مرة أخرى ترفع الأمطار، والتوقعات بهطولها، منسوب الأمل للعراقيين بعد أربعة مواسم شحيحة تركت الأراضي عرضة للتصحر والجفاف، لاسيما مع انخفاض مناسيب نهري دجلة والفرات، وفيما تؤكد وزارة الموارد المائية أن الأمطار التي تهطل شمال سامراء ستدخل الخزين المائي، تكشف عن نية لبناء سدود وخزانات لحصادها، لكن خبراء استبعدوا أن تعوض هذه المياه شيئا من الخزين المفقود، لافتين إلى أن الأمطار ستقتصر على توفير ريات للأراضي الزراعية فحسب.
ويقول المتحدث الرسمي لوزارة الموارد المائية خالد شمال، خلال حديث لـه، إن "الموسم الحالي 2023- 2024 من المتوقع أن يكون واعداً ورطباً، ونأمل تكون الأشهر المقبلة غزيرة في الأمطار، لتعزيز الخزين المائي وكذلك تغذية الأنهار، فكلما كانت وفيرة ستترك انعكاساتها على المساحات الزراعية والأهوار وبيئة شط العرب والغطاء النباتي".
ويضيف شمال أن "الوزارة معتادة سنويا على تشكيل خلايا أزمة مرتبطة بإدارة الفيضان ومياه الأمطار، وقد أخذت على عاتقها صيانة وتأهيل منشآت التوزيع والسيطرة والبنى التحتية للسدود والمنشآت الخزنية"، لافتا إلى أن "تأثير الأمطار يعتمد على مكان هطولها وشدتها وفترة سقوطها، فكل الأمطار التي تقع شمال سدة سامراء تكون مفيدة ومؤثرة إذ يمكن التعامل معها وخزنها ابتداء من سد الموصل وصولا إلى بحيرتي الثرثار والحبانية".
أما الأمطار جنوب سدة سامراء، يشير متحدث الوزارة إلى أنها "ستحقق ريات للأراضي الزراعية أو يتم توجيهها إلى الأنهر للاستفادة منها وقد تغذي الأهوار".
ويتابع شمال أن "الوزارة وضعت ضمن خططها تنفيذ 26 سداً لحصاد المياه في المحافظات كافة ابتداءً بكردستان ومحافظات الموصل والأنبار وكربلاء والنجف والسماوة وديالى وواسط وحتى في ميسان، لكن هناك3 سدود ابتداء ضمن خطة 2023 سيتم تنفيذها حال إكمال التصاميم الخاصة بها ضمن التخصيصات المالية لعام 2023".
وعن الوضع المائي الحالي، يشير إلى أن "العراق لا يستلم الآن إلا أقل من 40 بالمئة من حصته المائية بسبب المشاريع الكبرى التي نفذت على أنهر دجلة والفرات والروافد المرتبطة بهما من قبل دول الجوار، إذ يجب استغلال السياسة الخارجية للضغط في هذا الملف خصوصا أن رؤساء الجمهورية والوزراء جادون ويولونه أهمية خاصة، وهم من ذوي الاختصاص بملف المياه وكذلك الزراعة".
ويخلص إلى أن "العراق يشكو من فراغ خزني كبير يزيد على 100 مليار متر مكعب سواء في البحيرات الصناعية أو البحيرات الطبيعية كالثرثار والحبانية والرزازة وكذلك هناك الأهوار التي تعاني من الجفاف وتحتاج إلى إيرادات مائية كبيرة، بفعل الجفاف في السنوات الماضية في سنوات الأربعة الشحيحة التي مرت بالعراق".
وتشير تقارير الأمم المتحدة عن البيئة في العراق، إلى أن البلاد تعد من بين الدول الخمس الأولى الأكثر تضرراً من التغييرات المناخية على مستوى العالم، وتأتي في المرتبة 39 بين الدول الأكثر إجهادا للمياه، مؤكدة أن العام 2022 كان ثاني أكثر المواسم جفافاً منذ 40 عاماً.
وفي آب أغسطس الماضي، توقع المتنبئ صادق العطية أن تشهد مناطق العراق كافة في بداية الموسم (تشرين أول وتشرين ثاني وكانون أول)، هطولا للأمطار سيكون أعلى من المعدل العام، وربما المناطق الغربية المتمثلة بالأنبار وجنوب غرب البلاد تكون في معدلاتها العامة، وسيكون الهطول أكبر في مدن شرق وشمال البلاد.
ويتوقع الخبير البيئي حمزة رمضان، خلال حديث لـه أن "الأمطار ستكون غزيرة هذه السنة وأفضل من سابقاتها لأن قاعدة النينو فعالة، وعسى أن تستغلها الوزارات المعنية، وكان يفترض أن تتحضر لها منذ بداية أيلول، وترسم خطة تتضمن تنظيف المجاري على المستوى الخدمي، وبناء سدود لحصاد هذه المياه لكن للأسف لم يجر هذا".
ويؤكد رمضان على "ضرورة الإعلان عن خلية الأزمة منذ فترة لأن الوزارة تعلم أن السنة ستكون وفيرة في الأمطار، وهذا متوقع، المفروض تعد الخطط وتوضح للرأي العام، وأن لا يتم الاعتماد على التوقعات القريبة".
وينفي رمضان "وجود أي تأثير للأمطار على الخزين المائي، لأن الأحواض والسدود تعتمد على المياه التي تأتي من خارج الحدود عن طريق الأنهر"، لافتا إلى أن "فائدتها ستشمل الزراعة والغطاء النباتي لاسيما في مناطق البادية والجزيرة التي ستتأثر إيجابا، كما يتوقع أن يكون إنتاج الشعير والحنطة جيدا، ومع هذا فالزراعة لا يجب أن تعتمد كليا عليها وأن توفر الري التكميلي متى ما انقطعت الأمطار".
وبحسب تقرير سابق، فإن متخصصين استبعدوا إمكانية حصاد مياه الأمطار لعدم وجود خطط إستراتيجية لهذه المشاريع، فيما طرحوا حلولا لخزن المياه في الأودية لاسيما التي تقبع غربي البلاد، بالإضافة إلى ضرورة إنشاء منخفضات اصطناعية.
وكان مدير عام الهيئة العامة للسدود والخزانات في وزارة الموارد المائية علي راضي كشف عن خطة أعدتها الوزارة ضمن موازنة 2023 لإنشاء سدود حصاد المياه لغرض الاستفادة من جميع الإيرادات المائية المتحققة وتغذية المياه الجوفية وتوفير المياه لسقي الحيوانات، وأن المباشرة بها ستتم بعد إعداد الدراسات والتصاميم للجزء الأكبر قريبا.
من جانبه، يشير الخبير البيئي والزراعي عادل المختار، خلال حديث لـه إلى أن "العراق يشهد اليوم أسوأ خزين في تاريخه، نتيجة سوء الإدارة وإهمال هذا الملف، إذ كان من المفترض أن يتم الاهتمام بالخزين المائي أكثر من الاهتمام بالزارعة كالحنطة التي يمكن تعويضها بالاستيراد".
ويضيف المختار: "حتى الآن الأمطار التي سقطت كمياتها قليلة بحسب الأنواء الجوية، ولكن نتأمل في قادم الأيام أن تكون غزيرة"، محذرا من أن "الأمطار حتى نهاية كانون الأول ديسمبر إذا لم تأت بغزارة سيكون الوضع خطيرا لأن العراق يخلو من أي خزين، وهذا مؤشر خطير".
ويتابع أن "هذه الأمطار تستدعي إعداد خطط وتفعيل الزراعات الذكية وتشغيل الطائرات والاهتمام بالتسويق والزراعة المغطاة، لكن حتى الآن نسير بالخطة والرتابة نفسها أيام الوفرة المائية ولا جديد يذكر، والوضع يتطلب سرعة إدخال منظومات الري الحديثة".
ويواجه العراق مصيرا كارثيا جراء شح المياه التي تراجعت كمياتها إلى مستوى ينذر باحتمال فقدان مياه الشرب، في ضوء انخفاض المخزون المائي الاستراتيجي إلى 7.5 مليارات متر مكعب للمرة الأولى بتاريخ البلاد، وفق ما أفادت به وزارة الموارد المائية في أيلول سبتمبر الماضي.
ويعود سبب انحسار مياه دجلة والفرات إلى "سياسات دول المنبع" التي قامت ببناء العديد من مشاريع السدود والاستصلاح الكبرى، دون التنسيق مع العراق الذي يعد دولة مصب، وذلك ما أثر على استحقاقاته التاريخية في النهرين اللذين تراجعت الإيرادات الواصلة لهما إلى أقل من 30 بالمئة من معدلاتها الطبيعية.