تقرير البنك الدولي حول ديون العراق البالغة 152 مليار دولار، أثار حفيظة مستشار مالي حكومي، واعتبره مبالغا به كون جميع الديون الداخلية والخارجية لا تصل إلى نصف المبلغ المذكور، فيما اتفق اقتصاديون مع التقرير الذي وصف الاقتصاد العراقي بـ"الهش"، بسبب اعتماده على النفط فقط.
ويقول المستشار المالي والاقتصادي لرئيس الوزراء مظهر محمد صالح، خلال حديث لـ"العالم الجديد"، إن "الدين العام الداخلي يقارب 71 تريليون دينار (نحو 48 مليار دولار)، وما زال الجهاز المصرفي الحكومي يحتفظ بحيازته بشكل سندات حكومية وحوالات خزينة، والتي تقدر أيضا عند تقويمها بالعملة الأجنبية بقرابة 54 مليار دولار".
ويضيف صالح: "أما الديون الخارجية واجبة الدفع من الآن وحتى العام 2028، فتقدر بـ23 مليار دولار، ولكن هناك ديونا تستحق بعد العام المذكور، ومعها ربما يصبح الدين الخارجي بنحو 30 مليار دولار".
ويبين أن "هناك دينا معلقا على اتفاقية نادي باريس 2004، أي الديون السيادية ما قبل العام 1990، وتعود لأربع دول خليجية وأربع دول أخرى، هي بنحو 40 مليار دولار، وفي حال تفعيلها إن صحت (لكونها ديونا بغيضة موّلت الحرب العراقية- الإيرانية في حينها)، فلابد من أن تخصم بنسبة 80 بالمئة، بموجب نادي باريس لتصبح أقل من 9 مليارات دولار أو أقل".
ويستغرب صالح من "كيفية احتساب الديون العراقية من قبل تقرير البنك الدولي"، ويعزو ذلك إلى "اعتماده على العجز الافتراضي في الموازنة العامة الاتحادية، والمقدر بنحو 64 تريليون دينار، ليبلغ الدين الخارجي 50 مليار دولار، أي تمت إضافة 40 بالمئة من تقديرات العجز السنوي كتوقع إلى إجمالي الدين العام الداخلي والخارجي، لذلك جاءت قراءة ديون العراق الداخلية والخارجية على حد ما نشر من البنك الدولي لتكون بنحو يقارب 153 مليار دولار، ومع ذلك فإن نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي ستبقى بين 52- 55 بالمئة من ذلك الناتج المقدر للعام 2023 وهو ضمن منطقة الاستقرار الاقتصادي الآمن حاليا والمقدر عادة بنحو 60 بالمئة".
وكان البنك الدولي، أعلن أمس الأول، في تقرير بعنوان (ضغوط متجددة: تعافي العراق في خطر) أن الاقتصاد العراقي اقتصاد هش، وأن ديون البلاد زادت إلى 152 مليار دولار، مشيرا إلى أن الاقتصاد العراقي يعاني من ركود الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي، والصناعات، والأنشطة الزراعية، مع ارتفاع معدلات التضخم، حيث يفتقر العراق في ظل حكومته الحالية؛ لإصلاحات هيكلية واسعة النطاق تقوّي اقتصاده بعيدًا عن النفط، بحسب التقرير.
من جهته، يشير الباحث المختص بالشأن الاقتصادي نبيل جبار التميمي، خلال حديث "العالم الجديد"، إلى أن "الاقتصاد العراقي هش بكل تأكيد، لأنه مازال يعتمد على النفط فقط، وتقرير البنك الدولي كان عبارة عن تقييم لوضع الاقتصاد العراقي، إذ يشير التقرير إلى عدم وجود أي متغيرات لتفادي الأزمات، فالتقرير لم يكن يتكلم عن حالة مؤقتة".
ويضيف التميمي، أن "تقرير البنك الدولي تحدث عن معضلة مستمرة، وأشّر عدم وجود أي متغيرات بالوضع العراقي الاقتصادي الهش خلال الحكومة السابقة برئاسة مصطفى الكاظمي أو الحكومة الحالية برئاسة محمد شياع السوداني".
ويبين أن "إخراج الوضع العراقي من صفة الهشاشة، يتم من خلال تنويع الاقتصاد وموارد الدولة المالية، وليس الاعتماد فقط على النفط"، لافتا إلى أن "هناك توجها حكوميا لهذا التنوع من خلال استثمار الغاز وتفعيل وتنشيط المصافي، كما يجب الاهتمام بشكل كبير بتفعيل القطاع الخاص، فمن غير الممكن بقاء فرص العمل بالقطاع الحكومي فقط".
وبحسب البنك الدولي، فإن افتقار العراق إلى تنويع مصادر الدخل بسبب السياسات الفوضوية للحكومات المتعاقبة، أدى إلى انكماش الناتج المحلي بمقدار1.1%، في 2023 وزيادة الدين العام للبلاد ليبلغ 58.3% بعد أن كان في السنة السابقة 53.8% أي سيصل إلى 152 مليار دولار، بزيادة 10 مليارات دولار، فيما وبلغ مجموع الديون الخارجية إلى 50 مليار دولار، والداخلية 102 مليار دولار، مما يعني أن السلطات الحكومية اقترضت في السنوات الثلاث السابقة داخليًا حوالي 60 مليار دولار، بمعدل 15 مليار سنوياً، وبفوائد سنوية للديون الداخلية تبلغ 16 إلى 17% من حجم الديون.
إلى ذلك، يذكر الباحث في الشأن المالي علاء جلوب الفهد، خلال حديث لـ"العالم الجديد"، أن "العراق ما زال يمتلك اقتصادا ريعيا ويعتمد بالدرجة الأساس على النفط بنحو من 95 بالمئة من الناتج الإجمالي المحلي، وهذا ما يجعل الوضع الاقتصادي العراقي هشاً، ووضعه مرهوناً بالتقلبات الدولية بأسعار النفط".
ويضيف الفهد: "لا توجد أي خطط حقيقية لتفعيل قطاع الزراعة والصناعة والسياحة، إضافة إلى أن هناك تضخما في الإنفاق الحكومي وزيادة بحجم الموازنة السنوي، وهذا الإنفاق يذهب إلى رواتب الموظفين، وهذا ما يجعل الاقتصاد مرهوناً بسوق النفط، ولهذا هو هش".
ويتابع أن "هناك ضرورة لعمل إصلاحات حقيقية من أجل تغيير واجهة الاقتصاد العراقي من خلال تفعيل القطاعات المعطلة والقطاع الخاص في مجال الاستثمار والطاقة وتشغيل الأيدي العاملة، خصوصاً مع وجود زيادة سكانية بنسبة (3%) وضعف كبير في القطاع الخاص، بالتالي زيادة التوظيف الحكومي يولد زيادة في حجم الإنفاق، وكل هذا يتطلب تفعيلا حقيقيا للإصلاحات من أجل تنويع مصادر التمويل".
ويخلص الباحث في الشأن المالي إلى أن "قيمة الديون على العراق سواء كانت داخلية أم خارجية لا تؤثر على وضع العراق الاقتصادي، مادام هناك احتاطي كبير للبنك المركزي العراقي بالإضافة إلى الاحتياطي الكبير للذهب لدى البنك، خصوصاً أن أغلب تلك الديون تم حسمها وأغلبها هي ديون داخلية، كما أن بعض تلك الديون هي غير حقيقية والنظام السابق هو مسؤول عنها".
ويشكّل الاقتراض الخارجي في الموازنة، ما نسبته 20 بالمئة من إجمالي الإنفاق الاستثماري، ويذهب أغلبه نحو تطوير أهم قطاعين في البلاد وهما الكهرباء والصحة، وفي تقرير سابق لـ"العالم الجديد"، بين مستشار حكومي، أن مبالغ الاقتراض تسحب تباعا لتنفيذ المشاريع وبشكل تدريجي، فيما انتقد متخصصون بالاقتصاد هذه العملية كون القطاعات التي تذهب لها الأموال مازالت تعاني من مشاكل كبيرة، مبينين أن الاقتراض يؤكد عجز الدولة عن تنفيذ المشاريع بمفردها.
وبلغت قيمة موازنة العام الحالي والعامين المقبلين، 198 تريليون دينار (نحو 150 مليار دولار) لكل عام، وتم بناء الموازنة على سعر 70 دولارا للبرميل، فيما بلغت نسبة العجز فيها 63 تريليون دينار.