بعد استبشار الشارع العراقي خيرا في النزول الطفيف بأسعار صرف الدولار، يعود سعر الصرف وبشكل مفاجئ إلى الارتفاع ليتجاوز 150 ألف دينار لكل 100 دولار، الأمر الذي يمكن أن يؤثر على السوق المحلية، وفقا لنواب وخبراء بالاقتصاد، حيث شخصوا أسبابا عدة لهذا الارتفاع، في مقدمتها التهريب والمضاربة من قبل تجار السوق السوداء.
وحول هذا الأمر، يقول عضو اللجنة المالية مصطفى الكرعاوي، خلال حديث لـه إنه “لا يوجد نظام واضح يسيطر على الدولار، وإنما هو مرهون بالعرض والطلب الذي تتحكم فيه السوق الداخلية، وهذا سببه عدم وجود سيطرة حقيقية على المنافذ والكمارك والحوالات الخارجية، وما يزال هناك سوق موازي فعال، كما هناك حاجة للدولار من قبل المواطنين، إلا أنه غير متوفر في المنافذ الرسمية”.
ويضيف الكرعاوي، أن “الإصلاحات التي اطلقها البنك المركزي لم يتم تطبيقها بالشكل الصحيح ومتابعتها بصورة منظمة”، مبينا أن “التهريب والمضاربات والسوق السوداء لها أيضا دور في هذا الصعود والنزول، كما أن البنك المركزي هو جزء من الحل وجزء من المشكلة، وليس كلها فهو يطلق تعليمات وضوابط ولكن تطبيقها يجب أن يكون بأسناد من الجهات الحكومية الأخرى والتي هي الكمارك والمنافذ، وفق نظام الكتروني يسيطر على البضائع الداخلة والخارجة وتدقيق الحوالات والفواتير لتتكامل هذه العملية بشكل حقيقي”.
ومنذ فترة، انخفض سعر الدولار في السوق الموازي، حيث استقر عند 145 ألف دينار لكل 100 دولار طيلة الفترة الماضية، إلا أنه عاد للأرتفاع مجددا ليتجاوز الـ150 ألف دينار منذ أيام.
كان المستشار المالي لرئيس الوزراء، مظهر محمد صالح أكد في 2 تموز يوليو الجاري، أن تعليق المنصة الإلكترونية كان جزءا من اختبار يهدف إلى ضبط جميع المعاملات المالية المتعلقة بالدولار ومنع السياح من إخراج الدولار، مضيفا، أن إغلاق المنصة أظهر أن الدولار لم يعد قادرا على الارتفاع.
وأصدر البنك المركزي العراقي في 1 تموز يوليو الجاري، كتابا يسمح لمصرف الرشيد، ومصرف الرافدين، والمصرف التجاري العراقي، وشركات صرافة المطارات ببيع الدولار بسعر الصرف الرسمي للسياح اعتبارا من نوفمبر المقبل.
من جانبه، يبين المستشار المالي لرئيس الوزراء مظهر محمد صالح، خلال حديث لـه، أن “هناك عامل خارجي وهو ضغط الخزانة والبنك الاحتياطي الفيديرالي في تمويل الطلب على الدولار من حسابات بلادنا الدولارية هناك، وأيضا يوجد عامل داخلي مستفيد من تصرفات وضغط العامل الخارجي بغية تحصيل مكاسب ربحية قدرية أو طارئة ولاسيما في معاملات الدولار النقدي، والضحية في كل الأحوال هو المواطن والاستقرار الاقتصادي”.
ويشير صالح، إلى أنه “على الرغم من ذلك يقوم نظام سعر الصرف الثابت في العراق على قاعدة احتياطيات دولية تعد هي الأعلى في تاريخ العراق وسياسته النقدية، إذ تغطي العملة الأجنبية نسبة تزيد على 100 بالمئة من إجمالي العملة المصدرة حاليا، وازاء قوة سوق الصرف المركزية الرسمية فإن سعر صرف الدولار إلى الدينار في السوق الموازي اليوم في بلادنا لا يشكل أي أهمية نسبية في التأثير في استقرار المستوى العام للأسعار الذي أمسى ذلك المستوى السعري العام مستقراً في مركباته واتجاهاته، جراء تأثير عامل سعر الصرف الرسمي المهيمن حاليا على تمويل التجارة الخارجية (الاستيرادية) والبالغ 1320 دينارا لكل دولار، وهو تجاه مستقر لسعر الصرف وتتمحور حوله القيمة الخارجية المستقرة للدينار، والذي تجسده حالة استقرار الأسعار النسبية للسلع والخدمات إلى حد كبير، إذ لا يتعدى التضخم السنوي في بلادنا سوى 3 بالمئة”.
ويتابع “بناء على ما تقدم، وفي ضوء قوة الاحتياطيات الأجنبية الساندة للدينار العراقي والتي تزيد قيمتها كأصول أجنبية سائلة على 100 مليار دولار، فإن السوق الرسمية للصرف كاتجاه عام ستبقى المهيمنة على احتواء أية ضوضاء ملونة أو غامضة المعلومات تتأثر بها السوق الموازية للصرف في الفترات القصيرة، بسبب احداث سياسية دولية أو اقليمية طارئة هنا وهناك”.
ويكمل حديثه، أن “استقرار سعر صرف الدينار الذي تشهده البلاد حتى في الاسواق الثانوية، هو استقرار حقيقي وراسخ، بل هو مشتق من قوة تأثير العوامل السعرية والكمية للسياستين النقدية والمالية وتكاملهما في فرض الاستقرار السعري الكلي في البلاد واحتواء التوقعات التضخمية التي كانت تحدثها قوى السوق الموازية للصرف خلال السنوات الماضية، وأن السوق الثانوية غير النظامية بسبب حرية التحويل الخارجي هي تقع تحت تأثير سعر سوق الصرف الرسمي التي تتسع عملياتها باستمرار لمصلحة التعاطي بسعر الصرف الرسمي الثابت”.
كشفت في تقارير سابقة عن تهريب العملة واستمرارها، على الرغم من الضوابط على المصارف، ويتم عبر حقائب تنقل براً إلى تركيا وإيران، بعد سحب الدولار من السوق المحلية وليس عبر نافذة بيع الدولار الرسمية، وأطلق عليها متخصصون آنذاك بـ”الحوالات السود”.
ومنذ مطلع العام الماضي، تدخلت واشنطن للحد من تهريب الدولار من العراق، ما أدى إلى ارتفاع سعر الدولار في السوق المحلية لمستوى قياسي بلغ 170 ألف دينار لكل 100 دولار، بسبب تراجع مبيعات البنك المركزي من الدولار، نظرا لخضوعه إلى نظام “سويفت” المالي الدولي.
إلى ذلك، يبين المختص بالشأن الاقتصادي جعفر الناصري، خلال حديث له أن “هناك عدد من العوامل التي تمنع وصول الدولار إلى عتبة السعر الرسمي في صدارتها التهريب الذي لم يتم السيطرة عليه رغم الإجراءات التي اتخذت في سبيل الحد من الأزمة”.
ويشير الناصري، إلى أنه “رغم الحديث عن تمويل التجارة الخارجية بسعر البنك المركزي إلا أن الكثير من تلك المواد التي تصل إلى المحافظات تدخل عبر بوابات كردستان التي تضم أكثر من عشرين منفذا غير شرعيا، وهي خارج الحساب الرسمي، وبالتالي فإنها تدفع التاجر إلى السوق السوداء، فضلا عن دولار المسافرين الذي لم يصل بحل للمشكلة لتحقيق انخفاض مقبول يصل إلى حد مقارب للعتبة الرسمية”.
وينصح المختص بـ”إجراء مراقبة شديدة لحركة الورقة الخضراء في السوق المحلية ومعرفة الحاجة الحقيقية للتمويل التي يبيع إزاءها البنك ملايين الدولارات يوميا، لاستعادة المبادرة والحفاظ على العملة الوطنية من الإنهيار”.
يشار إلى أن البنك المركزي، قرر تمويل التجارة بعملة اليورو واليوان الصيني والدرهم الإماراتي والروبية الهندية، وذلك في خطوات للحد من الطلب على الدولار.