06 Mar
06Mar

استكمالا لما بدأته الحكومات السابقة وتقوية لموقف الحكومة في محيطها العربي، جاءت زيارة رئيس الحكومة محمد شياع السوداني إلى مصر، كما ترى أوساط سياسية، إذ جرت الإشارة إلى أن السوداني يسعى لترك انطباع أن هذه الحكومة فاعلة بالمنظومة العربية وتريد الاستمرار بـ"القمة الثلاثية"، ومن جهة أخرى هي لتسريع عملية مد أنبوب البصرة العقبة النفطي في ظل الإصرار الأمريكي لتنفيذه خلال هذه الحكومة وعدم تأجيله.

ويقول رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري، خلال حديث لـه، إن "زيارة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني إلى مصر تأتي من أجل تثبيت مبدأ التوازن التي تسعى إليه الحكومة، خصوصاً أن هناك قلقا من قبل المنظومة العربية وحتى من قبل التحالف الثلاثي، الذي يضم القاهرة وعمّان وبغداد، ولهذا يحاول السوداني بهذه الزيارة أن يثبت هذا المبدأ".

ويضيف الشمري أن "الزيارة تحاول أن تظهر انطباعا بأن السوداني وحكومة الإطار من خلفه فاعلة مع المنظومة العربية، كما هي تأتي من أجل إيصال رسالة بان السوداني يعمل على استكمال التراكم الدبلوماسي الذي حققته الحكومات العراقية السابقة، خصوصاً الأمر المتعلق بالتحالف الثلاثي".

ويبين أن "الزيارة تهدف لاستكمال الاتفاقات التي تصب في صالح العراق بما لا يقبل الشك، ولهذا الزيارة ستمهد لتفاعل اكبر مع مصر، وهذه الزيارة من اجل استمرار العلاقات البروتوكولية ما بين البلدين من خلال الزيارات المتبادلة".

ويتابع رئيس مركز التفكير السياسي أن "الاتفاقات مع مصر حتى في حكومة عادل عبدالمهدي وحكومة مصطفى الكاظمي لم تطبق على أرض الواقع ولن يكون لها أي انعكاس ملموس على مستوى الاقتصاد والواقع العراقي".

ويختم الشمري قوله بأن "السوداني يحمل إلى مصر ملفات ثنائية مرتبطة بقضايا حساسة ما بين القاهرة وبغداد وهو يسعى للوصول إلى تفاهمات حول هذه الملفات، التي ترتبط بتعاون ثنائي أكثر ما هو ثلاثي، خصوصاً ملف استكمال الوساطة ما بين إيران ومصر".

وكان رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، وصل أمس إلى مصر في زيارة رسمية استغرقت ساعات عدة، التقى خلالها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، وخلال اللقاء أكد السوداني استعداد العراق بالمضي قدماً في إنضاج العمل المشترك، والانفتاح على آفاق جديدة من التعاون والتكامل في مختلف المجالات.

كما عقد لقاء آخر بين السوداني ونظيره المصري مصطفى مدبولي، بشأن المباحثات بين البلدين، وفيه أبدى السوداني رغبة العراق بالعمل على تطوير العلاقات، ورفع مستوى التبادل التجاري، وتفعيل اللجان المشتركة بين البلدين إلى مستوى التنفيذ، فيما أكد مدبولي أهمية العمل والتعاون الثنائي بين البلدين لمواجهة آثار الأزمات والتحديات المختلفة التي يشهدها العالم، كما أكد رغبة الحكومة المصرية باتخاذ خطوات تنفيذية جادّة، وعمل ملموس، في ما يخص التعاون بين البلدين، عبر توقيع مذكرات تفاهم في مجالات الاقتصاد والتجارة.

يشار إلى أن العراق، عقد 3 جولات من القمة الثلاثية مع الأردن ومصر، أبان الحكومة السابقة برئاسة مصطفى الكاظمي، والتي تمخضت عن ربط كهربائي مع الأردن وهو لم ينفذ لغاية الآن، فضلا عن مد خط أنبوب نفط البصرة – العقبة، وما زال قيد البحث والجدل.

وكان السوداني، وخلال المؤتمر الصحفي المشترك مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، الأسبوع الماضي، قال "نعمل على الإعداد لمؤتمر بغداد بنسخته الثالثة وفق رؤية الحكومة الجديد.. الجميع يجب أن يلتقي في بغداد وفق رؤية الاقتصاد والشراكة".

وبحسب القمة الثلاثية، فانه سيتم مد انبوب نفط البصرة العقبة في الاردن، ومن ثم وصولا الى الموانئ المصرية، وهو أساس زيارة وزير البترول المصري طارق الملا، إلى بغداد قبل أكثر من عام، وذلك التزامن من توقف إمداد شركة أرامكو السعودية لمصر بنحو 700 ألف طن من المواد البترولية، في إطار اتفاقٍ طويل الأجل بين الرياض والقاهرة، التي تشهد العلاقات بينهما توترا منذ شهور على خلفية قضايا ثنائية وإقليمية.

من جهته، يرى المحلل السياسي غالب الدعمي، خلال حديث له إن "زيارة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني إلى مصر هي زيارة لإعادة الثقة وتعزيزها بين الحكومة العراقية والحكومات العربية، فالسوداني يريد الاستمرار في تعزيز الاتفاق الثلاثي".
ويبين الدعمي أن "الحكومة العراقية حالياً بأمس الحاجة لكسب دعم الدول الإقليمية والدول الأوربية والولايات المتحدة الأمريكية، ومصر والأردن هي مفتاح تلك العلاقات الدولية".

ويضيف أن "مصر لها تجربة رائدة بقضية الكهرباء والطرق والجسور والمشاريع المهمة، وممكن للعراق الاستفادة من هذه التجربة، خصوصاً أن تعزيز العلاقات العربية مع العراق مهم جداً، على مختلف الأصعدة".

وعقد مؤتمر "بغداد 2" في 20 من كانون الأول ديسمبر 2022، في مركز الملك حسين بن طلال للمؤتمرات على ساحل البحر الميت في الأردن، بعد دورة أولى أقيمت في بغداد في آب أغسطس 2021 بمبادرة من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والعراق، وبمشاركة البحرين وعمان ومصر والسعودية والإمارات وقطر وتركيا وإيران.

يشار إلى أن القمة الثلاثية، بين العراق ومصر والأردن، تركز على الاقتصاد بحسب المعلن، لكن عارفين بالشأن السياسي يفيدون بأنها تضم بين طياتها خططا سياسية عديدة، أبرزها مشروع "المشرق الجديد" الذي اقترحه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.

وتمثل منطقة النفوذ الجديدة، التي اقترحها ترامب، ممرا اقتصاديا وتجاريا يجمع هذه الدول الثلاث، مستغلة إمكانيات كل دولة، فالعراق سيكون المصدر الأول للنفط والغاز، إضافة إلى استثمار طاقات مصر الإنتاجية والبشرية، فضلا عن تحول الأردن إلى معبر وطريق يجمع هذه الدول مع بعضها، مقابل تقليص النفوذ الإيراني في سوريا المتمثل بالجماعات المسلحة، وذلك بحسب مصادر مطلعة.

وكان الإطار التنسيقي من أشد المعارضين لعقد هذه القمة، ووصفها بأنها خطوات للتطبيع، منتقدا دور الأردن ومستغربا من عقد اتفاقيات مع بلد غير صناعي، كما طالب قادته ونوابه آنذاك، بالتوجه للصين بدلا من الأردن.

بالمقابل، يؤكد الخبير في الشأن السياسي والاقتصادي نزار حيدر، خلال حديث لـه أن "الزيارة تأتي استكمالاً ومتابعة لمخرجات اجتماعات القمة الثلاثية التي جمعت العراق ومصر والأردن، وان أهم هذه المخرجات هي تنفيذ مشروع مد أنبوب نفط (البصرة — العقبة) والذي يبدو أن الولايات المتحدة مستعجلة لتنفيذه على اعتبار انه يساعد بشكل كبير اثنتين من أكبر الدول المستفيدة من المساعدات الأمريكية السنوية في المنطقة، تستفيدان منه سواء على مستوى الطاقة أو على مستوى سوق العمل".

ويبين حيدر أن "المشروع يستفيد منه حليف للولايات المتحدة الأمريكية التي ارتأت أن يكون العراق في ظل حكومة السوداني هو المنفذ له وبالسرعة القصوى وفي ظل تداعيات الحرب الأوكرانية والأزمات التي صاحبتها والتي تضرر منها أولاً حلفاء واشنطن الأوربيون".

ويتابع أن "المشروع كما هو معروف وواضح ليس فيه أية جدوى اقتصادية للعراق، ولذلك عده المختصون بأنه مشروع بقرار سياسي بالدرجة الأولى، ربما تحتاج حكومة السوداني لتنفيذه كأحد الاشتراطات الأمريكية عليها لإثبات حسن التزاماتها في السياسات الدولية والإقليمية المرسومة لها من قبل، قبل أن يوجه البيت الأبيض الدعوة للسوداني لزيارة واشنطن، وهي الزيارة التي طال انتظارها في بغداد، مع كل الوساطات التي تحركت عليها لتحقيقها ولكن حتى اللحظة دون جدوى، إذ أن واشنطن مازالت مكتفية بسفيرتها في بغداد للتواصل مع حكومة السوداني وبقية مؤسسات الدولة".

يذكر أن الاتفاق على إنشاء الأنبوب بين العراق والأردن تحول إلى واقع في عام 2019، خلال ترؤس عادل عبدالمهدي للحكومة، وبلغت الطاقة التصميمية للمشروع مليون برميل يومياً، بهدف نقل النفط الخام العراقي عبر الأراضي الأردنية إلى مرافئ التصدير على ساحل البحر الأحمر في العقبة.

يذكر أن وزارة النفط، سلطت الضوء على تاريخ مفاوضات مشروع إنشاء أنبوب "البصرة– العقبة" النفطي، العام الماضي، مستعرضة كافة المراحل التي مر بها المشروع، منذ عام 1980 ولغاية الآن، وأكدت أن آخر المحطات، هي أن المشروع ما زال قيد النقاش الفني والتجاري، رغم وصول المفاوضات إلى مراحل متطورة، فيما اشترطت تخفيض كلف التنفيذ الى ما دون الـ9 مليارات دولار.

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - وكالة انباء النافذة