19 Jan
19Jan

تحدث مستشار حكومي ومتخصصون بالاقتصاد، عن إيجابيات التحول إلى "الدفع الإلكتروني" بعد قرار مجلس الوزراء، ومنها تشغيل الأموال في المصارف، خاصة وأن النقد لدى المواطنين يشكل 77 بالمئة من قيمة الأموال، فضلا عن الدقة في التعاملات، لكن بالمقابل قد لا يساهم هذا التحول بالحد من عمليات غسيل الأموال والسرقات، كونه لن يغطي كافة التعاملات، إلى جانب عدم ثقة المواطنين بالمصارف حتى يودعوا أموالهم فيها، لاسيما وأن بعضها أفلس دون وجود إجراءات تعويض أو غيرها.

ويقول المستشار المالي والاقتصادي لرئيس الوزراء مظهر محمد صالح، في حديث له، إن "العراق لابد أن يدخل مراحل متقدمة في تحسين نظام المدفوعات والتحول من كلفة استخدام النقود الورقية في الدفع والاستلام إلى تسوية المدفوعات ببطاقات الدفع الالكتروني أو الدفع من خلال الهواتف الذكية".

ويبين صالح، أن "مثل هذه الخطوات المهمة في قطاع المعاملات اليومية لابد من أن يقلل من تكاليف المعاملات النقدية بين الزبائن من جهة، وبين الزبائن والمصارف من جهة اخرى، فهي توفر الجهد والوقت وتختصر كلفة الحساب من جهة أخرى، والدفع النقدي ينطوي على تكاليف غادرتها أغلب النظم الاقتصادية".

ويضيف أن "التعامل النقدي ينتهي فهو بحاجة الى خزن آمن وعمليات عد وفرز وحساب، كما يتعرض النقد الى مشكلات التلف والضياع والسرقة، ما يشكل مخاطر عالية مقارنة بالدفع والاستلام الالكتروني، وبغية تشجيع التعامل الالكتروني في المدفوعات كافة يجب ان يقترن المشروع بحوافز مساعدة، فعلى سبيل المثال تمنح الجبايات الالكترونية الحكومية كافة خصما مناسبا من كلفة القائمة المستحقة مبالغها بالدفع بخصم بنسبة معينة ولتكن 2 بالمئة على سبيل المثال أو أي نسبة مشجعة مقارنة بالدفع أو التسديد النقدي، ومنها الكثير من الرسوم وأجور الخدمات الحكومية وغيرها".

ويتابع المستشار، أن "وعد الخصم على المعاملات التي تتم من خلال البطاقات الإلكترونية حافز مشجع على تسيير التعاملات اليومية للأفراد بأقل التكاليف الممكنة بدلاً من مشكلات التعامل بالدفع النقدي".

وكان مجلس الوزراء، قرر أمس الأول، تفعيل عملية الدفع الإلكتروني، وذلك إتخاذ سلسلة إجراءات، منها قيام البنك المركزي العراقي بتسهيل إجراءات منح رخص تحصيل البطاقات المصرفية باستخدام نقاط البيع (POS)، وتقليل العمولات على المصارف والجهات التي تستخدم تلك الأجهزة، وإلزام جميع الدوائر الحكومية وغير الحكومية والمختلطة والنقابات والجمعيات وجميع المدارس الخاصة والجامعات والكليات الأهلية ومحطات تجهيز الوقود بجميع صنوفها ومواقعها وفي جميع أنحاء العراق، بفتح حسابات مصرفية وتوفير أجهزة نقاط البيع الخاصة بالدفع الإلكتروني (POS)، الدفع بواسطة البطاقات المصرفية لتحصيل الأموال ولتمكين الراغبين من المراجعين بالدفع بالبطاقات، مع الإبقاء على الاستلام النقدي جنباً إلى جنب.

كما شمل القرار إلزام جميع المراكز والمحال التجارية بأنواعها والمطاعم والصيدليات والعيادات الطبية الخاصة والمذاخر وجميع منافذ التسوق بالجملة والمفرد والخدمات المرخصة التي تقتضي الدفع لصالحها في حدود أمانة بغداد ومراكز المحافظات والأقضية في جميع أنحاء العراق، بفتح حسابات مصرفية وتوفير أجهزة نقاط البيع، إضافة إلى إعفاء التعاقدات واستيراد أجهزة الدفع والتحصيل الإلكتروني أجهزة نقاط البيع (POS)، وأجهزة الصرافات الآلية (ATM)، الخاصة بأنظمة الدفع والتحصيل بالبطاقات المصرفية من رسوم الكمارك والضرائب بأشكالها كافة، ويضمّن ذلك في الموازنة العامة الاتحادية لسنة 2023.

وتضمن أيضا، إعفاء جميع التعاملات بالدفع الإلكتروني (POS) من الضرائب، على أن ينفذ القرار بدءا من 1 حزيران يونيو المقبل.

وكان البنك المركزي العراقي، أعلن في عام 2020، عن إطلاقه خدمة تحويل الأموال بين البطاقات الائتمانية، وحدد سقف التحويل للمرة الواحدة بـ400 ألف دينار أو ما يعادلها بالدولار الأمريكي، فيما تصل حدود المبالغ المحولة خلال الشهر الواحد إلى مليوني دينار أو ما يعادلها بالدولار الأمريكي.

بدوره، يؤكد الخبير الاقتصادي عبد الرحمن المشهداني، خلال حديث له، أن "توجه العراق نحو الدفع الالكتروني مهم جداً للاقتصاد، وهذا يجعل التداول بالعملة قليل جدا، خصوصاً أن 77 بالمئة حالياً من العملة المصدرة بيد الجمهور و23 بالمئة موجودة في المصارف، وهذا يعني حرمان النظام المصرفي من تلك الأموال، التي من الممكن أن تستثمر لمشاريع التنمية، بدل اللجوء الى الاقتراض من صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي، وبأسعار عالية، فهي ممكن ان تقترض من المصارف المحلية".

ويبين المشهداني أن "الحكومة سوف تواجه صعوبة بقضية جذب العراقيين نحو الدفع الالكتروني، خصوصاً انه لا يمكن إجبار الجمهور على استخدام هذه الطريقة، فقضية توطين الرواتب مازال هناك تذمر منها، بسبب أن التكاليف عالية مع محدودية منافذ التوزيع، وهذا الامر يحتاج الى ثقافة وليس إجبار المواطن".

ويضيف أن "الثقة بالنظام المصرفي ضعيفة لأن الأموال غير محمية في المصارف، خصوصاً بعد إعلان الكثير من المصارف إفلاسها نتيجة سوء الإدارة، فالجمهور يرفض فتح حساب في المصارف، بسبب عدم ضمان بقاء الأموال وعدم مصادرتها، وهذا فشل واضح"، لافتا إلى أن "هناك الكثير من أموال المودعين ذهبت والبنك المركزي العراقي بقي متفرجا".

وعلى الرغم من أن بعض المصارف في العراق تصدر بطاقات ائتمانية، إلا أن استخدامها بقي في نطاق محدود، كتسلم حوالات خارجية على سبيل المثال، وعادة ما تكون أجهزة الصراف الآلي قرب فروع البنك فقط، ولا تنتشر في أغلب الأسواق المحلية، ما دفع المواطنين إلى الاعتماد على البطاقات المعبأة مسبقا لاستخدامها في مواقع الإنترنت، كدفع مستحقات أو الشراء.

ويضم العراق، بحسب آخر إحصاء منشور في موقع البنك المركزي العراقي، 80 مصرفا عاملا، منها 62 محليا و18 مصرفا عبارة عن فروع لمصارف أجنبية.

وكان معاون محافظ البنك المركزي عمار حمد، قال مطلع الشهر الحالي، أن عدد بطاقات الدفع الإلكتروني ارتفعت من 10 ملايين إلى أكثر من 14 مليون بطاقة، مع ازدياد أجهزة الصراف الآلي إلى أكثر من 1500 جهاز، ونقاط البيع إلى أكثر من 7 آلاف.

من جانبه، يرى الخبير الاقتصادي نبيل جبار التميمي، خلال حديث لـه، أن "توجه العراق نحو آليات الدفع الإلكتروني هي بداية جيدة ومهمة، وقد تكون القاعدة التي من خلالها يتم أتمتة الإجراءات الحكومية وتقديم الخدمات العامة عبر النظم الالكترونية، فآليات الدفع السابقة كانت تقف بالضد من أي مسعى لإجراء الاتمتة العامة".

ويضيف التميمي أن "هذه الخطوة لن تساهم بقضية غسل الأموال إلا اذا افترضنا شمولا ماليا واسعا لجميع التعاملات التجارية وهو من المبكر الحديث عنه"، لافتا إلى أن "آليات غسيل الاموال تجري عبر معاملات بعيدة عن الرقابة".

ويبين أن "الثقافة العامة الحالية هي استخدام النقد بشكل مباشر (كاش) لكن فرض الدولة والحكومة على مؤسساتها باستخدام آليات الدفع قد تمثل الدقة في عملية الانتقال نحو الانظمة الالكترونية والتي من الممكن أن تتلقاها القطاعات الخاصة بمزيد من الترحيب وتستجيب لها حتى تكون ثقافة عامة جديدة في التعاملات النقدية".

وتعد الأرقام المعلنة من حمد ضئيلة مقارنة بعدد نفوس العراق من البالغين الذي يقدر بأكثر من 25 مليون شخص، بحسب قاعدة بيانات مفوضية الانتخابات، بينما أغلب دول العالم ودول الجوار تعتمد بشكل كلي على الدفع الإلكتروني وتنتشر فيها أجهزة الصراف الآلي بشكل كبير وتغطي كل زقاق تقريبا، فضلا عن اعتماد أغلب المحال التجارية وبكافة المهن على الدفع الإلكتروني نظرا لتوفر الأجهزة لديهم، حيث يحصلون عليها من المصارف.

يشار إلى أن القطاع المصرفي العراقي مهمل من قبل المواطنين الذين فقدوا الثقة به، وبحسب أرقام البنك الدولي فأن 23 بالمئة فقط من الأسر العراقية لديها حساب في مؤسسة مالية، وهي نسبة من بين الأدنى في العالم العربي، ولاسيما أن أصحاب تلك الحسابات هم من موظفي الدولة الذين توزع رواتبهم على المصارف العامة نهاية كل شهر، لكن هذه الرواتب أيضا لا تبقى طويلا في الحسابات، إذ سرعان ما تتشكل طوابير أمام المصارف من الموظفين الذين يسحبون رواتبهم نقدا ويفضلون إبقاءها في بيوتهم.

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - وكالة انباء النافذة