انتهى أبو عصام (55 عاما) من حفر بئر في منزل بقرية شفته بأطراف مدينة بعقوبة مركز محافظة ديالى، لينهي بذلك معاناة أسرة استمرت لعدة أيام بسبب انقطاع مياه الشرب من شبكة النقل الحكومية، مما اضطرها إلى الاستعانة به وإنفاق 130 ألف دينار هي كلفة حفر البئر في سبيل تأمين احتياجاتها من الماء.
وتعاني معظم المدن العراقية من تهالك شبكات مياه الشرب بسبب تقادمها وعدم إجراء أعمال صيانة لها، إلى جانب التوسع السكاني والعمراني الذي يشهده البلد بعد العام 2003، والتجاوزات على شبكات الماء في المناطق العشوائية ومن قبل أصحاب بعض المشاريع التجارية والصناعية والزراعية.
ويقول أبو عصام خلال حديث لـه، إنه “أمتهن حفر الآبار منذ 15 عاماً وفصل الصيف هو أفضل موسم لعملنا فهو ينعش بورصة حفر آبار الأزمات التي تحدث مع أول انقطاع للمياه بسبب قلة الضخ أو التجاوزات أو التكسرات في بعض المحاور”.
ويضيف “الأسر لا يمكنها تحمل عدم توفر المياه ليومين فما بالك عندما ينقطع الماء لأسبوعين أو أكثر، كما أن ارتفاع درجات الحرارة يلعب دورا في تنشيط عملنا حيث تشكل الآبار المنازل ما نسبته 30 بالمئة من مصادر المياه في محافظة ديالى، ويبدأ سعر حفر المتر الواحد بعشرة آلاف لكن المبلغ يقل كلما كان الحفر أعمق للوصول إلى الماء، وهناك عدة طرق للحفر لكن أبسطها اليدوية من خلال آلة حديدية بمشاركة اثنين من العمال”.
وعانت محافظة ديالى خلال العام الماضي من أزمة جفاف خانقة بسبب شح الأمطار وعدم ورود مياه السيول من الجانب الإيراني، بالإضافة إلى تدني مناسيب المياه في الأنهار الرئيسية والفرعية، مما أدى إلى وقف عمل محطات تصفية المياه لشدة ضحالة الماء الوارد إليها وانخفاضه إلى مستوى لا يمكن سحبها بالمضخات ونقله لأحواض التصفية.
من جهته، يشرح هادي عبد الله، أحد العاملين في حفر الآبار، خلال حديث لـه، أن “معدل حفر الآبار في المحافظة خلال 2024 انخفض بنسبة 40% قياسا بالعام 2023 حيث انخفضت أزمة الجفاف بفضل الأمطار الغزيرة خلال فصل الشتاء الماضي، وكذلك السيول والإمدادات المائية الواردة من إيران وتركيا ما رفع من الخزين الإستراتيجي في بحيرة حمرين وضخ كميات جيدة في الأنهر الرئيسية لتأمين احتياجات محطات تصفية المياه”.
ويشير إلى أن “أي أزمة طارئة كحصول كسر في أنبوب أو عطل في مشروع يدفع الكثير من الأسر إلى اتخاذ قرار عاجل بحفر بئر منزلي لأن كلفته ليست باهظة قياسا بالآبار الارتوازية الكبيرة التي تصل إلى عدة ملايين من الدنانير”.
وشهد العراق خلال السنوات الأربع الأخيرة أزمة جفاف خطيرة بسبب حرب المياه التي تشنها عليه دول المنبع تركيا وإيران، وبلغت ذروتها في العامين 2022 و2023 حيث انخفضت مناسيب المياه في نهري دجلة والفرات إلى مستوى غير مسبوق حتى بلغت مرحلة ظهور قاع النهر في بعض المناطق.
من جهته، يؤكد المحامي شاكر علي، خلال حديث لـه، أنه “اضطررت إلى حفر بئر مؤخرا بسبب ضعف وصول المياه عبر الشبكة كما أن البئر لم يكلفني سواى 100 ألف دينار، وهو مبلغ ليس ذا قيمة مقابل تأمين الماء”.
ويلفت إلى أن “اللجوء إلى حفر الآبار في بعقوبة لم يعد حالة استثنائية بل أمر طبيعي جدا بسبب كثرة الانقطاعات في شبكة نقل المياه لأسباب عديدة سواء بسبب أزمة الجفاف أو بسبب مشاكل فنية”.
يشار إلى أن اللجوء إلى حفر الآبار المنزلية ليس بالجديد على العراقيين حيث يعتمد السكان في محافظة السليمانية على مياه الآبار منذ تسعينيات القرن الماضي وكذلك الحال بالنسبة لمحافظة أربيل بالإضافة إلى محافظات أخرى.
بدوره يوضح رئيس اتحاد الجمعيات الفلاحية في ديالى رعد مغامس، خلال حديث لـه، أن “حفر الآبار يجري في 34 مقاطعة زراعية على مستوى المحافظة لكنه ينجح بشكل كبير في مناطق شرق ديالى خاصة في مندلي وقزانية والمياه هناك تكون عذبة بنسبة عالية لكن الحفر يتطلب من 50 إلى 100 متر وربما اكثر للوصول إلى مستوى جيد من الخزين المائي، لكن الأمر مختلف في بعقوبة ومحيطها والذي يمكن الحصول على المياه من عمق 5 إلى 10 أمتار”.
ويكشف أن “بعض مناطق شرق بعقوبة ومنها ناحية كنعان تكون نسبة ملوحة المياه مرتفعة فيها لذا لا تنجح الآبار في بعض الأحيان، كما أن ناحية العظيم شمالي ديالى تعتمد بنسبة تصل إلى 45 بالمئة على الآبار في سقي المحاصيل الزراعية وهي الأعلى على مستوى المحافظة”.
وينصف العراق من بين أكثر خمسة بلدان تضررا من التغيرات المناخية والتي ظهرت بشكل جلي منذ العام 2020 وأخذت بالتفاقم متمثلة بالجفاف وشح الأمطار والعواصف الترابية المتكررة والتي بلغت ذورتها في العام 20220 و2023.
إلى ذلك، ينبه المهندس المتقاعد من وزارة الموارد المائية، هادي التميمي، خلال حديث لـه، إلى أن “حفر أي بئر يتطلب فحوصات لمعرفة مدى ملائمة المياه للزراعة أو لاستخدامات البشرية، كما أن مستوى ضخ الآبار يعتمد بالأساس على قدرة تجديد المياه الجوفية من خلال الأمطار والسيول والدليل أن آبار المناطق الحدودية انخفضت بنسبة 40 بالمئة بسبب مواسم الجفاف الثلاثة الأخيرة خاصة في مندلي وقزانية”.
ويتابع أن “الضرورة تفرض على الأهالي حفر الآبار لمواجهة أزمة طارئة لكن استخدامات الآبار يمكن أن تنجح في بلورة ثقافة ري الحدائق من مياه الآبار وليس من شبكة مياه الشرب وبالتالي خفض الاستهلاك بما لا يقل عن 20 بالمئة على مستوى المدن الرئيسية”.
وحذر تقرير صادر عن منظمة اليونسكو، فى 1 نيسان أبريل الماضي، من أن يكون العراق مقبل على حرب مياه بحلول العام 2050.وأدى ارتفاع درجات الحرارة في العراق إلى انخفاض كبير في هطول الأمطار السنوي، والذي يبلغ حاليا 30 بالمئة، ومن المتوقع أن يصل هذا الانخفاض إلى 65 بالمئة بحلول عام 2050.