بعد أيام من الشد والجذب، جاء رد إيران أخيرا على الاستهداف الإسرائيلي لقنصليتها في دمشق، في ساعة متأخرة من ليلة أمس السبت، وتوقفت على إثره حركة الملاحة الجوية في العراق وعدد من دول المنطقة.
وأثار هذا التطور قلقا كبيرا من توسع رقعة الحرب ودخول الفصائل العراقية المسلحة الموالية لإيران فيها، وفيما وصف مراقبون الرد بأنه “لحفظ ماء الوجه”، لم يستبعدوا دخول فصائل “المقاومة” في أي ردود محتملة في المستقبل، فيما أكد مقرب من الفصائل أن نتائج زيارة رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، ستكون هي الفيصل بين التصعيد أو الهدوء.
ويقول رئيس مركز التفكير السياسي، إحسان الشمري، خلال حديث لـه، إن “هذه الضربة كانت واردة ومتوقعة خاصة بعد الرسائل التي حدثت بين أكثر من جهة والتدخل بوساطات بهذا الخصوص من قبل السعودية وغيرها لخفض التصعيد، وأخيرا جاءت الضربة لحفظ ماء الوجه بعد تعرُّض القنصلية الإيرانية في سوريا إلى هجوم عنيف”.
ويضيف الشمري، أن “إيران لديها حسابات في أكثر من اتجاه، والتأخر في هذا الرد يؤشر على أنها لم تكن لديها خارطة لعمليات الرد أو الهجومات التي يمكن أن تطالها، كما كان يتوقع أيضا أن تكون الضربة في أكثر من جغرافية في العراق أو سوريا أو حتى في البحر الأحمر، لكن دون وقوع ضحايا كما متفق”.
وعن مستقبل هذه الضربة وتأثيرها على العراق، لا يستبعد الشمري، أن “يكون العراق جزءا من العمليات، خصوصا من قبل الفصائل المسلحة”، متوقعا “بدء عمليات القصف المتبادل بين القوات الأمريكية والفصائل العراقية بعد انتهاء زيارة السوداني إلى البيت الأبيض، الذي لن يحصل بدوره على وعد بانسحاب القوات الأمريكية، وهذا ما سيخلق دافعا مشتركا لتلك الفصائل من أجل الرد على الاعتداءات الإسرائيلية أولا، ومن ثم الضغط على القوات الأمريكية في العراق”.
وشنت إيران الليلة الماضية أول هجوم مباشر على إسرائيل باستخدام عشرات الطائرات المسيرة وصواريخ كروز، وذلك بعد مقتل قائد كبير في الحرس الثوري في هجوم إسرائيلي استهدف مجمع السفارة الإيرانية في دمشق الأسبوع الماضي.
وأكدت إيران أن نصف الصواريخ التي أطلقت باتجاه إسرائيل خلال الليلة الماضية أصابت أهدافها بنجاح، فيما أعلن الجيش الإسرائيلي اعتراض 99 بالمئة من الطائرات المسيّرة والصواريخ التي كانت تستهدف إسرائيل.
وتسببت هذه التطوّرات، بحذر أمني في العراق بعدما شوهدت الصواريخ والطائرات الإيرانية في سماء بعض المحافظات ليلة أمس، وتوقفت حركة الملاحة الجوية في مطارات البلاد، قبل أن تعلن سلطة الطيران اليوم الأحد، عن استئناف رحلاتها المباشرة، بعد إعادة فتح الأجواء العراقية “أمام جميع الطائرات، القادمة والمغادرة والعابرة لأجواء البلاد من قبل سلطة الطيران المدني”.
وعلى عكس أغلب التوقعات، جاء الرد الإيراني من الأراضي الإيرانية بعيدا عن جغرافيات أقرب إلى إسرائيل تمتلك إيران نفوذا فيها.
ويرجع ذلك، المحلل السياسي المقرب من فصائل “المقاومة” العراقية، علي فضل الله، خلال حديث لـه، إلى أن “إيران لديها اتزان بموضوع التعامل مع الاعتداءات، وهي تعمل بتوازن عالٍ ولا تذهب إلى الاستنزاف الذي يراد أن تجر له، لذلك عندما تستهدف القنصلية الإيرانية في سوريا يجب أن يكون الرد مباشرا من قبل الجمهورية الإسلامية وليس من قبل أذرع محور المقاومة، لكن هذا لا يمنع مشاركة وإسناد أذرع المقاومة في العراق أو سوريا واليمن أو حتى فلسطين”.
وعن مدى مشاركة المقاومة العراقية في هذا السجال، يعتقد فضل الله، أن “الجانب الأمريكي بدأ يستفز محور المقاومة بتصريحات عن عدم مغادرة العراق، وهذا الموضوع بحد ذاته قد يغير المعادلة”.
ويتوقع فضل الله، أن “تكون زيارة السوداني إلى واشنطن الفيصل في الأمر، فإذا كانت مثمرة في قضية جدولة الانسحاب الأمريكي، فسيكون هناك هدوء، لأن فصائل المقاومة تراعي المصالح الوطنية في هذا الجانب، أما إذا كان غير ذلك فالوضع سوف يذهب للتصعيد”.
ووصل السوداني إلى واشنطن أمس السبت، على رأس وفد كبير من المتوقع أن يبقى أسبوعا، ليناقش تحويل المهمة العسكرية للقوات الأمريكية، في إطار التحالف الدولي، إلى “شراكة أمنية” مع واشنطن تشمل التسليح والتدريب، كما ستكون ملفات على الطاولة، قبل أن يحدث تغيير طفيف على جدول الأعمال، إذ من المتوقع جدا أن سيناقش السوداني الرد الإيراني على قصف قنصلية طهران في المزة.
وكانت الفصائل العراقية، وعدت، يوم الجمعة، برد مباشر ضد أمريكا في حال أقدمت على أي عمل عسكري في العراق أو “دول المحور”، رافضة في الوقت نفسه إضفاء الشرعية على تواجد القوات الأمريكية تحت أي مسمى آخر.
من جهته، يعتقد المحلل السياسي فلاح المشعل، خلال حديث لـه، أن “أي تدخل من قبل الفصائل العراقية المسلحة سوف يحمل العراق عقوبات شديدة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، ناهيك عن الرد العسكري الإسرائيلي الأمريكي فهناك عقوبات اقتصادية ومالية سوف تفرض على العراق”.
ويضيف المشعل، أن “استخدام الأراضي العراقية في الردّ على إسرائيل كان سيكبد الفصائل خسائر كبيرة، وربما هي تنتظر الآن ماذا يترشح عن زيارة السوداني لأمريكا قبل الدخول في أي سجال”.
وفي إطار الحرب الدائرة في غزة، كانت الفصائل العراقية أعلنت لأكثر من مرة قصف مدينة إيلات الإسرائيلية، وفي 28 كانون الأول ديسمبر، العام الماضي تبنى فصيل عراقي، عملية استهداف مركز “تجسس فني” جنوب مستوطنة “إيلي-عاد” الإسرائيلية جنوبي الجولان، وكانت وسائل إعلام إسرائيلية قد أشارت إلى سقوط طائرة مسيرة مفخخة، في الوقت نفسه، في هضبة الجولان، قالت إنها “انطلقت من سوريا”، كما أعلنت الفصائل في اليوم نفسه تنفيذ هجوم على مستوطنة إلياد في إسرائيل.