يتجه رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، نحو "معقل" السياسة الأوروبية ومفتاح مقبولية العراق دوليا، وهي فرنسا، التي تربطها بالعراق علاقات وطيدة، ففيما أكد مراقبون للشأن السياسي، أن هذه الزيارة قد تغير فكرة التصاق السوداني بإيران، وانعكاس ذلك إيجابا على توجه المجتمع الدولي نحو دعم بغداد، أو أنها ستحدد توجه السوداني في زيارته المرتقبة إلى واشنطن.
ويقول رئيس المركز العراقي للدراسات الإستراتيجية غازي فيصل، خلال حديث له إن "فرنسا تشكل قاعدة جوهرية للاتحاد الأوروبي سواء على صعيد الأموال والاستثمارات أو القدرات الاقتصادية والصناعية والزراعية وفي مجال البنى التحتية، ولهذا فأن زيارة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني لفرنسا محطة مهمة في العلاقات العراقية – الأوروبية وفي مبادئ تحقيق التوازن في السياسة الخارجية العراقية".
ويبين فيصل، أن "فرنسا بالنسبة للعراق دولة استراتيجية على صعيد العلاقات المختلفة، فهي تمتلك تاريخا طويلا في قضايا النفط والنقل وغيرها الكثير، إضافة لمشاريع الغاز والطاقة، كما لفرنسا دور مهم في مجال بناء القاعدة الصناعية للعراق، خصوصاً أن حكومة السوداني تسعى لإعادة تفعيل دور الصناعية العراقية بما يخدم تعظيم الموارد الاقتصادية، وفرنسا تمتلك هذه الخبرة".
ويتابع أن "لفرنسا دورا مهما في رعاية ودعم مؤتمر بغداد، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مهتم جداً بتشكيل تحالف استراتيجي مع العراق تؤدي فيه فرنسا دورا حيويا ومهما على صعيد قوات التحالف الدولي للحرب على الإرهاب، وكان لها مساهمة كبيرة في دعم العراق بحربه ضد داعش من خلال الدعم الاستخباراتي واللوجستي والتدريب، وهي ممكن لها أن تعلب دور مهم في مجال التسليح الجوي أو المدفعية أو الدروع وغيرها".
ويخلص رئيس المركز العراقي للدراسات الإستراتيجية إلى أن "فرنسا تبقى هدفا استراتيجيا حيويا للعراق من أجل تقوية العلاقات العراقية- الأوروبية وزيارة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني لفرنسا ستكون ذات نتائج إيجابية بناء على مستقل التنمية وتطوير الاستثمار وتعظيم الموارد".
ومن المفترض أن يتوجه رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، إلى فرنسا اليوم الخميس، في زيارة رسمية يلتقي خلالها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وبعض الشركات الفرنسية وأهمها "توتال".
وقد نشر السوداني، يوم أمس مقالا في صحيفة اللوموند الفرنسية، بين فيه "رغبة العراق في ترسيخ التعاون العسكري والأمني مع الجانب الفرنسي، والتي تتناغم مع هدفنا في رفع قدرات قواتنا الأمنية القتالية، وهي الآن تحقق تلك الغاية، ما يجعل العراق في غير حاجة لقوات قتالية اجنبية، بل قوات استشارية لسد احتياجات قواتنا من التدريب والتجهيز، وهذا يعني أننا بحاجة دائمة الى مراجعة العلاقة مع التحالف الدولي ورسم خارطة التعاون المستقبلي في ظل التطور الدائم في القدرات القتالية لقواتنا المسلحة".
وأكد أيضا أن "الشركات العملاقة مثل توتال اينرجيز والستوم مرحب بها للعمل في العراق في مجال الطاقة مثل استغلال الغاز المصاحب وحقن المياه في الآبار النفطية وتطوير إنتاج الطاقة المتجددة وأيضا مشروع ميترو بغداد المعلق لتخفيف التكدس المروري في العاصمة.
يشار إلى أن فرنسا تسعى إلى أخذ دور في العراق، على الصعيد الأمني والاقتصادي، وذلك تجسد بشكل كبير خلال الحكومة السابقة برئاسة مصطفى الكاظمي، حيث زار الرئيس الفنرسي إيمانويل ماكرون العراق أكثر من مرة، فضلا عن زيارة وزيرة الجيوش الفرنسية فلورانس بارلي إلى بغداد.
إلى ذلك، يؤكد الكاتب والصحفي المقيم في فيينا زياد السنجري، خلال حديث له، أهمية "زيارة السوداني لفرنسا، لأسباب كثيرة أهمها أن فرنسا تعتبر من الدول العظمى ولها نفوذ سياسي ليس فقط في الشرق الأوسط، وإنما في إفريقيا، كما تمتلك صوتا وقرارا مهما في الاتحاد الأوروبي، كما أنها من الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، ولذا فإن السوداني توجه لباريس كون الأخيرة تريد لعب دور اقتصادي وأمني محوري في الشرق الأوسط، وهي تجد العراق مفتاحا لهذه البوابة".
ويضيف السنجري، أن "فرنسا شاركت في الكثير من المبادرات، وبعضها حققت نجاحا كبيرا على المستوى السياسي، خصوصا خلال مؤتمر بغداد، وبعضها لم تنجح اقتصاديا كإعادة بناء مطار الموصل، ففرنسا اصطدمت بـفيتو إيراني، لكن التواصل ما بين حكومة السوداني وفرنسا يمثل أولوية لكلا الطرفين، باعتبار أن المجتمع الدولي يجد أن حكومة السوداني تمثل التيار المتشدد القريب من طهران، ولذا فعلى السوداني أن يبدد هذه النظرة خلال زيارته الدول التي لها قرار داخل المجتمع الدولي كفرنسا".
ويبين الصحفي المقيم في فيينا أن "زيارة السوداني إلى فرنسا سوف تعلب دورا في تمهيد زيارة أخرى مرتقبة إلى الولايات المتحدة الأمريكية".
يذكر أن مصادر تناولت عبر سلسلة تقارير، الدور الفرنسي في العراق وأسبابه، وبحسب محللين سياسيين في العراق وفي أوروبا، فأن فرنسا تعتقد أن العراق منطلق مهم لأمنها، فالأمن العراق والفرنسي مرتبط معا، نظرا لوجود مقاتلين فرنسيين في التنظيمات الإرهابية بالعراق، وفي الوقت ذاته فان فرنسا تبحث عن حصة للاستثمار، خاصة إذا جرت تهدئة في العراق، إلى جانب محاولة تقربها من تركيا، عبر توجهها نحو نينوى، وذلك نظرا للخلافات الحادة بينها وبين أنقرة، كما أكدوا أن فرنسا تحاول أن تضع موطأ قدم في المنطقة أو بالتحديد المثلث الذي يجمع تركيا وسوريا والعراق.
يشار الى أن خلافات فرنسا وتركيا، وهما البلدان العضوان في حلف شمال الاطلسي (الناتو)، تتمحور حول التواجد التركي في البحر المتوسط وفي ليبيا وسوريا.
ويصف المحلل السياسي غالب الدعمي، خلال حديث له، زيارة رئيس الوزراء السوداني إلى فرنسا، بأنها "على درجة عالية من الأهمية، فهذه الزيارة مرتبطة بزيارات خارجية أخرى، وربما تدفع لتحديد توجه رئيس الحكومة العراقية للولايات المتحدة الأمريكية، وهناك اتفاقات مهمة ستكون خلال زيارة السوداني لباريس".
ويبين الدعمي، أن "اتفاقات رئيس الحكومة في فرنسا ربما تحدد مصير حكومته إضافة إلى الاتفاقيات مع الولايات المتحدة الأمريكية، فإذا حصل اتفاق فحكومة السوداني سوف تكمل دورتها الكاملة وسوف تكتفي فقط بإجراء انتخابات مجالس المحافظات، وبعكس ذلك الانتخابات المبكرة، سيكون إجراؤها حتميا للسوداني".
جدير بالذكر، أن مراقبين أكدوا سابقا أن دخول فرنسا للعراق بشكل قوي، سيصطدم بالولايات المتحدة، وهذا في حال واحد، وهو حصول فرنسا على استثمارات كبيرة في العراق، رغم أنهم أشاروا إلى أن الدور الفرنسي جاء بضوء أخضر أمريكي، لسد الفراغ الذي تركه انسحاب القوات الأمريكية القتالية من البلد.
وكان العراق قد وقع عقدا مع شركة توتال الفرنسية بقيمة 27 مليار دولار، في زمن الكاظمي، لتطوير حقول الغاز، حيث تضمن استثمار أربعة مشاريع، أولها تطوير مجمع وتكرير الغاز في كافة الحقول، خارج اتفاقية غاز البصرة وهي حقول (أرطاوي، غرب القرنة/ 2، مجنون، الطوبة، واللحيس)، وثاني المشاريع، إنشاء مجمع الغاز المركزي الكبير في حقل أرطاوي، والمشروع الثالث، إقامة منشآت لإنتاج 1000 ميغاوات من الطاقة الكهربائية بالاعتماد على الطاقة الشمسية، بينما المشروع الرابع، هو تطوير حقل أرطاوي بهدف تعظيم إمكانيات إمدادات الغاز.
يذكر أن فرنسا شاركت بمؤتمري بغداد 1 و2، الذي أنعقد الأول في العراق، والثاني رعته ودعمت عقده في العاصمة الأردنية عمان، كما كشف ماكرون عقب المؤتمر الثاني خلال حوار صحفي معه "أنا مقتنع بأنه لا يمكننا إيجاد أي حل لمشكلة لبنان والعراق وسوريا إلا في إطار حوار لتقليص التأثير الإقليمي الإيراني".
من جهته، يعتقد الخبير في الشأن السياسي سرمد البياتي، خلال حديث له أن "زيارة رئيس الوزراء إلى فرنسا مهمة جدا، خصوصاً أن فرنسا لديها علاقات تاريخية مع العراق وبعد سنة 2003 طورت فرنسا تلك العلاقات، لاسيما على مستوى الأمن والإعمار".
ويبين البياتي، أن "فرنسا دائما ما تريد الاحتفاظ بعلاقات قوية جداً مع العراق، خصوصاً أن الأخير مصدر مهم للنفط والطاقة في العالم، كما أن فرنسا لها دور كبير في قضايا الإعمار، لاسيما إعمار سنجار"، لافتا إلى أن "هذه الزيارة سوف تشهد مناقشة قضية التسليح، فالعراق بحاجة للسلاح الفرنسي حتى يبتعد قليلا عن التسليح الأمريكي".
ويضيف أن "فرنسا، ستكون جزءا مهما وفاعلا بالعلاقات مع العراق وربما علاقاتها مع العراق سوف توازي الولايات المتحدة الأمريكية في المستقبل، كما أن زيارة السوداني لفرنسا لن تخلو من الأجندة السياسية، خصوصاً أن السياسة الفرنسية تريد أن تكون فاعلة في الشرق الأوسط".
يشار إلى أن العراق اشترى العام الماضي، منظومة رادارات، بعضها فرنسي الصنع وقد وصلت وبدأت عملية نصبها في الأماكن المخصصة لها، في خطوة لتطوير قدرات الدفاع الجوي.