23 Feb
23Feb

تمر الأيام ثقيلة على الحاج حسين (50 عاما) حيث تأخذ أزمة المياه منحى آخر بعدما أشتد عودها وعظم شأنها في الأشهر الأخيرة، بإحدى القرى التابعة لمدينة السماوة، مركز محافظة المثنى، ورغم فرصة سقوط الأمطار جيدة، لكنها تبدو غير كافية لتأمين المياه لسقي المزروعات وإرواء الحيوانات مما أضطره أن يبحث عن طريقة أخرى تنقذه من الإفلاس.

ويقول حسين خلال حديث لـه، إنه “بعد عام 2003 ولغاية الآن لا توجد مشاريع حقيقية نحصل من خلالها على المياه الكافية لتأمين احتياجاتنا الإنسانية والزراعية والحيوانية، أراضينا أصبحت نقمة بعد أن كانت نعمة تدر علينا ملايين الدنانير، إلا أن الجفاف وعوامل التعرية حولتها إلى صحراء قاحلة لا نجني منها سواء الغبار في مواسم الرياح الشديدة”.

ويضيف “لم أجد حلاً لهذه المشكلة سوى بحفر بئر في النهر الصغير الذي جفت مياهه في قرية عشيرة آل توبة التي نسكنها وبدأت البحث أن منطقة رطبة في قاع النهر لحفرها وصولاً إلى المياه الجوفية، وبعد جهد وصلت إلى ماء لا يصلح سوى لإرواء عطش الحيوانات”.

ويشير إلى أن “هذه الكثبان الرملية تراكمت في أراضينا نتيجة عدم توفر المياه وانقطاعها لعقود من الزمن ما جعل التربة تفقد خصائصها الطبيعية الزراعية وتكثر فيها التشققات والمنحنيات وتبرز للعلن بصورة واضحة خلال هذا الموسم بعد ان كانت واحة خضراء تكسوها النباتات الكثيفة والأشجار المرتفعة في الزمن الماضي”.

ويتابع الحاج حسين “نحن في سنة 2024 ورغم التطور التكنولوجي والتقدم الحضاري، ما زلت استغرق ساعات في حفر بئر الماء هذه إضافة إلى ما يقارب 100 بئر في عموم أرجاء المنطقة عسى أن ننتفع من إحداها”.يشار إلى أن قرية آل توبة تتغذى على مياه نهر المالح القادم من قضاء الحمزة الشرقي من محافظة الديوانية، إلا أن تجاوزات أصحاب الأراضي الزراعية التي يمر بها النهر عند دخول حدود المحافظة قبل وصوله إلى القرية حرمت آل توبة من المياه.

ومنذ 4 سنوات يشهد العراق، أقسى أزمة جفاف في تاريخه، بسبب تقليل تركيا وإيران للإطلاقات المائية، ولم تمنح تركيا سوى 30 بالمئة من حصة العراق المائية المقررة، فيما قطعت إيران المياه بشكل كامل.

وبهذا الصدد يروح المواطن حسين آل توبة، خلال حديث لـه، أنه “لا سبيل لتزويد أهالي المنطقة بالمياه الصالحة للشرب إلا بحفر الآبار أو اللجوء إلى السيارات الحوضية الحكومية التي تجوب أرجاء القرية لتزويدنا بمياه الشرب (RO) بسعر 100 دينار عراقي للبرميل سعة 100 لتر، لكن حتى هذه الطريقة لم تسعف قرية يفوق سكانها السبعة آلاف نسمة لذلك نستعين أيضاً بالسيارات الحوضية الأهلية التي تبيع لنا برميل الماء الواحد سعة 100 لتر بألفي دينار عراقي”.

وعلى الرغم من إنشاء محطة ماء لتغذية القرية عبر شبكة أنابيب في عام 2011 وتوقف العمل لأسباب مجهولة، ولم يتم استئنافه حتى العام 2022، وحالياً يتم ضخ المياه للقرية بواقع ساعتين في اليوم الواحد ولا يصل إلى جميع البيوت، كما أن نسبة الملوحة في المياه تصل إلى 75 بالمئة.

إلى ذلك، يؤكد أبو علي العنزي خلال حديث لـه، أنه “ناشدنا أكثر من مسؤول لحلّ هذه المشكلة لكن لم نرى شيئاً على أرض الواقع، أما الكوادر المختصة فلا نراهم إلا نادراً لذلك خرجنا بتظاهرات قبل سنتين قرب معمل الإسفلت الحالي وأوقفنا العمل فيه للضغط على الحكومة المحلية لتشغيل المحطة وبالفعل تم الأمر بنجاح، لكن ليس بالمستوى المطلوب ما دفعنا أن نستخدم أنابيب المياه هذه لسقي المواشي فقط بسبب سوء جودة المياه”.

ولا تقف مشكلة قرية آل توبة عند شح المياه فقط، بل أن شبكة أنابيب محطة المياه تراكمت فيها الشوائب وباتت سببا لأمراض جلدية خطيرة ومعدية مثل الجدري والكوليرا والتيفوئيد وغيرها.

ويبين أبو مريم خلال حديث لـه أن “طفلتي الوحيدة أصيبت بأمراض جلدية لم نعرف طبيعتها في بادئ الأمر نتيجة قلة الوعي الطبي وبعد المنطقة عن المستشفيات، لذلك ازدادت حالة مريم سوءاً وكثرة الحكة الجلدية لديها وظهور حبيبات واضحة، فأخذناها إلى قسم الطوارئ في مستشفى الحسين التعليمي بمدينة السماوة ليتبين لاحقا إصابتها بالجرب بسبب قذارة المياه المستخدمة”.

ويتابع “الماء الواصل عبر شبكة الأنابيب لا يحتمل حتى عند الغرغرة به وهذا حالنا منذ سنوات طوال ولا أحد يلتفت لنا من الجهات المعنية، أطفالنا تضرروا بشكل خطير ولا نعرف ماذا نفعل، هل نترك أراضينا ونهجر قرية أهلنا وأجدادنا وننزح إلى أماكن أخرى أم ماذا نفعل، أننا نعيش كما يعيش الآن سكان غزة؟”.

وتعاني محافظة الديوانية، التي تغذي قرية آل توبة بالمياه عبر نهر المالح، من أزمة جفاف هي الأخرى حيث انخفضت مناسيب نهر الفرات فيها، وكذلك هور الدلمج والذي تبلغ مساحته 120 ألف دونم تقع معظمها في الديوانية والمتبقي منها في محافظة واسط، وقد تراجع منسوب المياه فيه بشكل كبير.

وشهدت أغلب أهوار الجنوب العراقي، تقلص مساحتها إلى أكثر نم 60 بالمئة نتيجة لأزمة الجفاف التي عصفت بالبلد، وتراجع كميات المياه الواصلة للأهوار، ومحاولة الحكومة الاهتمام بالمناطق الزراعية، وسبق لتقارير كثيرة وأن سلطت الضوء على أهوار العراق وتبين أن أغلبها فقدت مساحات واسعة وتحولت إلى يابسة.

من جانبه، يلفت حسين التوبي خلال حديث لـه إلى أن “قرية آل توبة تعتمد على نهر المالح القادم من الديوانية في بداية الموسم الزراعي خلال شهري تشرين الأول أكتوبر وتشرين الثاني نوفمبر من كل الجفاف ينهي الحياة في أكبر قرى المثنىعام، حيث نقوم بحرث أراضينا وتحضيرها للزراعة لكن في منتصف الموسم يشح الماء جداً بسبب وجود عشائر أخرى على مجرى النهر، إضافة إلى قلة كميات الماء من المنبع الأساسي للنهر، لذلك يصبح اعتمادنا الأساس على المطر، لذا نضطر إلى عدم الزراعة أحيانا”.

ويردف قائلا “بعضنا ربما يكتفي بزراعة 25 دونما، بينما آخرون يزرعون ثلاثة دونمات من أراضيهم، وعادة ما تكون نوع المحصول هو الشعير الذي يتحمل الملوحة وقلة المياه”.

وينبه إلى أن “الفلاحين وصلوا إلى مرحلة اليأس وفقدان الأمل بكل الحلول البشرية والطبيعية بما يتعلق بأزمة المياه، لذلك أهملنا الزراعة ولم نعد نبالي بها رغم أنها مصدر قوتنا الأساسي لكن ليس باليد حيلة، ولك أن تتخيل حجم كارثتنا الاقتصادية وخسائرنا المالية الفادحة”.ويفصّل التوبي معاناة أهالي القرية “الأمر لا يقتصر فقط على انتهاء الزراعة بل أننا نفقد حالياً الأبقار والأغنام والماعز حيث نفقت العشرات منها بسبب العطش وانتشار الأمراض الحيوانية لغياب الرقابة الصحية”.

وتسببت موجة الجفاف التي ضربت أهوار وأنهار العراق في السنوات الأربع الأخيرة إلى دفع مربيّ المواشي إلى الهجرة نحو المدينة بسبب تدمير الثروة الحيوانية وخاصة الجاموس الذي تراجعت أعداده من ملايين إلى آلاف بسبب فقدان الأهوار، إلى جانب تهديد الحيوانات الأخرى والكائنات التي تعيش في الأهوار بالانقراض.

ويشرح مربي المواشي حسن، خلال حديث لـه، أن “سعر الخروف الواحد انخفض قبل سنة ونصف السنة إلى 30 ألف دينار بسبب عدم وجود الماء الكافي أو نمو المراعي خلال فصل الربيع في بادية السماوة بسبب شح الأمطار”.

ويشدد “ما زلنا نعيش في هذه القرية المنكوبة التي تخلو من المؤسسات تعليمية والصحية على أمل أن تلتفت الحكومة لإنقاذنا من هذا الوضع المأساوي، فلدينا مدرسة (زين العبادين) التي تم إنشاؤها بعد العام 2003 وهي آيلة للسقوط كما أن طلبتها يفوق عددهم المقاعد الدراسية، حيث يشغل المقعد الواحد ثلاثة طلاب، هذا في حال توفرت أصلا فمعظم الطلاب يجلسون على الأرض، بالإضافة إلى نقص الصفوف وتزويدها بصفوف كرفانية تم تجهيزها على حساب الأهالي على غرار المدارس الأخرى التي تم تزويدها على نفقة الكوادر التدريسية والأهالي أيضا”.

وعلى الرغم من اتساع مساحة قرية آل التوبة جغرافيا الممتدة من قضاء الخضر شرقا إلى آثار الوركاء غربا، وقربها من مواقع أثرية مدرجة منذ العام 2016 على لائحة التراث العالمي لليونسكو ،إلا أن كل ذلك لم يشفع لها بأن تكون قرية مزدهرة تواكب التطور والحضارة على غرار البلدان المتقدمة بل على العكس من ذلك فقد أصابتها النكبات والخيبات من قبل الحكومة المحلية.

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - وكالة انباء النافذة