على كرسي متحرك، تصطحب سارة محمود (29 عاما)، والدتها، إلى مركز معالجة أورام السرطان في بعقوبة مركز محافظة ديالى، لتجد العشرات من المرافقين لذويهم، ممن أنهكهم هذا المرض الفتاك.
وتقول محمود، خلال حديث لـه إن كثرة المراجعات إلى المركز، شكّل حلقات من التواصل مع ذوي المصابين، الذين تتشابه قصصهم في المعاناة والألم".
تسكن محمود في منطقة المفرق غربي بعقوبة، والتي سجلت 34 إصابة بالسرطان، ضمنها والدتها وخالها الذي فارق الحياة قبل شهر من الآن، بعد إصابته بالمرض ذاته.
وبحسب إحصائية لوزارة الصحة أعلنتها العام الماضي، فإن أكثر من 30 ألف مصاب بالسرطان يتلقون العلاج حاليا في البلاد، فيما أعربت الوزارة عن قلقها إزاء التأخر في الكشف عن الإصابة بالمرض الخطير.
ويعاني مرضى السرطان في العراق، (57 بالمئة منهم نساء)، من نقص كبير في الأجهزة والأدوية والخدمات الطبية والمراكز التخصصية لعلاجهم ويشكون الإهمال الحكومي.
وتتابع محمود أن والدتها المصابة بسرطان الثدي، "لم تفقد الأمل في الحياة، وهي تحارب هذا المرض الذي فتك بجسدها بشجاعة، لكن ما يخيب أملها نقص الخدمات الطبية والعلاجات".
ويعد السرطان أحد مسببات الوفيات العشر الأولى في العراق، وكذلك في الشرق الأوسط، بحسب متحدث وزارة الصحة سيف البدر، الذي أكد في تصريح سابق، أن السرطان مشكلة عالمية، ونسب الإصابة به في العراق دون 80 حالة لكل 100 ألف عراقي في العام الواحد، وهي ضمن المعدل العالمي، لكنه يشير إلى أن أكثر الحالات تكتشف متأخرة من المرحلة الثالثة والرابعة من المرض بعد أن يكون قد انتشر إلى أعضاء الجسم ويكون علاجه أكثر صعوبة وتعقيدا.
حيّ المفرق، الذي تسكنه إسراء ووالدتها، لم يدخله هذا المرض الفتاك جزافا، إذ ساهمت "ترددات عالية" من أبراج الاتصالات في سرطنة الأجواء هناك، إضافة إلى أسباب أخرى.
تحايل على القانون، طريقة اتبعتها إحدى شركات الاتصالات العاملة في بعقوبة، إذ استحصلت الموافقات الرسمية لإنشاء محطة ثانوية للاتصالات في حي المفرق إلا أنها حولتها إلى محطة رئيسية، ما تسبب في تسجيل إصابات بالسرطان، للساكنين بالقرب من البرج.
إلى ذلك، يوضح قائممقام قضاء بعقوبة عبدالله الحيالي، خلال حديث لـه إن "المخاطبات الرسمية مع بيئة ديالى أثبتت قيام شركة الاتصالات بإضافة أطباق، بترددات عالية، خارج ما مسموح العمل به داخل المدن، ما تسبب بإلحاق الضرر الصحي، للساكنين بالقرب من هذه الأطباق".
ويضيف الحيالي، أن "هذه المخاطبات أفضت إلى صدور توجيه ألزم الشركة بتفكيك البرج، ونقله إلى خارج مركز المدينة".
ويتابع أن "مشكلة برج الاتصالات، هي واحدة من مشاكل كثيرة تسببت بارتفاع أعداد الإصابات بالسرطان، فالتلوث البيئي وعدم اتباع الطرق النظامية في حرق وطمر النفايات، والأغذية المعلبة مجهولة المصدر، عوامل أخرى تتسبب بالإصابة بمرض السرطان".
وعلى الرغم من عدم وجود تقارير علمية مؤكدة تثبت العلاقة بين حالات السرطان وأبراج الاتصال، فإن الحكومة قررت عام 2019 إلزام شركات الاتصال بعدم نصب أي أبراج لشبكاتها داخل الأحياء السكنية، غير أن كثيراً من الشركات تحايلت على القرار، في سبيل المنافسة بينها على تقوية بثها داخل المدن.
وكانت محافظة ديالى شهدت احتجاجات شعبية متكررة، مطالبة بإخراج أبراج شركات الاتصالات من داخل المناطق السكنية، حيث يعزو السكان ارتفاع حالات الإصابة بالسرطان إلى تلك الأبراج التي يقولون إنها قريبة جداً من منازلهم.
فاضل الأوسي ذو الـ61 عاما، اكتشف إصابته بمرض السرطان قبل عام واحد، ويؤكد خلال حديث لـه أن "المشكلة في رحلة العلاج، تكمن في عدم توفر مراكز في الأقضية التابعة لمحافظة ديالى، ما يتسبب بتكدس المرضى في المركز الوحيد، وانتظار المرضى لساعات قبل حصولهم على جرعهم من العلاج الكيمياوي".
ويضيف أن "العلاج يتطلب مكملات أخرى تتعلق بالمناعة وغيرها، غالبا ما نجبر على شرائها من الصيدليات الخارجية بأسعار مرتفعة جدا"، لافتا إلى أن "الحالة المادية لا تسمح بشراء هذه الأدوية أحيانا ونقوم بإهمالها بين مرة وأخرى".
وبين مدة وأخرى، ينظم ناشطون وقفات احتجاجية من أجل الإسراع بإنهاء معاناة مرضى السرطان على خلفية ارتفاع أعداد الإصابات، وعرقلة نصب جهاز المعجل الخطي الذي وعد به العديد من المسؤولين منذ أعوام.
4 آلاف مصاب، مسجل رسميا في مركز معالجة أورام السرطان في بعقوبة، عدد يقف أمامه مدير المركز حامد التميمي في حيرة، لاسيما مع عدم توفر أغلب العلاجات اللازمة لمعالجة هذا المرض الفتاك.
ويقول التميمي، خلال حديث لـه، إن "أعداد المراجعين إلى المركز يزداد بشكل يومي، ومن أجل ضمان حصولهم على العلاج، يتطلب الأمر تخصيص ميزانيات ضخمة".
ويؤكد التميمي، أن "وزارة الصحة ترفد المركز بالعلاجات، إلا أنها لا تكفي لتغطية هذا العدد، فالأمر يحتاج إلى اهتمام أكبر"، لافتا إلى أن "العمل يجري على قدم وساق لخدمة هؤلاء المرضى، لكن نحتاج إلى الكثير".
وكان رئيس منظمة "صحيح"، محمد رويد الذهبي، الذي يقيم في ديالى، أكد في تصريح سابق أن "المحافظة تفتقر لأي جهاز لعلاج أو تحليل مرضى السرطان وهناك مركز للأمراض السرطانية به عشرة أسرّة فقط ولا يوجد به تحليل PCR ولا جهاز الـPET SCAN أو جهاز إشعاع، ولدينا ثماني إلى تسع حالات داخل المنظمة من محافظة ديالى يتلقون علاجهم في بغداد".
وترتفع كلفة العلاج داخل المستشفيات الحكومية على قلتها، ويلجأ كثير من المصابين إلى السفر للعلاج في الهند وتركيا والأردن وإيران، بسبب توفر مراكز حديثة لعلاج المرض ورخص الأسعار نسبياً مقارنة مع العراق.
وكانت وزارة البيئة، قد أفادت بوجود ما يقرب من 300 موقع ملوث في عموم العراق، من بينها 63 موقعا عسكرياً في بغداد والموصل وعدد من المحافظات الجنوبية، اعتبرت التلوث البيئي والإشعاعي وتلوث المياه والحروب، من أبرز الأسباب التي تؤدي إلى الزيادة بأعداد مرضى السرطان.