وصف خبراء اقتصاد ظاهرة الفقر في العراق بأنها حالة متحركة نحو الأعلى، لا يمكن معالجتها دون القضاء على الفساد الذي يحد من استثمار الثروات، وفيما تعتقد وزارة العمل أن نسب الفقر ستنخفض بعد مبادرتها "ابشر يا الفقير" كشفت عن "بشرى جديدة للفقراء" ستطلقها اليوم، لكن خبيرا آخر قلل من أهمية الإعانات الاجتماعية، مؤكدا أن العراق يحتاج إلى وضع برامج لتأهيل الفقراء، لا الإعانات النقدية فحسب.
ويحتفل العالم اليوم، باليوم الدولي للقضاء على الفقر الذي يصادف في 17 تشرين الأول أكتوبر، ويعود تاريخ هذا الاحتفال إلى عام 1987 حينما اجتمع ما يزيد على مئة ألف شخص تكريماً لضحايا الفقر المدقع والعنف والجوع، وذلك في ساحة تروكاديرو بباريس.
وفي العراق، ساهمت الأزمة الاقتصادية المستمرة وارتفاع سعر صرف الدولار وانعكاسه على أسعار السلع والمواد الأساسية، في ارتفاع مستوى خط الفقر، إذ أكدت إحصاءات تصدر محافظات الجنوب معدلات الفقر، وفي مقدمتها محافظة المثنى بنسبة 52 بالمائة، وتليها محافظة القادسية وميسان وذي قار بنسبة 48 بالمئة، فيما بلغت نسبة الفقر في العاصمة بغداد 13 بالمائة، وفي محافظة نينوى 34.5 بالمائة، في حين تصل نسبة الفقر في محافظات الوسط إلى 18 بالمائة.
ويقول الخبير الاقتصادي همام الشماع، خلال حديث له، إن "الفقر في بلد كالعراق بموارده الطبيعية المختلفة حالة غير مسبوقة في الشرق الأوسط والبلدان النفطية بشكل خاص".
وينتقد الشماع "عدم وجود إحصاءات رسمية دقيقة عن خط الفقر في ظل التضخم المتصاعد، فليس هناك من يحدد أن المواطن فقير بناء على قيمة دخله بالأرقام، وهذه الأرقام يجب أن تصدر عن وزارة التخطيط أو ما يسمى بميزانية الأسرة بشكل شهري، لأن التضخم يتصاعد شهريا باستمرار".
ويضيف الشماع، أن "الفقر في العراق حالة متحركة نحو الأعلى أي يزداد الفقراء يوما بعد آخر، بسبب انخفاض قيمة الدينار مقابل الدولار والارتفاع المتواصل للأسعار وتراجع مستويات العمالة والعمل المتاح للمواطنين، وفي تقديري كل الموظفين الذين يستلمون دخولا ثابتة تقل عن مليون دينار شهريا أصبحوا كعائلة من الفقراء، لأنهم لا يستطيعون أن يوفروا المستويات التي اعتاد عليها المواطن العراقي في السبعينات والثمانينات".
ويشير إلى أن "المعالجة يجب أن تبدأ أولا بالقضاء على الفساد الذي يستهلك ثلث ثروة العراق، ويستحوذ على 50 بالمئة من موارد العملة الأجنبية ويمنع نحو 60 بالمئة من فرص الاستثمار في العراق".
وفي نيسان أبريل الماضي، كشفت وزارة التخطيط أن نسبة الفقر في البلاد تبلغ 22 بالمئة، (أي ما يعادل نحو 10 ملايين نسمة) في بلد يربو عدد سكانه على 43 مليونا.
لكن في حزيران يونيو، أكد مؤشر الجوع العالمي أن العراق دخل "منطقة معتدلة"، بحسب آخر جدول أعلن وشمل أكثر من 200 دولة، إذ قفز بين عامين من المرتبة 86 إلى 66، وأكد متخصصون في الاقتصاد، بحسب تقرير لـه، أن ارتفاع أسعار النفط وانتظام الرواتب وتوسيع شبكة الحماية الاجتماعية، ساهمت في هذا التعافي.
إلى ذلك، يؤكد المستشار الإعلامي لوزير العمل والشؤون الاجتماعية كاظم العطواني، خلال حديث لـه أن "وزارة العمل والشؤون الاجتماعية عملت على تخفيض مستوى خط الفقر باستهداف المناطق المصنفة تحت مستوى خط الفقر في العراق، بخدماتها المتنوعة".
ويضيف العطواني، أن "الإحصائية الرسمية عن مستوى خط الفقر في العراق تشير إلى 22 بالمئة وفق تقارير وزارة التخطيط قبل انطلاق حكومة الخدمة الوطنية، وتوقعاتنا أن تنخفض هذه النسبة بشكل كبير جداً بعد الإجراءات التي اتخذتها وزارة العمل بعدما شرعت بحملة أطلقت عليها تسمية (ابشر يا الفقير) وهي حملة كبرى لمسح المناطق الفقيرة وشمول المستحقين منها بإعانات الحماية الاجتماعية وتم تسجيل ما يقارب المليوني مواطن ولدى الوزارة ما يقارب 7 ملايين نسمة من مستفيدي الوزارة".
ويبين أن "الوزارة مستمرة بإعلان وجبات الشمول والأسبوع المقبل سيشهد إعلان الوجبة السادسة من المسجلين والمستحقين لإعانات الحماية الاجتماعية وستكون أكبر من الوجبة الخامسة".
ويكشف المستشار الإعلامي لوزير العمل أنه "بعد التوسع الأفقي في الشمول والضمان الصحي للمستفيدين والحصة التموينية الإضافية ومنح الطلبة وقرار شمول مستفيدي الحماية الاجتماعية بقطع الأراضي ستكون هناك بشرى جديدة تعلن يوم غد الثلاثاء (اليوم)، ولن تتوقف الوزارة عن تقديم خدماتها وستستمر في كل ما من شأنه أن ينتشل هذه الفئات من مستوى تحت خط الفقر إلى العيش الكريم".
وكان وزير العمل والشؤون الاجتماعية احمد الأسدي، أعلن مطلع الشهر الحالي، انه تم شمول نحو 668 ألفاً و971 أسرة بإعانة الرعاية الاجتماعية منذ تشكيل الحكومة الحالية.
من جانبه، يعتقد الخبير الاقتصادي صفوان قصي، خلال حديث لـه أن "العراق يحتاج إلى وضع برامج لتأهيل الفقراء، وعليه أن لا يكتفي بالتركيز على الإعانات النقدية وإهمال تنشيط الإنتاج وإعانة المنتجين وتشغيل العاطلين، فهذه الإجراءات ستتكفل أكثر في الحد من ظاهرة الفقر".
ويضيف قصي أن "مستوى الفقر يتباين بين المحافظات، وكذلك بين مراكز المدن والقرى والأرياف، وهناك ظروف فاقمت من ظاهرة الفقر، كالتغير المناخي والتصحر وكذلك تذبذب أسعار النفط وإيقاف صادرات إقليم كردستان أثر على البرامج الحكومية بتمويل صندوق التنمية".
وينبّه الخبير الاقتصادي إلى أن "النظرة للفقر على أساس صعوبة العيش هي نظرة جزئية وقاصرة، إذ يجب توسيع دائرة التعامل مع الفقر على أساس الفقر الصحي والتعليمي، فالفقر الشامل يعطي مؤشرات نحتاجها للوقوف أمام المتغيرات".
وفي مؤشر جديد، لفت مركز دراسات فرنسي من خلال إحصائية تهتم بالتفاوت الاقتصادي في العراق، إلى أن البلد يضم 36 مليارديرا تبلغ ثروة كل منهم أكثر من مليار دولار، فضلا عن 16 ألف مليونير، ثروة كل منهم أكثر من مليون دولار.
وكانت الإحصاءات الصادرة عن البنك الدولي، كشفت أن مستوى البطالة في العراق بلغ 13.7 في المئة، وهو المعدل الأعلى منذ عام 1991، وهو ما أكده المتحدث باسم وزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي، مبينا أن نسبة الفقر في العراق شهدت أيضا ارتفاعا خلال العام الماضي لتصل إلى 31.7، لكنها انخفضت قليلا هذا العام لتصل إلى 30 في المئة.