18 Nov
18Nov

على مدى الأسابيع الثلاثة الماضية التي أعقبت إعلان الفصائل العراقية المسلحة الحليفة لطهران، بدء مهاجمة القواعد والمنشآت الأميركية في البلاد وقواعد أخرى مجاورة داخل الأراضي السورية، رداً على الدعم الأميركي المفتوح للاحتلال الإسرائيلي بعدوانه على غزة، يتضح بشكل تدريجي وجود انقسامات بين الفصائل العراقية المسلحة لجهة قرار التصعيد وأيضاً على مستوى سياسي وحتى ديني منه. وتؤكد مصادر متطابقة أن أفراداً من فصائل مسلحة اختارت عدم التصعيد، انشقوا عنها والتحقوا بفصائل أخرى، أبرزها "كتائب حزب الله" و"النجباء"، التي قررت العمل العسكري ضد واشنطن.


58 هجوماً ضد الأميركيين

وتعرضت القوات الأميركية خلال الأسابيع الماضية، إلى 58 هجوماً في العراق وسورية، كما أعلنت وزارة الدفاع الأميركية الخميس. وقالت نائبة المتحدث باسم البنتاغون سابرينا سينغ، في مؤتمر صحافي، إن "58 هجوماً نُفذت على قواتنا منذ 17 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، 27 منها في العراق، و30 إلى 31 هجوماً في سورية، وتم إحباطها جميعاً"، مضيفة أن "الهجمات لم تلحق أضراراً كبيرة بالبنية التحتية ولم تسفر عن إصابات خطيرة لدى عناصر القوات". وشددت على أن بلادها سترد "حتماً في المكان والزمان اللذين تختارهما" في حال حدوث مزيد من الهجمات.


وفرضت الولايات المتحدة، أمس الجمعة، عقوبات تستهدف جماعة "كتائب حزب الله" العراقية المدعومة من إيران، متهمة إياها بالمسؤولية عن الهجمات التي استهدفت واشنطن وشركاءها في العراق وسورية أخيراً. وقالت وزارة الخزانة الأميركية، في بيان، إنها فرضت عقوبات على 6 أشخاص منتمين لكتائب "حزب الله" العراقية التي سبق أن صنّفتها واشنطن منظمة إرهابية أجنبية. وقال وكيل الوزارة لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية، براين نيلسون، في بيان، إن "خطوة اليوم ترسل رسالة إلى كتائب حزب الله وجميع الجماعات الأخرى التي تدعمها إيران، بأن الولايات المتحدة ستستخدم الوسائل المتاحة كافة لمحاسبة أي أطراف انتهازية تسعى لاستغلال الوضع في غزة لخدمة مصالحها".


واستهدفت الهجمات قواعد عدة في العراق أبرزها حرير وعين الأسد، في أربيل والأنبار، ومعسكر فيكتوريا الملاصق لمطار بغداد غربيّ العاصمة العراقية، إلى جانب قواعد أميركية في دير الزور والحسكة السوريتين.

وفي آخر استهداف، أعلنت السلطات الأمنية في إقليم كردستان العراق، أمس الجمعة، عن تعرّض قاعدة حرير شمالي أربيل، والتي تضم المئات من العسكريين الأميركيين، إلى هجوم بطائرة مسيّرة.


وعلى الرغم من أن تلك الهجمات لم تكن ذات تأثير واضح على مستوى الخسائر البشرية أو المادية، إلا أن ما تُعرف بـ"المقاومة الإسلامية"، وهي مظلة مسلحة جديدة تجمع عدة مليشيات عراقية أبرزها "كتائب حزب الله" و"النجباء" وحركة "أنصار الله الأوفياء"، أكدت في بيان لها الثلاثاء الماضي مواصلة عملياتها "بشكل تصاعدي ضد أهداف الاحتلال الأميركي".


انقسامات داخل الفصائل العراقية

وكشفت مصادر سياسية وأخرى مقربة من فصائل عراقية مسلحة، عن انقسامات داخل الفصائل بسبب مواقفها من قرار التصعيد العسكري، والتزام بعضها بطلبات رئيس الحكومة محمد شياع السوداني بعدم فتح أي جبهة مسلحة داخل العراق.ووفقاً لنائب في البرلمان العراقي، تحدث لـه طالباً عدم ذكر اسمه، فإن "ساحة الانقسام الحالية بين الفصائل، لها قواعد وخلفيات فقهية"، مبيناً أن الفصائل التي قررت العمل المسلح ضد الأميركيين قليلة لكنها الأبرز مثل "حزب الله" و"النجباء" و"الأوفياء" و"سيد الشهداء" و"الإمام علي"، أما التي قررت تغليب الجانب السياسي فهي "عصائب أهل الحق" و"بدر" و"سرايا عاشوراء" والفصائل الأخرى التي تمتلك أجنحة سياسية داخل "الإطار التنسيقي".


ولفت إلى أن الفصائل التي التزمت عدم التصعيد فعلت ذلك "من أجل عدم زعزعة الاستقرار السياسي والحكومي، والتأثير على الوضع الأمني في العراق"، مؤكداً أن "الجانب الإيراني لم يتدخّل بالضغط على أي من الفصائل الرافضة للتصعيد".


من جهته، تحدث مصدر مقرب من "الحشد الشعبي"عن انتقال عدد من عناصر الفصائل المسلحة إلى أخرى بسبب قضية التصعيد ضد الأميركيين في العراق وسورية. وبحسب المصدر، فإن "عصائب أهل الحق، هي أكثر من تواجه انتقادات داخل صفوفها بسبب موقف زعيمها قيس الخزعلي الذي فضّل عدم التصعيد ضد الأميركيين داخل العراق".


تبادل للأدوار

العضو البارز في تحالف "الإطار التنسيقي" الحاكم في العراق، عائد الهلالي، علق على مسألة الخلافات بين الفصائل بالقول إنها "خلافات في وجهات النظر بين بعض الفصائل وهي أمر طبيعي، كحال الاختلافات في الرأي بين القوى السياسية المتحالفة".وبيّن الهلالي في حديث لـه أن "عدم مشاركة بعض الفصائل في التصعيد ضد الأهداف والمصالح الأميركية، لا يعني أنها تعارض هذا العمل، بل بالتأكيد هي داعمة له، ويمكن القول إن هناك تبادلاً للأدوار وتنسيقاً، وكل القوى الوطنية السياسية والشعبية داعمة لكل تحركات نصرة الشعب الفلسطيني".

وأضاف أن "السوداني وحكومته مدعومان من قبل الفصائل المسلحة جميعها، وهذا أمر واضح ومعلن، لكن هذا لا يعني أن الفصائل لا تمارس دورها الجهادي والعسكري ضد الاحتلال"، قائلاً إن "هناك تفهماً حكومياً لتحركات الفصائل، وطيلة الفترة الماضية كانت الفصائل مع التهدئة من أجل إعطاء فرصة للسوداني وحكومته لحسم الملفات المهمة على المستوى الخدمي والاقتصادي والأمني".


في المقابل، قال الباحث في الشأن الأمني والسياسي أحمد الشريفي، لـه إن "الانقسام كان واضحاً منذ اليوم الأول بين الفصائل المسلحة بشأن التصعيد ضد القوات الأميركية، خصوصاً بعد أن صار لعدد من تلك الفصائل تمثيل سياسي وبرلماني وحتى حكومي، وهي تريد الحفاظ على هذه المكاسب، ولهذا لا تريد أن تكون طرفاً في أي نزاع مسلح في الوقت الحاضر".


وأضاف الشريفي أن "تصدّر زعيم حركة النجباء أكرم الكعبي، دون غيره من قادة الفصائل، واجهة التصعيد العسكري ضد الأميركيين، يؤكد أن هناك انقساماً وهناك فصائل لا تريد أي تصعيد ضد الأميركيين، عكس الكعبي الذي كان واضحاً وصريحاً بتبني التصعيد، خصوصاً أنه غير مشارك في العمل السياسي، وليس له أي تمثيل حكومي".


وبيّن الباحث أن "الانقسام الحالي بين الفصائل المسلحة، ربما يتعمّق ويصل إلى مرحلة القطيعة، خصوصاً أن الصراع على تصدّر المشهد بين الفصائل موجود، وكل فصيل يريد زيادة نفوذه العسكري وحتى السياسي على حساب باقي الفصائل، وهذا الأمر ربما يشكل تهديداً وحتى مخاوف من الصراع المسلح ما بين تلك الفصائل، وهذا الأمر حدث سابقاً".


ويدور جدل في العراق حول قدرة الحكومة على ضبط إيقاع الفصائل المسلحة، ونتائج زيارة السوداني الأخيرة لطهران، وأيضاً الفكرة من تبني الجماعات العراقية بشكل صريح الهجمات التي تستهدف القوات الأميركية داخل سورية، وهو الأمر الجديد في ملف مواجهة تلك الفصائل مع القوات الأميركية.


وزار وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن العاصمة العراقية بغداد، في الخامس من الشهر الحالي، وطلب من السوداني "ضبط الفصائل المسلّحة"، وفقاً لمصادر سياسية في بغداد، بالإضافة إلى منع أي أنشطة عدائية لفصائل مسلّحة منضوية ضمن "الحشد الشعبي" في الأراضي السورية، وتستهدف القوات الأميركية أيضاً، محذراً من رد عسكري أميركي واسع عليها في حال تسبّبت تلك الهجمات بأي خسائر.


ونفذت الولايات المتحدة سلسلة من الضربات الجوية على مواقع قالت إنها تابعة لجماعات مرتبطة بالحرس الثوري الإيراني، في 27 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، و9 نوفمبر/تشرين الثاني الحالي، في البوكمال ودير الزور شرقي سورية، رداً على هجمات تعرضت لها القوات الأميركية في العراق وسورية. ووفقاً لبيانات عن البنتاغون فإن الضربات استهدفت مواقع "يستخدمها الحرس الثوري وجماعات يدعمها".

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - وكالة انباء النافذة