة التحالف والتعاون مع أطراف المعارضة السورية”.

ويشير عياد، في حديثه ” إلى أن “الدور التركي يختلف من حيث الأهداف والأولويات والأدوات عن الدور الإيراني، كما تختلفان من حيث التحالفات والعلاقات السياسية والأوضاع الاقتصادية، فأنقرة تمتلك بيئة منفتحة أكثر من طهران، مما يجعل قدرتها على المناورة في الساحة الدولية والإقليمية أكبر”.

ويؤكد “تراجع الدور الإيراني المحكوم بأدوات محدودة، والذي اعتمد بالدرجة الأولى على القوة العسكرية، والتأثير الجيو سياسي المباشر، خلافا لتركيا”، لافتا إلى أن “ضعف الدور الإيراني لم يشمل كل الساحات، وهو قابل للترميم، في حال انفتحت طهران على القوى الجديدة في سوريا، وباعتقادي فإن إيران تستطيع أن تخفف من حجم خسارتها، لكن الأمر يحتاج لمرونة في إعادة دورها”.جدير بالذكر أن طهران شهدت دعوات داخلية لتغيير استراتيجيتها في المنطقة، حيث حمل النائب حميد رسايي، الحكومة الإيرانية مسؤولية الوضع السوري، واصفا التراجع الإيراني بأنه “فشل”.

وينوه إلى “إمكانية التحالف بين تركيا وإيران، وهذا يعتمد على قدرتهما في التفاعل وتبادل الأدوار فيما بينهما، فالدور الإيراني لا يمكن مصادرته بالكامل، بسبب اعتمادها أدوات مختلفة”.

وزار وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، رفقة رئيس جهاز المخابرات، مع وفد أمني قطري، العاصمة السورية دمشق، والتقوا برئيس هيئة تحرير الشام أحمد الشرع، الملقب “أبو محمد الجولاني”، وهي أول زيارة لوفد خارجي إلى سوريا، بعد الإطاحة بنظام الأسد.

وأكد وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، خلال مؤتمر صحفي جمعه مع نظيره التركي، أمس الجمعة، أن التنسيق متواصل مع أنقرة، لوقف إطلاق النار في غزة، وإعلان هدنة وتبادل الأسرى، ما يؤكد على خروج حركة حماس من العباءة الإيرانية، وانتقالها إلى الإشراف التركي، وخاصة بعد انتقال زعامة الحركة إلى خالد مشعل الذي يقيم في الأراضي التركية.

وعقب ذلك، وصل بلينكن، أمس الجمعة، إلى بغداد، والتقى رئيس الحكومة العراقية، محمد شياع السوداني، حيث طالبه بدعم العملية السياسية الديمقراطية المرتقبة في سوريا، بعد سقوط نظام بشار الأسد، مؤكدا أن هذه اللحظة هي المناسبة للعراق من أجل تعزيز سيادته ومستقبله في المنطقة.بدوره، يؤكد الباحث في الشأن السياسي نزار حيدر، خلال حديثه لـ”العالم الجديد”، أن “خارطة جديدة قيد الإنشاء، تُظهر أنقرة كمهندس أكبر لكل ما جرى فيها، وبالخصوص التغيير السياسي في سوريا”.

ويضيف حيدر، أن “الدور التركي هذه المرة جاء على حساب الدور الإيراني، الذي استمر محافظا على اندفاعه وقوته أكثر من أربعة عقود من الزمن”.ويلفت إلى أن “صراع الإرادات بين طهران وأنقرة ظل يتجلى خلال العقدين الأخيرين في أكثر من ساحة، لعل من أبرزها العراق وسوريا على وجه التحديد، ولكن طهران صرخت أخيرا وابتسمت أنقرة”.

وينوه إلى أن “دور أنقرة هذا بدأ يتكامل مع دور تل أبيب التي عرضت خرائط الشرق الأوسط ثم دعت دول المنطقة والعالم لمساعدتها على تأمين حدودها الأمنية والسياسية الجديدة، فكانت أنقرة أول وأشد المتحمسين للانخراط في العمل على تغيير تلك الخرائط، حيث بدأت من حدودها الرخوة، وهي سوريا التي تقرر أن تكون بمثابة سويسرا الشرق الأوسط، أي دولة منزوعة السلاح لتقف إسرائيل على تخوم بغداد، وتاليا طهران، من دون أن تخشى ردود أفعال عسكرية من الأجواء السورية التي اندمجت أمنيا مع أجوائها وسمائها”.

ويشير إلى أن “العراق في وسط هذه المعادلة المعقدة الجديدة، بات الحلقة الأضعف والأرض الرخوة التالية، لذا فإن بغداد ستعيد النظر في طلبها السابق من التحالف الدولي والولايات المتحدة بالانسحاب، وسوف تطالب بإعادة انتشار قواتها على الأراضي العراقية، فبغداد تعرف جيدا أنها تجنبت ضربات إسرائيل الانتقامية، ليس بسبب خوف الأخيرة، أو قوة تهديد العراق، بل بسبب الدور المحوري الذي لعبته واشنطن، وساهم في إرجاء تلك الهجمات المحتملة لإشعار آخر”.

ويضيف أن “بغداد تشعر الآن بأنها أحوج ما تكون لمساعدة التحالف الدولي وزعيمته واشنطن، ليس لما تمتلكه من قوة، بل لنفوذها لدى تل أبيب، ولكن واشنطن لا تقبل بأداء مثل هذا الدور، إذا لم تلتزم بغداد بنصائحها التي يقف على رأسها ثلاثي: النفط والدولار والسلاح، وأقصد بها تهريب النفط والدولار لصالح إيران، ونزع سلاح الفصائل الذي يخدم أجندات الأخيرة”.

ومع تمدد النفوذ التركي وزيادة قوته العسكرية والاستخباراتية من كركوك إلى زاخو، فإن العراق لا يمتلك الكثير من أوراق التفاوض والضغط على أنقرة، كما يقول حيدر.

وعلى مدى العقدين الماضيين، أقامت تركيا عشرات القواعد العسكرية في إقليم كردستان العراق لمحاربة حزب العمال الكردستاني المعارض (PKK) الذي يقيم في هذه المنطقة قواعد خلفية.ويعلن الجيش التركي بشكل متكرّر تنفيذ عمليات عسكرية جوية وبرية ضد مقاتلي حزب العمال الكردستاني ومواقعهم شمالي العراق. 

ودفع هذا الأمر الحكومة العراقية المركزية إلى الاحتجاج مرارا.من جانبه، يذهب جواد ملكشاهي، رئيس صحيفة التأخي التابعة للحزب الديمقراطي الكردستاني، إلى أن “سقوط دمشق دون مقاومة، كانت بخطة أمريكية بريطانية تركية إسرائيلية مشتركة، فالمسلحون تلقوا تدريباتهم ودعمهم من تركيا”.

ويضيف ملكشاهي، في حديث ، أن “المعادلة في سوريا اختلفت تماما، فإيران ومحور ما كان يسمى بالمقاومة تلقى ضربة قاضية في غزة ولبنان وسوريا، وستتلقاها في العراق أيضا، ويمكن القول بأن الهلال الإيراني الذي كان ممتدا من إيران إلى العراق وسوريا ولبنان تفكك بشكل كامل، وتركيا اليوم هي من تتصدر المشهد في سوريا والمنطقة، وسوف يكون لها هيمنة على لبنان أيضا، وهي تسعى منذ سنوات لإعادة الامبراطورية العثمانية وفرض هيمنتها على دول المنطقة ومنها العراق”.

ويلفت إلى أن “حضور جزء من قواتها في داخل الأراضي العراقية يعد جزءا من المخطط المعد مسبقا، لذا سيواجه العراق خطرين موازيين، خطر الأطماع التركية وخطر الإرهاب القادم من سوريا، وإذا لم تتم تقوية الجبهة الداخلية العراقية، من خلال حل المشاكل العالقة بين بغداد وأربيل وإجراء  حوار بنّاء بين المكونات ومشاركة الجميع في القرار الوطني، فلا أستبعد أن يستغل الإرهاب الفرصة، ويكرر تجربة إسقاط نظام الأسد في العراق”.

وكان قائد إدارة العمليات العسكرية في المعارضة السورية، وزعيم تنظيم هيئة تحرير الشام، أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني)، وجه في الخامس من كانون الأول ديسمبر الحالي الماضي، رسالة إلى رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، أكد فيها أن لا نية لدى الفصائل المسلحة السورية بتهديد أمن العراق، وفيما أشار إلى رغبته بمد جسور العلاقات السياسية والاقتصادية مع بغداد، دعا إلى منع الحشد الشعبي من المشاركة في الأحداث الجارية في بلاده.

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2025 جميع الحقوق محفوظة - وكالة انباء النافذة