مرحلة جديدة تحاول الولايات المتحدة، البدء بها لتقوية سيطرتها في المنطقة، عبر دعم قواتها وزجها في "التنف" الحدودية بين العراق وسوريا والأردن، وفيما عزا مراقبون هذا التوجه إلى التنافس بين واشنطن من جهة وموسكو وبكين من جهة أخرى على المنطقة العربية وخاصة العراق، أشاروا أيضا إلى أن الخطة الجديدة والهادفة إلى تقييد حركة الجماعات المدعومة من إيران في هذا المثلث الحدودي، ربما ستوقع الحكومة العراقية بـ"حرج"، نظرا لوجود فصائل عراقية فيها، بعد أن أكدوا أن المرحلة المقبلة ستكون اختبارا صعبا للحكومة في مسألة اختيارها لأي من المحاور الدولية المتصارعة.
ويقول المحلل السياسي غالب الدعمي، إن "الخطة الأمريكية الجديدة، تُظهر أن واشنطن تسعى من خلالها لإعادة السيطرة على العراق كليا، فهي لم تأت الى منطقة الشرق الاوسط وتدخل العراق لتتخلى عنه لصالح روسيا والصين، فكل ما يحدث من حروب ونزاعات في المنطقة هي من أجل إخضاع البلد للسيطرة وعدم السماح للصين من الدخول للعراق والمنطقة بشكل عام".
ويضيف الدعمي، أن "التغييرات الأخيرة هي بداية الاستعداد لمرحلة جديدة قد يكون عنوانها سيطرة أمريكية، وهي رغبة إن وجدت لدى واشنطن، فلن تملك أي جهة أن مقاومتها أو إيقافها"، متابعا أن "المرحلة المقبلة، ستكون محرجة للحكومة العراقية، إذ ستقع بين تأييد ما تقوم به واشنطن وبين معارضتها لموقف الفصائل المسلحة، أو معارضتها لواشنطن وتأييدها للفصائل، وفي الحالتين فسيكون موقفها صعبا جدا".
ويوضح، أن "الولايات المتحدة لا تملك موقفا واضحا من الحكومة العراقية، بالرغم من عدم اعتراضها عليها، لكن الموقف العراقي المقبل سيحدد الموقف الأمريكي مستقبلا، أي أن واشنطن ستخضع الحكومة إلى التجربة، فإن نجحت وابتعدت عن إيران وروسيا، ستحظى بدعم أمريكي كبير، وعلى العكس، ستكون هناك مطبات أمام حكومة السوداني".
وكانت وكالة الأناضول التركية، قد كشفت يوم أمس، عن اتخاذ الجيش الأمريكي خطوات جديدة للتنسيق على المثلث الحدودي بين العراق والأردن وسوريا، ضد "المقاتلين الأجانب" المدعومين من إيران، الموجودين قرب هذه المنطقة، والذين يعملون بموافقة الرئيس السوري بشار الأسد، وذلك عبر التنسيق بين "قوات الصناديد" العاملة تحت مظلة "قوات سوريا الديمقراطية"، على طول الحدود العراقية الأردنية، وفصيل "جيش سوريا الحرة".
ومما كشفته الوكالة، أن وفداً رفيعاً من الجيش الأمريكي، التقى أمس الأول الجمعة، مع بندر حميدي الدهام، قائد "قوات الصناديد"، في منطقة اليعربية بمحافظة الحسكة شرقي سوريا، واستمر نحو ساعة ونصف الساعة، وطلب الوفد من القوة أن تتحرك بالتنسيق مع "جيش سوريا الحرة"، في منطقة التنف.
يذكر أن القوات الأمريكية شكّلت، في العام 2021، قوة حدودية مكونة من آلاف العناصر تحت اسم "قوات الصناديد"، ونشرتها على خط الحسكة، في حين تعمل فصائل من "الجيش السوري الحر" المعارِضة للأسد، بدعم من الولايات المتحدة في منطقة التنف الحدودية مع الأردن، وتتلقى هذه الفصائل دعماً بالأسلحة والتدريب من القوات الأمريكية.
إلى ذلك، يؤكد الخبير الأمني العميد المتقاعد عدنان الكناني، أن "منطقة التنف السورية وما يقابلها في الداخل العراقي، فيها قواعد أمريكية وهي التنف وفي المقابل قاعدة عين الاسد، وبالتالي هاتين القاعدتين المتوازيتين أحدها في الجانب السوري والاخرى بالعراقي، لذا فأن الوجود الامريكي واضح فيها، وعليه هنا الحديث عن تعزيز تواجدها".
ويرجح الكناني، "حدوث عمليات عسكرية على الأبواب"، مبينا أن "شعور الولايات المتحدة بتقويض نفوذها في العالم، قد يدفعها لاختلاق أزمة دولية".
ويتابع، أن "الحرب الروسية الأوكرانية غذت الصراع بين الصين وروسيا من جهة، وبين حلف الشمال الأطلسي من جهة أخرى، وقد يتطور إلى صراع مباشر، وهذا ما سيتسبب باستنزاف الجميع، وسيصب في صالح واشنطن".
وفيما يخص العراق، يوضح الكناني، "لن تحدث أي صدامات جديدة بين قوى الإطار التنسيقي والقوات الأمريكية، لأن الإطار ليس من مصلحته إحداث مشاكل أخرى، وأطرافه تريد إبقاء الوضع هادئا، فالمصالح هي من توحد الجهات المتخاصمة، فلا يوجد عدو دائم ولا حليف دائم".
جدير بالذكر، أن وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) أعلنت في آذار مارس الماضي، أن الجيش الأمريكي نفذ عدة ضربات جوية في سوريا، استهدفت جماعات متحالفة مع إيران، تتهمها الولايات المتحدة بتنفيذ هجوم بطائرة مسيرة، أسفر عن مقتل متعاقد أمريكي وإصابة آخر إضافة لإصابة خمسة جنود أمريكيين.
وتشهد هذه المنطقة الحدودية، تواجد لفصائل عراقية مدعومة إيرانيا، ودائما ما تعلن عن تلقيها ضربات أمريكية، بمقابل استهدافها للقوات الأمريكية في هذا المثلث الحدودي، وسبق وإن أوقعت هذه الجماعات الحكومة العراقية بحرج كبير، وخاصة في عهد رئيس الحكومة حيدر العبادي، حيث أكدت الحكومة آنذاك أن وجودها داخل الأراضي السورية غير رسمي.
يذكر أن العراق وفي شباط فبراير الماضي، صوت على قرار الأمم المتحدة القاضي بانسحاب روسيا من أوكرانيا، ووصف هذا التوجه في حينها بأن بغداد أصبحت جزءا من "المحور الأمريكي- الأوروبي"، لاسيما وأن حلفاء روسيا امتنعوا أو صوتوا ضد القرار، وعدت بأنها خطوة الخطوة "براغماتية"، أساسها البحث عن مصلحة البلاد.
ويرتبط العراق بعلاقة متينة مع إيران والصين وروسيا، وكان يعد جزءا من هذا المحور، الذي يعارض السياسة الأمريكية، لكن وبعد تشكيل الحكومة الجديدة، تطورت العلاقة بين بغداد وواشنطن، وحظيت هذه الحكومة بدعم أمريكي كبير، وكانت مصادر مطلعة قد سلطت الضوء عبر سلسلة تقارير على التحول بموقف القوى العراقية المقربة من إيران، وتوجهها نحو أمريكا.
من جانبه، يؤكد المحلل السياسي راجي نصير، أن "هناك جملة أسباب قد تتحكم في موضوع تعزيز الوجود الأمريكي في منطقة التنف، منها التوتر مع روسيا، على اعتبار أن سوريا أصبحت منطقة صراع بين القوات الروسية والأمريكية خاصة على مستوى القوات الجوية".
ويشير نصير، إلى أن "هذا الانتشار هو لمنع التقارب بين سوريا وتركيا أيضا، وسوريا والعراق، وربما تسعى واشنطن لحماية مصالحها هناك، خاصة وأن المنطقة تضم إنتاجا نفطيا غزيرا"، مضيفا أن "هذه الخطوة قد تكون بهدف الحد من الهجمات على القوات الأمريكية، ولحماية أمن إسرائيل، في ظل التوتر على الجبهة اللبنانية وغزة، وبالتالي تقوية الوجود الأمريكي بالتنف ربما يقطع الامدادات المحتملة بين إيران وحزب الله عبر سوريا وتحرك الفصائل المسلحة العراقية لدعم المقاومة في لبنان، فبالمجمل كل هذه الاحتمالات واردة لتفسير الخطة الأمريكية".
وعادت سوريا إلى مقعدها في الجامعة العربية، خلال الشهر الماضي، بعد أكثر من عقد على بقائه شاغراً إثر الأحداث التي شهدتها البلاد منذ 2011، وقد أكدت بغداد في أكثر من مناسبة، دورها المحوري في عودة سوريا إلى مقعدها في الجامعة العربية.
وفي وقت سابق، شاركت دمشق إلى جانب دول مجاورة للعراق من بينها الخليج، في مؤتمر طريق التنمية الاستراتيجي في بغداد، كما شاركت في مؤتمر المياه التي استضافته بغداد.