بالتوازي مع الأزمة الإقليمية التي تشهدها المنطقة بسبب أحداث الحرب على غزة، يواصل سعر صرف الدولار قفزات "ناعمة" في السوق المحلية، مشكّلا فارقا عن سعره الرسمي بأكثر من 35 ألف دينار عراقي لكل 100 دولار، لكن خبراء اقتصاديين استبعدوا تأثير الأزمة الإقليمية على سعر الدولار، لافتين إلى أسباب تتعلق بـ"حالة جديدة" من المضاربات، فضلا عن ابتلاع الدولار من قبل تجار المخدرات.
ويقول الخبير الاقتصادي، عبد الرحمن المشهداني، خلال حديث لـه، إن "الأزمة الإقليمية لم تؤثر في سعر الصرف، لأن الحدود ما زالت مفتوحة والتجارة تسير بشكل طبيعي ومباشر، لكن بيع البنك المركزي للدولار لا يغطي الحاجة الفعلية للسوق، حتى أن معظم كميات الأموال المخصصة للمسافرين تذهب لتغطية حاجة السوق الموازي".
ويضيف المشهداني، أن "العراق يبذل الدولار في تجارتين؛ الأولى هي التجارة مع الدول المعاقبة كإيران، التي تحتاج بشكل يومي إلى أكثر من 30 مليون دولار لتمويلها، وتعتمد هذه التجارة على السوق الموازي في تحصيل الدولار"، مشيرا إلى أن "هذا التبادل التجاري أساسي وضروري لمنتجات وسلع تحتاجها السوق العراقية، وليس ترفيا".
ويتابع أن "الحكومة لم تجد حلا، ولم تقنع الولايات المتحدة باستثناء التبادل التجاري مع إيران حتى إيجاد البديل، على الرغم من الصعوبة التي تكتنف تغيير التبادل التجاري إلى دولة أخرى، لأن الأمر يحتاج إلى علاقات دولية وتكاليف نقل وبعد المسافة والمخاطرة، لاسيما للسلع الطازجة كالخضراوات".
ويلفت الخبير الاقتصادي، إلى أن "التجارة الأخرى التي تساهم بسحب الدولار، هي المخدرات، لا سيما وأن القوات الأمنية تتحدّث عن المتاجرة بأطنان وليست كيلوغرامات، وهذه الكميات تتطلب ملايين الدولارات"، لافتا إلى أن "تجار المخدرات يمولون هذه التجارة بالدولار من السوق الموازي، وبمعدل سعر صرف عال، لأن هامش الربح متوفر على أي حال فبضاعتهم رائجة بأي سعر يتم بيعها، لاسيما وأن التقارير تشير إلى أن أسعار المخدرات في العراق هي أقل قيمة من باقي الدول".
وعن إمكانية التبادل التجاري بالعملات المحلية، يستبعد المشهداني، تحقق ذلك، لأن "التاجر الإيراني يفضل الدولار، إضافة إلى أن التومان الإيراني على الرغم من وجوده في الأماكن المقدسة، لكنه بكميات محدودة كونه عملة معرضة للانخفاض باستمرار".
ويكمل أن "الطلب يرتفع على العملة متى ما كانت مستقرة، مثل الدينار الأردني، أو الكويتي أو الدرهم الإماراتي والريال السعودي، على عكس عملات تركيا وإيران ومصر مثلا"، مشيرا إلى أن "التعامل بالعملات المحلية ينجح في حال كان التبادل التجاري متكافئا وفق نظام المقاصة، لكن حتى الآن العراق يصدر بنصف مليار إلى إيران ويستورد بـ10 مليارات دولار".
ويرى أن "الحل بتوسيع الاتفاق على بيع النفط الأسود إلى إيران مقابل استيراد الغاز أو استخدام ذلك بتجارة القطاع الخاص، فالمصافي الإيرانية عاجزة عن توفير النفط الأسود بسبب انشغالها بمنتجات أخرى، فيما يمتلك العراق هذا المورد بشكل كبير".
وارتفعت، أمس الاثنين، أسعار الدولار في بغداد بشكل كبير مع الإغلاق، إذ وصلت مع إغلاق بورصتي الكفاح والحارثية إلى 166800 دينار مقابل 100 دولار، فيما كانت الأسعار في الصباح 164250 ديناراً مقابل 100 دولار، وبلغ سعر البيع في محال الصيرفة في بغداد 167750 دينارا عراقيا مقابل 100 دولار، بينما بلغ الشراء 165750 دينارا مقابل 100 دولار.
وكان رئيس الحكومة محمد شياع السوداني بحث مع وزير الصناعة والمناجم والتجارة الإيراني، الأسبوع الماضي، إمكانية الاتجاه إلى استخدام العملات الوطنية للبلدين في التبادل التجاري، والتحويلات المالية الثنائية "من أجل المزيد من المرونة في التعامل" في ظل العقوبات الاقتصادية على إيران التي تسعى للتخفيف من تأثيرها عبر العراق.
من جهته، يرجع الخبير الاقتصادي نبيل جبار القفزات الأخيرة للدولار إلى المضاربات التي تحدث في السوق، ويؤكد خلال حديث لـه "ثمة حالة من المضاربة التمسناها مؤخرا، وهي أن هناك من يتعمد رفع سعر الصرف ويقوم بالتخفيض بشكل سريع ليكسب نوعا من الربحية".
ويؤشر التميمي أن "هذه المضاربات تؤدي إلى صعود ناعم للدولار، لاسيما أن أسباب الارتفاع مشكلة مازالت قائمة، وليس هناك حل"، لافتا إلى أن "هذا الصعود لا يتعلق بالأزمة السياسية والأمنية الإقليمية".
وعن فكرة التبادل بالعملات المحلية في الاستيراد، يذكر أن "هذا الحل غير واقعي من الناحية العملية، فإيران مثلا لا تحتاج العملة العراقية ولا العراقيون يحتاجون إلى العملة الإيرانية، فهذه العملات ذات تداول محدود داخل البلدان فقط، ولا تحقق نتيجة".
وكان مجلس الوزراء، قد صادق في 7 شباط فبراير 2023، على قرار مجلس إدارة البنك المركزي بتعديل سعر صرف الدولار مقابل الدينار، ليكون السعر: 1300 دينار للدولار الواحد.
وكشفت تقارير سابقة عن تهريب العملة واستمرارها، على الرغم من الضوابط على المصارف، ويتم عبر حقائب تنقل براً إلى تركيا وإيران، بعد سحب الدولار من السوق المحلية وليس عبر نافذة بيع الدولار الرسمية، وأطلق عليها متخصصون آنذاك بـ"الحوالات السود".
ومنذ أشهر، تدخلت واشنطن للحد من تهريب الدولار من العراق، ما أدى إلى ارتفاع سعر الدولار في السوق المحلية لمستوى قياسي بلغ 170 ألف دينار لكل 100 دولار، بسبب تراجع مبيعات البنك المركزي من الدولار، نظرا لخضوعه لنظام "سويفت" المالي الدولي.
وقد أصدر البنك المركزي 3 حزم إجراءات للسيطرة على بيع الدولار وضمان عدم تهريبه إلى الخارج، وقلل في بداية الأزمة من مبيعات مزاد العملة، ومن ثم عاود مؤخرا الارتفاع لمستواه السابق والبالغ نحو 300 مليون دولار يوميا.
وكان محافظ البنك المركزي العراقي علي العلاق، أكد الشهر الماضي السبت، إن المبيعات اليومية للبنك من الدولار في مزاد بيع العملة تبلغ قرابة 200 مليون دولار وذلك من أجل الحفاظ على استقرار سعر الصرف في السوق.