تعود الحكومة مجددا، لتفعيل الدفع الإلكتروني وتوسيع قاعدته عبر شمول جميع المهن والمشاريع التجارية، لكن هذه الخطوة اتضح أنها ستواجه مشاكل كبيرة بسبب عدم جهوزية النظام المصرفي في العراق، وفقا لمتخصصين بالاقتصاد، الذين أكدوا أن القرار صدر دون وجود بنى تحتية خاصة به.
من العقوبات إلى توقف البطاقات الإلكترونية وغياب شركات رئيسية وافتقار البلد إلى عملية نقل الأموال بين البطاقات، كل هذه مشاكل قائمة لم تحل، بحسب تأكيد المتخصصين، رغم أن مجلس الوزراء أصدر القرار وتعليمات التنفيذ بشكل سريع.
الخبير الاقتصادي نبيل جبار التميمي، يقول خلال حديث لـه، إن "قضية التحول للدفع الإلكتروني، فقد صدرت بها قرارات مطلع العام وتوقيتات للتنفيذ، وكان حزيران (يونيو) موعدا للتطبيق، لكن لم تنفذ بالكامل وجرى تطبيق فقط ما يخص محطات الوقود".
ويردف التميمي، أن "الدفع الإلكتروني، بشكل عام، فهو إيجابي، وفيه منافع للسيطرة مثلا على الانفاق وحل المشاكل البيروقراطية وتسرب أموال الجباية بالنسبة لمؤسسات الدولة"، مستدركا "لكن في العراق هناك مشاكل، منها أن عملية انتقال الأموال من شركة إلى أخرى، أي بين بطاقتين مختلفتين غير متوفرة لغاية الآن".
ويوضح أن "البنى التحتية لتفعيل هذا النظام والدفع الإلكتروني فيها مشاكل بالعراق، ولم تعالج حتى اللحظة، بالتالي فأن القرار والتوجيهات ستواجه مشاكل فنية كبيرة"، متابعا "كما أن قضية إلزام أصحاب المحال بتسجيل مشاريعهم رسميا وفتح حسابات سيؤدي للعزوف عن تفعيل الدفع الإلكتروني، لأنه في حال التسجيل سيدفع ضريبة مهنة، واتوقع أن يعدل مجلس الوزراء هذه الفقرة بقراره، ويتم تجهيز المحال بأجهزة الدفع من شركات خاصة بشكل مباشرة دون تسجيل".
وكان مجلس الوزراء، صوت يوم أمس الثلاثاء، على حزمة من الإجراءات التنفيذية تخصّ الدفع الإلكتروني ونقاط البيع الإلكترونية POS.
وبعد ذلك، نشر المكتب الإعلامي لرئيس الحكومة، الإجراءات التنفيذية الخاصة بنظام الدفع الإلكتروني ونقاط البيع الإلكترونية POS، وتضمنت إيداع المكافآت والحوافز والأرباح السنوية وأجور الساعات الإضافية الممنوحة للموظفين والمكلفين بخدمة عامة، بنسبة لا تقل عن 20 منها في حساباتهم المصرفية، على أن يتم استخدامها للدفع الإلكتروني حصرًا وعدم جواز سحبها نقدا، اعتماد نظم معلومات مالية ومحاسبية للجوانب المالية للمصروفات والإيرادات، تساهم في سهولة استخدام أساليب الدفع الإلكتروني والجباية الإلكترونية.
كما تضمنت: يتولى البنك المركزي العراقي اتخاذ الإجراءات كافة لدعم تطبيق أنظمة الدفع الإلكتروني، عبر حصر جميع الخدمات المقدمة وأنواعها والمبالغ والرسوم المستوفاة من المواطنين، إضافة إلى عدد المعاملات لكـل خـدمـة مـن الخـدمات المقدمة، ووضع سياسة تسعير العمـولات لخدمات الدفع الإلكتروني للمبالغ المستحصلة لمصلحة المؤسسات الحكومية، استكمال تقييم شركات الدفع الإلكتروني وفق المعايير الموضوعة لهذا الغرض، وتحديد الموقف من ترخيصها على وفق ما تسفر عنه نتائج التقييم.
كما اشتملت على: إلزام المصارف وشركات الدفع الإلكتروني بتوفير تطبيق إلكتروني (مجاني) على الهاتف النقال، يتيح للزبائن الدفع بواسطة الهاتف والاستعلام عن أرصدتهم وتعاملاتهم المالية، وإعداد تقارير بالفواتير المدفوعة المتعلقة بأنظمة الدفع الإلكتروني، ومنها نقاط البيع الإلكتروني (POS)، إلزام شركات الدفع الإلكتروني بتوفير مركز خدمة الزبائن على مدار الساعة، لتسهيل عمليات الدفع ومعالجة المشاكل الآنية الحاصلة في الدفع الإلكتروني، على الجهات الحكومية ذات العلاقة إلزام جميع أصحاب النشاطات التجارية بتسجيل كياناتهم في السجل التجاري، وتسجيل أصحاب المهن لدى الجهات القطاعية المختصة، مع اشتراط فتح حساب مصرفي كأحد متطلبات التسجيل أو ترخيص ممارسة المهنة.
يذكر أن تجربة الدفع الإلكتروني بدأت في محطات الوقود، وجرى تزويدها بالأجهزة اللازمة، بعد أن حدد البنك المركزي العمولة المستحصلة، خاصة إذا كان الدفع والاستلام بين مصارف مختلفة.
وسبق لرئيس الحكومة محمد شياع السوداني، وأن وجه في آيار مايو الماضي، الوزارات والجهات غير المرتبطة بوزارة والمحافظات كافة، بالإسراع في تنفيذ نقاط البيع بنظام الدفع الإلكتروني (POS) وبذل الجهود الحثيثة من أجل ذلك.
إلى ذلك، كشف مسؤول في المجال المصرفي، خلال حديث لـه أن "البنى التحتية المالية والمصرفية في العراق، غير جاهزة لإطلاق الدفع الإلكتروني وتوسعته بهذا الشكل الكبير".
ويتابع أن "العراق يفتقر حتى اللحظة إلى وجود شركة رئيسية تدير عملية الدفع الإلكتروني ونقل الأموال، وحتى البنك المركزي لا يمتلك مثل هذه الشركة".
ويوضح أن "هناك قضية مهمة، وهي أن أغلب بطاقات الدفع الإلكتروني الحالية، متوقفة، ودائما تتعرض لتوقفات لأسباب كثيرة، والوحيدة التي تعمل هي التابعة لمصرف حكومي، بالتالي هناك مشاكل لم تعالج حتى الآن".
وكان البنك المركزي العراقي، أعلن في عام 2020، عن إطلاقه خدمة تحويل الأموال بين البطاقات الائتمانية، وحدد سقف التحويل للمرة الواحدة بـ400 ألف دينار أو ما يعادلها بالدولار الأمريكي، فيما تصل حدود المبالغ المحولة خلال الشهر الواحد إلى مليوني دينار أو ما يعادلها بالدولار الأمريكي.
من جانبه، يبين الخبير الاقتصادي ناصر الكناني، خلال حديث لـه أن "الدفع الاكتروني وسيلة إيجابية معمول بها في كافة دول العالم، لكن هناك مشكلة واحدة تواجهه في العراق، وهي تعرض المصارف لعقوبات".
ويوضح الكاني، أن "الايداعات المالية من قبل التجار وأصحاب المشاريع الذين لديهم حسابات في مصارف معينة، هي أموال واجبة التسليم عند الطلب من قبل اصحابها وليس لها علاقة بالدفع الاكتروني، لكن إذا كان صاحب هذه الاموال لديه بطاقة دفع إلكتروني فبامكانه السحب من أي محل تجاري أو صراف آلي".
ويتابع أن "التخوف هو من تعرض مصرف ما، إلى عقوبات وإيقاف عمله، وهنا سيكون عليه تسديد المبالغ المودعة من قبل الزبائن، وتقديم ما يثبت إيداع المبلغ في المصرف للبنك المركزي".
وعلى الرغم من أن بعض المصارف في العراق تصدر بطاقات ائتمانية، إلا أن استخدامها بقي في نطاق محدود، كتسلم حوالات خارجية على سبيل المثال، وعادة ما تكون أجهزة الصراف الآلي قرب فروع البنك فقط، ولا تنتشر في أغلب الأسواق المحلية، ما دفع المواطنين إلى الاعتماد على البطاقات المعبأة مسبقا لاستخدامها في مواقع الإنترنت، كدفع مستحقات أو الشراء.
ويضم العراق، بحسب آخر إحصاء منشور في موقع البنك المركزي العراقي، 80 مصرفا عاملا، منها 62 محليا و18 مصرفا عبارة عن فروع لمصارف أجنبية.
يشار إلى أن القطاع المصرفي العراقي مهمل من قبل المواطنين الذين فقدوا الثقة به، وبحسب أرقام البنك الدولي فأن 23 بالمئة فقط من الأسر العراقية لديها حساب في مؤسسة مالية، وهي نسبة من بين الأدنى في العالم العربي، ولاسيما أن أصحاب تلك الحسابات هم من موظفي الدولة الذين توزع رواتبهم على المصارف العامة نهاية كل شهر، لكن هذه الرواتب أيضا لا تبقى طويلا في الحسابات، إذ سرعان ما تتشكل طوابير أمام المصارف من الموظفين الذين يسحبون رواتبهم نقدا ويفضلون إبقاءها في بيوتهم.