تعود السفارات في العراق مرة أخرى إلى الواجهة، ففي خضم التصعيد الذي تشهده المنطقة بسبب حرب إسرائيل على غزة، ينكب السياسيون في العراق على تسجيل موقف من الأزمة، وكانت هذه المرة بجمع أحد النواب تواقيع على طرد السفيرة الأمريكية من بغداد، "احتجاجا على دعم واشنطن لتل أبيب"، غير أن مراقبين وقانونيين أكدوا على عدم إمكانية طرد السفيرة الأمريكية، كون قرار البرلمان غير ملزم للحكومة، فيما أكدوا أن هذه التواقيع تهدف لإحراج نواب الإطار التنسيقي وحشرهم في "زاوية ضيقة" لا أكثر.
ويقول المحلل السياسي ماهر جودة، خلال حديث لـه يتبنى البرلمان إخراج القوات الأمريكية، فعلى الرغم من إتمام التصويت لكن القرار لم ينفذ، إذ أن هناك مصالح مشتركة واتفاقية استراتيجية بين الحكومتين العراقية والأمريكية جرى توقيعها في 2011".
ويضيف جودة: "في حال طرد السفيرة الأمريكية، فإن كل السفارات بما فيها المجموعة الأوروبية ستخرج من العراق وتتحول البلاد إلى صحراء دبلوماسية، فكيف يتعامل العراق مع المجتمع الدولي، والأهم كيف يستحصل أمواله الموجودة في البنوك الأمريكية".
ويتابع أن "السفارات قنوات دبلوماسية وليست ساحات معارك عسكرية، وفي كل دول العالم عندما تحدث حروب تبقى السفارات موجودة، والمشكلة الحالية مع إسرائيل وحلفائها بعيدا عن السفارات، لذلك لا اعتقد أن هذا الأمر يحدث إنما مجرد استعراض إعلامي لأن القرار حكومي بحت".
ويؤكد أن "العلاقة بين واشنطن وبغداد مازالت قوية، والجهات الحاملة للسلاح ماتزال شريكة في العملية السياسية، واعتقد أن النائب علاء الركابي أراد أن يحرج نواب الإطار بهذه الخطوة ويحشرهم في زاوية ضيقة لا أكثر، لكنه سيحشر نفسه بعد أن تناقصت شعبيته".
وكان النائب علاء الركابي، قدم، أمس الخميس، طلباً إلى رئاسة البرلمان، مع تواقيع لأعضاء في مجلس النواب، بإبلاغ السفيرة الأميركية في العراق مغادرة البلاد، لأنها "شخصية غير مرحب بها"، احتجاجاً على "الجرائم البشعة التي يرتكبها الكيان الصهيوني في غزة"، وفقاً لكتاب وزعه مكتب النائب على وسائل الإعلام.
يشار إلى أن السفارة الأمريكية، أعلنت في تشرين الأول أكتوبر 2020، بعد أن ارتفاع حدة الاستهدافات لها، نيتها غلق سفارتها في بغداد وسحب كافة قواتها، والتعامل بصورة مباشرة مع الجهات التي تستهدفها، الأمر الذي دفع 25 بعثة دبلوماسية إلى التلميح بالانسحاب من العراق في حال غلق السفارة الأمريكية.
قانونيا، يوضح الخبير عدنان الشريفي، خلال حديث لـه، أن "البرلمان سلطة تشريعية معنية بإصدار القوانين لا القرارات، وطرد السفراء هو قرار تابع للحكومة وليس للبرلمان، والتصويت في البرلمان على طرد أي سفير هو قرار غير ملزم للحكومة، وهي مخيرة للمضي به أو عدمه".
ويضيف الشريفي أن "البرلمان ينقصه الوعي القانوني في هذا الجانب، فلو أراد طرد سفير عليه تشريع قانون لإلزام الحكومة بطرد سفير أي دولة تدعم إسرائيل، فالتشريعات هي فقط ما تكون ملزمة بالتنفيذ وليس القرارات"، لافتا إلى أن "العراق عملياً غير قادر على طرد السفيرة الأمريكية لأن الأموال العراقية مازالت تحت حماية البنك الفيدرالي الأمريكي".
من جهته، يشرح خبير قانوني آخر وهو علي التميمي، خلال حديث لـه، الإجراءات القانونية لغلق السفارات بأن "اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية عام 1961 أوضحت أن السفير عندما يبدي تصرفا يخالف قانون الدولة التي هو فيها يتم الإعلان بأنه شخص غير مرغوب فيه ويتم تبليغه وفق المادة التاسعة من هذه الاتفاقية لأن أعماله منافية لقانون الدولة التي يقيم فيها أو أن توترا أصاب العلاقة بين الدولتين".
ويضيف التميمي: "يحق للعراق طرد السفيرة عند انتهاك المواد 41 و42 من اتفاقية فيينا، بعد إعلان السفير شخصا غير مرغوب فيه ويتم طرده مع الدبلوماسيين والفنيين وتغلق السفارة وفق المواد المذكورة، وهناك أمثلة دولية كما حصل لسفير النمسا سابقا لدى أمريكا إذ طردته الولايات المتحدة لأنه أخفى معلومات عن النازية، وكذلك فعل الاتحاد السوفيتي مع السفير الأمريكي بعد ربطه روسيا بالنازية".
وبحسب تقرير سابق يعتقد أن الخطوات التي انتهجتها الإدارة الأمريكية في التعامل مع العراق، تمثلت بتسليم الملف العراقي للسفيرة الأمريكية ألينا رومانسيكي، ما منح السفيرة "مرونةً" في التحرّك وإيصال رسائل للأطراف العراقية، بعيداً عن التعامل الرسمي الأمريكي، وفقا لمراقبين في الشأن السياسي.
ومنذ تكليف محمد شياع السوداني بتشكيل الحكومة في تشرين الأول أكتوبر الماضي، بدأت السفيرة الأمريكية ألينا رومانسيكي، اجتماعاتها مع السوداني، ثم استمرت بعد تشكيله الحكومة ونيله ثقة البرلمان، وكثفت من اجتماعاتها معه في الفترة الأولى بعد تسمنه منصبه.
وفي مجلس النواب، يكشف النائب أمير المعموري بشكل مقتضب، أن "كتابا صدر من أحد النواب عمم اليوم على أعضاء المجلس بطرد السفيرة الأمريكية، لكن حتى الآن لم يصل إلى أغلب النواب لأنه ليس هناك جلسة برلمانية".
ويضيف المعموري أن "هذه التواقيع لا يمكن الجزم بها إن كانت تتم أو لا، كما لا يمكن الجزم بأن القرار سينفذ من قبل الحكومة لو اكتملت التواقيع واتفقت على طرد السفيرة الأمريكية".
وغالبا ما كانت سفارات الدول في بغداد متنفسا للغضب العراقي حول أي حدث، ومنذ 2003 أصبحت مقرّات البعثات الأجنبية مركزا لردات الفعل الغاضبة، سواء كانت شعبية أو حزبية على أي حدث يستفزها.
وتنوّعت ردات الفعل بين الهجوم بالكاتيوشا أو اقتحام المباني وإحراقها، وأثارت بدورها امتعاضا دوليا، وقلقا من عودة العراق إلى عزلة دولية أخرى بعد وقت قصير من الانفتاح على العالم، وهو ما حذر منه مراقبون، لافتين إلى أن عدم ضبط العواطف قد ينسف الجهود الدبلوماسية للبلاد.
وكانت السفارة الأمريكية، إحدى أهم أهداف هذه الاعتداءات المتكررة، إذ سقطت على محيطها مئات الصواريخ، وتحشّد على أسوارها آلاف المحتجين الغاضبين، وجرت محاولات اقتحامها مرات عديدة، إلى حد كاد أن يتسبب بإغلاقها والتعامل مع المحتجين كـ"أهداف مباشرة".
وشهد العام 2021، ذروة الصراع بين الفصائل المسلحة والولايات المتحدة، حيث جرى استهداف أغلب المصالح الأمريكية وأرتال الدعم اللوجستي بعبوات ناسفة، ومن ثم تطور الأمر إلى استخدام طائرات مسيرة، وفي ذلك العام استهدفت واشنطن العديد من المواقع التابعة للفصائل المسلحة ولأكثر من مرة، بضربات صاروخية أوقعت خسائر كبيرة.
وقد أعدت تقارير سياسية، إحصائيات سابقا، بشأن الفصائل الوهمية التي تتبنى استهداف القوات الأمريكية، وعدد عملياتها عبر سلسلة تقارير، وكانت أبرزها في عام 2020، حيث جرى تشكيل 9 فصائل جديدة، تبنت تنفيذ 76 استهدافا، وللاطلاع على التفاصيل الدقيقة لتلك الفصائل وتواريخ عملياتها، يرجى الضغط على العنوان التالي: