قراءات متعدّدة وردت بشأن تهديد الحرس الثوري بقصف الأراضي العراقية، في حال عدم تحرّك الحكومة الاتحادية لإنهاء وجود الأحزاب الإيرانية الكردية في إقليم كردستان، ففيما وجدها محللون بأنها وسائل ضغط على السوداني، لأنه لا يسير وفق الأجندة الإيرانية، وجدها آخرون بأنها محاولة إيرانية للعودة إلى الواجهة وإثبات الوجود، بعد الانشغال بملفات ومشاكل داخلية، خصوصا وأن تلك الأحزاب المعارضة لم تطلق طلقة واحدة نحو الداخل الإيراني، في ظل شرعية تواجدها هناك بقرار دولي منذ سبعينيات القرن الماضي.
ويقول المحلل السياسي غالب الدعمي، خلال حديث لـه إن "تهديد الحرس الثوري الإيراني، بتنفيذ ضربات على الأراضي العراقية، هي بداية للضغط على رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، من أجل تنفيذ الأجندة الإيرانية، وأساليب الحكومة الإيرانية دائما ما تكون بطريقتين؛ الأولى من خلال استخدام السلاح أو الضغط على رئيس الحكومة من خلال أصدقائها في العراق، وهذه أول طريقة تستخدمها إيران ضد السوداني".
ويبين الدعمي، أن "هذا التهديد يدلّ على أن حكومة محمد شياع السوداني، تسير عكس ما تريده الأجندة الإيرانية، أو رفض السوداني تنفيذ بعضها، خصوصاً أن الأحزاب الكردية المعارضة للنظام الإيراني متواجدة داخل الأراضي العراقية منذ سنوات طويلة جداً، ولم نسمع بأن إيران قصفتها إلا بعد سقوط نظام صدام حسين".
ويضيف، أن "هذا مؤشر على أن العراق بات ضعيفا، بشكل يجعل إيران تقصف أراضيه أو تهدده بالقصف، رغم أن الحكومة الحالية لا تعد معادية لطهران، ولذا فإن تكرار القصف أمر وارد وغير مستبعد بعد التهديد الإيراني الأخير".
وكان قائد القوات البرية في الحرس الثوري الإيراني محمد باكبور، قال يوم أمس السبت، إنه طالبنا العراق بطرد الجماعات المسلحة المعارضة لإيران والمتمركزة على أراضيه ومنحنا وقتا لذلك وإلا فإن هجماتنا ستستمر.. تم التوصل إلى اتفاق مع الحكومة العراقية بنزع سلاح الجماعات الإرهابية المتواجدة على أراضي هذا البلد ومغادرتها، ونحن ننتظر وفاء الحكومة العراقية بالتزاماتها.
يشار إلى أن آخر عملية قصف نفذتها إيران للأراضي ثلاث طائرات مسيرة قصفت صباح يوم أمس الإثنين، مقار حزب "كوملة" الإيراني المعارض في قضاء عربت التابع لمحافظة السليمانية، فيما استهدف مقرا للحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني بصاروخين إيرانيين في قضاء كويسنجق فضلا عن ناحية سيدكان في إدارة سوران التابعة لأربيل.
جدير بالذكر أن المتحدث باسم الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني، أعلن سابقا، أن إيران لن تتهاون بشأن أمنها الحدودي وسترد على تهديدات الجماعات الانفصالية في كردستان العراق و"سندافع عن أمننا القومي.. لذا فإن القصف الصاروخي الذي طال المناطق الشمالية من العراق يأتي في هذا الإطار.. وأن حكومة إقليم كردستان تعهدت لنا ولأكثر من مرة بضبط حدودها لكنها لم تنجح في ذلك.. وأن الحكومة العراقية تتحمل مسؤولية منع زعزعة أمننا من داخل أراضيها".
إلى ذلك، يبين المحلل الأمني سرمد البياتي، خلال حديث له، أن "الحرس الثوري الإيراني، لن يتوانى عن ضرب الأحزاب الكردية المعارضة للنظام الإيراني المتواجدة داخل حدود إقليم كردستان، خصوصاً أن الإقليم يعتبر وجود تلك الأحزاب بموافقة دولية منذ السبعينات، ولهذا لا يمكن أن يخرجها".
ويتابع البياتي، أن "المناطق التي تتواجد فيها الأحزاب الكردية المعارضة للنظام الإيراني وعرة جغرافيا وممكن أن يتسلل خلالها بعض العناصر للداخل الإيراني، ولهذا من الممكن جداً تنفيذ الحرس الثوري الإيراني ضربات جديدة خلال الفترة المقبلة ضد تلك الأحزاب، إذا لم تتم الاستجابة لما تريده إيران".
ويضيف، أن "هذا الملف يحتاج إلى مفاوضات مطوّلة بين الجانبين العراقي والإيراني لحسم ملف تواجد الأحزاب الكردية المعارضة للنظام الإيراني ومنع أي ضربات إيرانية على الأراضي العراقية، وهذا الملف سيبقى رهين السياسات في المنطقة، لكن عدم الاستجابة لما يريده الحرس الثوري الإيراني سيدفع نحو تلقي ضربات جديدة على الأراضي العراقية بحجة استهداف تلك الأحزاب المعارضة".
وتعرض إقليم كردستان نهاية شهر أيلول سبتمبر الماضي، إلى قصف بـ73 صاروخا، بالإضافة إلى طائرات مسيرة، استهدفت مقار الأحزاب الإيرانية المعارضة في الإقليم، وقد تسبب القصف بمقتل 13 شخصا وإصابة 58 آخرين، كما سقطت بعض الصواريخ قرب المدارس ما تسبب بحالة من الهلع لدى الأطفال.
وكانت وسائل إعلام إيرانية، ذكرت في شهر تشرين الأول أكتوبر الماضي، أن الحرس الثوري الإيراني أعلن عن توقف هجماته بعد تدمير الأهداف المحددة، وأن استمرارها سيكون منوطا بالسلوك المستقبلي لسلطات إقليم كردستان العراق، مضيفا "إذا اتخذ الإقليم قرارا معقولا وأوقف شرور الجماعات الانفصالية والمناهضة لإيران، فإن وقف إطلاق النار هذا سيستمر، وإذا لم يحدث ذلك فإن الحرس الثوري سيستأنف عملياته".
بالمقابل، يرى السياسي الكردي محمد زنكنة، خلال حديث لـه أن "حكومة السوداني، ليست بذلك القرب من إيران، مع أنها حكومة مشكلة من قبل الإطار التنسيقي، خصوصاً أن إيقاف إيران لعمليات القصف خلال الفترة الماضية، بسبب أن النظام الإيراني منهمك بمشاكله الداخلية وأزماته مع دول العالم، وهو يحاول مهادنة دول العالم، خصوصا في ما يتعلق بالملف النووي".
ويضيف زنكنة، أن "تنفيذ التهديدات الإيرانية تتوقف على مسألة الأزمات الداخلية، وهي ليست إلا محاولة تصدير للأزمة الإيرانية من جديد إلى المنطقة، كما أن الأحزاب الكردية المعارضة للنظام الإيراني، تتواجد وفق قوانين دولية ومواثيق للأمم المتحدة وقوانين عراقية، كما أن الأمم المتحدة هي المسؤولة عن تواجد تلك الأحزاب وهي التي تتولى شؤون اللاجئين غير العراقيين، وأي اعتداء على تلك الأحزاب يعتبر اعتداء على السيادة الدولية قبل السيادة العراقية".
ويشير إلى أن "ايران تريد من خلال تلك التهديدات إيصال رسالة بأنها عادت لقوتها من جديد، ولذا لا نعتقد أن هذه التهديدات سوف تأخذ طريق التنفيذ بشكل عملي، فإيران تريد التهدئة في المنطقة والعالم، وفي الوقت نفسه تريد أن تُذكّر بأنها مازالت تحتفظ بـالثأر ضد الأحزاب الكردية المعارضة للنظام الإيراني، والتي تطلق عليها وصف الإرهابية، رغم أن إطلاقة واحدة لم تنطلق من تلك الأحزاب نحو الجانب الإيراني طيلة السنوات الماضية".
وأكد خبراء بالقانون والأمن في وقت سابق، أن للعراق الحق في مطالبة المجتمع الدولي بإدراج إيران تحت طائلة الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، فضلا عن حقه في الرد العسكري على قصفها المتواصل لمناطق بإقليم كردستان.
ويتعرض إقليم كردستان لعمليات عسكرية متعددة، منها العمليات التركية التي انطلقت داخل مدن الإقليم، بهدف مطاردة حزب العمال الكردستاني، وشملت هذه العمليات طلعات جوية وتوغلا بريا وإنشاء قواعد عسكرية جديدة، واستهدافا مستمرا للقرى والغابات.