يبدو أن ردّ فعل المجتمع على العنف والحروب بدأ بالظهور والتطور سريعاً، فلم يجد المجتمع أفضل من الورد الطبيعي ليواجه به كل الأزمات التي عايشها طوال عقود، لتتحول متاجر بيع الورد إلى جزء من الثقافة العامة، في خطوة اعتبرت الرد الأمثل على الفترات العصيبة التي واجهتها البلاد، وإعلان المجتمع من خلالها الرفض لكل ما يعكر صفو الحياة.
وكانت العاصمة بغداد، في تسعينيات القرن الماضي، تفتقر إلى متاجر الورد، باستثناء اثنين أو ثلاثة تنتشر على جانبي الكرخ والرصافة منها، ولعل أشهرها في ساحة كهرمانة في منطقة الكرادة وسط العاصمة.
وتزخر العاصمة بغداد، بنحو 300 متجر لبيع الورود الطبيعية، ناهيك عن صفحات مواقع التواصل الاجتماعي التي تبيع الورد عبر خدمة التوصيل، والتي تقدر بالمئات أيضا، الأمر الذي عزته الباحثة الاجتماعية هند فائز، إلى أن "المواطن يحاول الخروج من العنف والأزمات السياسية التي مر بها في العقود الماضية، وما يمر به حاليا من مشاكل، لذا فإن ازدهار تجارة الورد هي رد فعل واضح".
وتوضح فائز، أن "انتشار متاجر بيع الورد الطبيعي في عموم العراق، بات أمرا ملموسا وواضحا، وفيما يعتبر رد فعل عكسي على الأزمات، يجب أن نشير إلى أن المواطن العراقي بطبيعته عاطفي"، مبينة أن "لغة الزهور مفهومة بكل الأبجديات، ولا تحتاج إلى ترجمة، فهي تتبع الإحساس والمشاعر الإنسانية".
ومنذ سنوات، بدأت تزدهر ظاهرة تقديم باقات الورد الطبيعي، في أغلب المناسبات الاجتماعية، فضلا عن توجه الشباب لشراء باقات لتقديمها إلى من يحبون، بعد أن كانت باقة الورد الطبيعي، من الأمور النادرة في المجتمع، لأسباب كثيرة، أبرزها ارتفاع أثمانها، وازدياد حاجة المواطنين للمواد الأساسية من غذاء ودواء وحاجات منزلية، خصوصا في تسعينيات القرن الماضي الذي شهد عقوبات دولية صارمة على خلفية اجتياح الجيش العراقي للكويت عام 1990.
يذكر أن الوضع الاقتصادي شهد تحسنا كبيرا في العراق، وذلك من ناحية دخل الفرد الشهري، بسبب تعدد الأعمال وارتفاع قيمة الرواتب وكثرة التعيينات، وهو ما بات واضحا من خلال ارتفاع القيمة الشرائية وانتشار مراكز التسوق والمطاعم.
وبالتوجه لمتجر ورد في منطقة القادسية ببغداد، يؤكد صاحب المتجر علي الشمري (52 عاما)، أن "السنوات الأخيرة شهدت انتشار ظاهرة بيع الورد بشكل كبير".
ويتابع الشمري، أن "الورد الذي يصل العراق، مصدره بلدان متعددة مثل الأردن وبلجيكا وهولندا وأفريقيا ولبنان وتركيا"، مبينا أن "الأسعار مختلفة، فحسب مصدر الورد وحسب المناسبة، كما أن الأسعار ليست ثابتة حيث تتعرض لارتفاع وانخفاض بشكل مستمر".
ويؤكد، أن "متاجر الورد في بغداد فقط تجاوزت الـ300 متجر، وذلك بعيدا عن الصفحات بوسائل التواصل التي تعتمد في عملها على التوصيل فقط".
وشهد البلد طيلة العقود الماضية، الكثير من الأزمات، بدأت بحرب الثماني سنوات في الثمانينيات وصولا إلى الحصار الاقتصادي، الذي انهى كافة المظاهر المدنية، وبعد العام 2003 دخل العراق مراحل عديدة بدأت بالحروب الأهلية والنزاعات ومن ثم التنظيمات الإرهابية وصولا إلى داعش.
ويعيش العراق الآن حالة استقرار أمني الآن، هي الأفضل منذ سنوات، ألقت بآثارها على النشاطات الاجتماعية المدنية، وفسحت المجال أمام تنوع المتاجر وتخصصها، إذ افتتحت الكثير من المحال التي تعنى بالهدايا وتغليفها.
وخلال السنوات الخمس الماضية، بدأ يشهد وضع البلد تحسنا ملحوظا واستقرارا نسبيا، أدى إلى ارتفاع وتيرة الأنشطة الترفيهية، ومما رافقها هو العودة للورد الطبيعي.
جدير بالذكر، أن حدائق المنازل في بغداد، كانت تزخر بمختلف أنواع الورد، وخاصة الورد جوري العراقي، لكن بعد 2003 وفي ظل التوجه إلى تقاسيم المنازل إلى قطع أراض صغيرة وبيعها، فقدت أغلب المنازل حدائقها.
إلى ذلك، يكشف محمد صاحب (43 عاما)، وهو صاحب شركة توزيع للورد الطبيعي، أن "عدد الموزعين للورد في بغداد قليل جدا، حيث تقتصر المهنة على من لديه تاريخ قديم فيها".
ويبين صاحب، أن "استيراد الورد يكون من جهات متعددة، وأبرزها الدولة الأفريقية كينيا، ومن ثم إيران وأيضا الورد الهولندي المعروف عالميا، لكن الورد الكيني يتصدر الاستيراد في العراق"، موضحا أن "الأسعار غير ثابتة وتتأثر بالمناسبات وأسعار صرف الدولار، فضلا عن أسعار الشحن الجوي".
يشار إلى أن حملات كثيرة تطلق بين فترة وأخرى، لمطالبة أصحاب المنازل الذين يمتلكون حدائق كبيرة، بالعودة إلى زراعتها بالأشجار أو الورود في خطوة لتنقية الأجواء بعد أن تم فقدان المساحات الخضراء بسبب الجفاف والتجريف.
فيما يؤكد سعيد قاسم (39 عاما)، وهو صاحب متجر جملة للورد في بغداد، أن "عدد الموزعين في بغداد لا يتجاوز الـ7، وهو عدد قليل مقارنة بعدد المتاجر الكبير".
ويلفت أن "الأسعار التقريبية للورد الطبيعي مختلفة، حيث يبدأ سعر الباقة من 15 ألف دينار وصولا إلى 25 ألفا، وهذه تكون مع التغليف والأوراق الخضراء"، مبينا أن "المتاجر تنشتر حاليا في مناطق زيونة وشارع فلسطين والكرادة في جانب الرصافة واليرموك في الكرخ، بالإضافة إلى المناطق الأخرى، لكن هذه المناطق صاحبة الحصة الأكبر من متاجر الورد".