ما أن تبدأ درجات الحرارة بالارتفاع، يتّجه الكثير من العراقيين إلى السفر، ليتوزعوا شرقاً وشمالاً وغرباً، بحثا عن الأماكن السياحية، التي تحقق لهم الراحة التي يحتاجونها، وغالبا ما يلوذون بالمنتجعات والمصايف.
هذه "الهجرة المؤقتة"، تبدأ منذ شهر حزيران يونيو ولغاية تشرين الأول أكتوبر من كل عام، وهذه السفرات لا تحمل السعادة للعراقيين فقط، بل تسعد الكثير من الدول التي تختنق بأزماتها الاقتصادية، مثل إيران وتركيا ولبنان.
هشام سالم، صاحب شركة للسياحة والسفر في منطقة الصالحية ببغداد، يقول إن "أكثر المسافرين العراقيين يذهبون إلى تركيا، لكن هذا الأمر تراجع مؤخرا بسبب تعقيدات منح تأشيرة الدخول، كما وتأتي بعد تركيا بيروت، ثم إيران، ومعدل الرحلات اليومية يشهد تزايداً كبيراً في فصل الصيف، والمواطن العراقي بالعادة، يتراوح ما يصرفه في تلك الدول من 1 - 3 آلاف دولار".
ويضيف سالم: "هناك مسافرون يذهبون إلى تركيا من أجل العمل، أو ليتسوقوا من هناك ما يريدون، ويقومون بشحنه إلى العراق، والبعض الآخر يستقر في تركيا حتى تنتهي موجة الحر، وهؤلاء يشكلون نسبة 10 بالمئة من مجموع المسافرين".
يشار إلى أن العراقيين، وبعد العام 2003، توجهوا إلى السفر خارج البلاد بعد الانفتاح على دول الجوار ورفع القيود عن جواز السفر، وعودة الطيران ليغطي أغلب بلدان العالم، لكن الكثير منهم يلجؤون إلى السياحة الداخلية، وتحديدا في إقليم كردستان.
وفي هذه الأشهر، تبلغ درجات الحرارة مستويات قياسية، وتتخطى نصف درجة الغليان، ومع هذا الحر الشديد، لا يجد أغلب العراقيين الكهرباء بمنزلهم، فتضيق عليهم أرضهم، حتى يفكروا بالخروج والسفر للخارج.
يذكر أن وزارة السياحة التركية، أعلنت خلال موسم الصيف من العام الماضي، أن قيمة الإنفاق الكلي للسائحين العراقيين خلال الربع الأول من ذلك العام بلغت 192.5 مليون دولار أمريكي.
سياحة العراقيين في بلدهم
إلى ذلك، زود مدير علاقات وإعلام هيئة السياحة في وزارة الثقافة، محسن عبد علي بمعلومات عن واقع السياحة في البلد، حيث كشف أن "الأهوار في ذي قار وميسان، تكون ممتلئة خلال يومي الجمعة والسبت، عندما يقدم إليها مواطنون من مختلف المحافظات، وكذلك بحيرة الرزازة في كربلاء، فإنها تشهد توافداً كبيراً من أجل السياحة".
وعن بناء المدن في الأماكن السياحية، يبين عبد علي، أن "هناك عملاً مستمراً لإنشاء مدينة أور السياحية، خاصةً بعد تخصيص أموال لإكمالها"، مضيفا أن "المدينة تتضمن معبدا كبيرا ومسرحا رومانيا، وشققا ومنازل وفنادق، وتلفريك من المدينة إلى أور، ومن المحتمل أن يُنشأ مترو من المدينة إلى أهوار الجبايش".
ويوضح، أن "المسيحيين يؤدون مراسيم حجهم في بيت لحم بفلسطين، وقد أدى 16 مليون مسيحي مراسم الحج في بيت لحم بفلسطين العام الماضي، لكنهم يعتقدون أن بيت نبي الله إبراهيم في مدينة أور، هو أساس الحج، وهنا فأن العراق سيكون مستعداً لاستقبال هؤلاء الـ16 مليون مسيحي، خلال سنة ونصف السنة تقريباً، بعدما يكمل متطلبات المدينة السياحية في أور".
العملة الصعبة.. خروجها أكثر من دخولها!
وعن الأموال التي يصرفها السائح العراقي في الخارج، والسائح الأجنبي بالعراق، يكشف عبد علي، أن "العديد من العراقيين، يحملون معهم بالعادة مبلغ 3 آلاف دولار عند السفر، لكن السائح الأجنبي الذي يأتي للعراق، يحمل معه بالعادة 1500 دولار، ويحسبها لمأكله وشربه، وتنقلاته، وهذا الفرق، لا يعوَّض ما يخرج من العراق عملة صعبة".
ويشير إلى أن "العراق يعمل على تطوير مدن سياحية، في بابل وأخرى على بحر النجف، كما أنه يستعد لإنشاء مكان سياحي يكون على ضفاف دجلة، ستستقبل سائحين أجانب أيضاً، لأن أغلبهم يسألون بعد مجيئهم، عن شارع المتنبي والمدن السياحية في البلد".
وعن تراجع السياحة في الصيف، يؤكد أن "سياحة البلد هي شتوية، ولكن في أيام المناسبات الدينية، تشهد نشاطاً كبيراً".
وخلال العامين الأخيرين، شهد العراق توافد آلاف السائحين الأجانب، وقد نشطت هذه الحركة في العاصمة بغداد ومدينة أور في ذي قار والأهوار، التي باتت مقصد السائحين وصناع المحتوى من مختلف الجنسيات، وذلك بعد زيارة بابا الفاتيكان لزقورة أور، خلال زيارته التاريخية للعراق عام 2021.
يشار إلى أن مؤسسة عراق المستقبل، المعنية بالإحصائيات، كشفت العام الماضي، أن أكثر من ألف عراقي غادروا البلد خلال عيد الأضحى، ولو احتسب معدل إنفاق ألف دولار لكل سائح، فأن مجمل الأموال ستكون بحدود 100 مليون دولار أنفقت خلال 10 أيام فقط.
ومنذ منتصف حزيران يونيو الماضي، بدأت تركيا باستقبال السائحين العراقيين، ولغاية الآن لم تصدر أرقام دقيقة، لكن العام الماضي، تجاوز عدد الزائرين العراقيين لتركيا في الربع الأول من السنة نسبة 113 بالمئة مقارنة مع الفترة نفسها من العام 2021، ليبلغ مجموع الزائرين العراقيين 215 ألف زائر مقارنة بـ100 ألف زائر سابقاً.
أما عباس الأمين، صاحب شركة سياحة وسفر في منطقة زيونة، يبين أن "عدد المسافرين العراقيين للسياحة منذ حزيران واستمرارا لغاية تشرين الأول، يصل إلى مليون شخص، فشركات السياحة تشهد زخماً كبيراً خلال هذه الفترة".
ويوضح، أن "العراقي تكون عملته أقوى من بقية عملات الدول الأخرى، فلهذا يكون مرتاحاً بالسفر ويصرف الأموال وفق ما يرغب، لكن بعض من لا يملكون ثقافة في السفر، كانوا سبباً بغلق السفر بين بعض الدول والعراق، مثل أذربيجان وجورجيا".
ومنذ العام الماضي، شددت تركيا من إجراءات منح سمة دخولها للعراقيين، ووضعت شروطا صعبة التحقق لغالبية المسافرين وخاصة الشباب منهم، منها إبراز سند عقار وتأييد عمل رسمي.
من جانبه، يؤكد الخبير الاقتصادي ماجد الصوري، أن "السفر إلى الخارج لا يقتصر على السياحة وإنما يشمل العلاج والدراسة، وكل القضايا المتعلقة بطلب الخدمات من الخارج".
ويشير الصوري إلى أن "التجارة غير المنظورة أو غير السلعية تستوعب مبالغ كبيرة تصل إلى بضعة مليارات من الدولارات، وفي بعض السنوات وصلت إلى ما يقارب 10 مليارات دولار".
ويوضح، أن "العراق وبشكل عام ونتيجة للظروف التي يمر بها، والخلط بين السفر والسياحة وعملية تهريب الأموال، فإنه يفتقر إلى وجود إحصائيات رسمية أو شبه رسمية عن حجم الأموال التي تذهب لأغراض السياحة".
ويبين الصوري، أن "العراقيين محبون للسفر والسياحة خارج العراق، وخصوصاً في الظروف الأخيرة، وبعد تراكم أموال كبيرة لدى فئة ليست قليلة من الشعب".
ويشير إلى أن "العراق وعلى الرغم من تنوّع مجالات السياحة فيه، إلا أن إدارة هذا الملف لم تكن سليمة، وبدلا من أن تكون مصدرا مهما للدخل سواء للحكومة أو للعاملين في القطاع السياحي، فإنها أصبحت عبئاً غير بسيط على الاقتصاد الوطني، وحتى على جزء كبير من قطاع السياحة، وخصوصا السياحة الدينية".
ويضيف: "من الممكن وبعد تحقيق الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي أن يتطور هذا القطاع، ليحقق الموارد المالية للحكومة، وينشّط الحركة الاقتصادية والاجتماعية، عبر تحقيق التنمية في هذا المجال والمجالات الأخرى".
يشار إلى أن تقارير سابقة قد سلطت الضوء على عدم تفعيل السياحة في مدينة بابل الأثرية، وكشفت خلاله الجهات المعنية، عن عدم توفر البنى التحتية والبيئة الملائمة لجذب وبقاء السائحين في بابل، ولقراءة التقرير يرجى الضغط على العنوان: آثار بابل.. غياب الخدمات يطرد السائحين
يذكر أن إقليم كردستان، يعد من أهم المناطق السياحية في العراق، ويتجه لمدنه أغلب العراقيين سواء في المناسبات والعطل الرسمية أو أيام الصيف، هربا من ارتفاع درجات الحرارة في الوسط والجنوب، ولتوفر مدن الإقليم على مناطق سياحية طبيعية، منها الشلالات والجبال والمساحات الخضراء الواسعة.