03 Sep
03Sep

في قرى شرق قضاء المقدادية، ثاني أكبر مدن ديالى (نحو 132 كلم شرق بغداد)، يشعر فاروق الجبوري المزارع الخمسيني بالحيرة وهو يرصد انتشار “السوسة الحمراء” في قرابة 30 بالمئة من أشجار النخيل داخل بستانه الذي دأب على رعايته منذ ثلاثة عقود متواصلة، واصفا ما يجري بعبارة بالقول “الطاعون الأحمر وجد طريقه إلى بستاني”.
ويقول الجبوري، خلال حديث لـه، إن “السوسة الحمراء لم تكن موجودة من قبل في بساتين النخيل بديالى لكن منذ نيسان أبريل الماضي، تم رصد إصابات متفرقة في بساتين شهربان (الاسم التاريخي لمدينة المقدادية)”.
ويضيف الجبوري، “بعد هذا التاريخ المذكور بدأت السوسة الحمراء بالانتشار بشكل غير مسبوق في بساتين المحافظة والآن هناك نحو 11 بستانا حولي رصدت إصابات مباشرة وهي تزداد يوما بعد آخر”.
والسوسة الحمراء هي نوع من أنواع الخنافس ذات الخطم، وتعتبر من أخطر الآفات الزراعية التي تهاجم وتنتشر في العديد من دول العالم كالعراق والسعودية والإمارات والبحرين والكويت وقطر وسلطنة عمان ومصر وليبيا والأردن والهند وباكستان وإندونيسيا والفليبين وبورما وسيريلانكا وتايلند.
بدوره، يوضح المزارع عبد الله بريسم، خلال حديث لـه، أن “السوسة الحمراء كبدتني خسائر مادية حيث قضت على 11 نخلة التي تنتج أصنافا نادرة من التمور، لكن الطاعون الأحمر قضى عليها، وهناك مليون نخلة في ديالى تحت مرمى الخطر”.
ويشير بريسم، إلى أن “انتشار هذه الحشرة بهذا الشكل لا يمكن أن يكون صدفة”، متسائلا “أين الحجر الصحي في المنافذ الحدودية لمنع دخول الآفات الزراعية، ولماذا انتشرت مع بدء انتعاش تصدير العراق للتمور إلى الأسواق العالمية”.
وينوه إلى “سيناريو سابق مشابه بعد نجاح زراعة الفراولة وتحقيق قفزات نوعية في الإنتاج المحلي، حيث ظهرت بعد ذلك فجأة بكتيريا التهمت كل المحصول وتكبد المزارعون خسائر فادحة، وعاد العراق مجددا لاستيراد الفراولة من دول الجوار”.
ويبين “تم رصد السوسة الحمراء في 11- 13 مقاطعة زراعية في بعقوبة وبهرز والمقدادية والخالص، لكن المناطق الأكثر إصابة هي في محيط قرى المقدادية بشكل مباشر”.
ويتطلب القضاء على السوسة الحمراء، إزالة النخيل المصاب وفرمه بآلات، أو تقطيعه إلى قطع صغيرة وتحرق وتدفن، بالإضافة إلى رش وتعفير موقع النخيل المزال بالمبيدات اللازمة، وكل النخيل الموجودة في دائرة الإصابة، إلى جانب نشر المصائد الفيرمونية الجاذبة لحشرة سوسة النخيل الحمراء.
من جانبه، يقر مدير إعلام زراعة ديالى محمد المندلاوي، خلال حديث لـه، بأن “هناك بساتين عدة في ديالى رصدت بها السوسة الحمراء، وهي حشرة تتوغل في قلب النخلة، وتقوم بإضعافها شيئا فشيئا، ومن ثم تهلك، وأول إصابة سجلت بهذه الحشرة كانت في العام 2016 في البصرة ثم انتقلت قبل أشهر إلى ديالى”.
ويعزو المندلاوي، العامل الأبرز في دخول السوسة الحمراء للبلاد، إلى “استيراد فسائل مصابة تحمل يرقات تلك الحشرة التي سرعان ما تكبر وتتكاثر في ظل أجواء مناسبة، وتقوم بإصابة النخيل بشكل مباشر”.
ويؤكد أن “دائرة الزراعة تعمل على اتخاذ الإجراءات الوقائية من أجل تفادي اتساع رقعة الإصابات والسعي إلى معالجة النخيل المصاب وفق برنامج محدد باستخدام مبيدات وأدوات لاحتواء الإصابات”.
وتعد محافظة البصرة الأولى على مستوى العراق في إنتاج التمور بمختلف أصنافها، كما أنها تضم أكبر عدد من النخيل، إلا أنها تراجعت تدريجيا في معدلات الإنتاج منذ ثمانينيات القرن الماضي جراء الحرب العراقية الإيرانية التي تسببت بإزالة مئات الآلاف من النخيل جراء القصف المتبادل وعمليات التجريف في المناطق الحدودية، كما أن الاستيراد وأزمة الجفاف التي تفاقمت في العراق بعد العام 2003 شكلت سببا رئيسيا في إنتاج التمور.
إلى ذلك، يحدد الخبير الزراعي إبراهيم اللامي، خلال حديث لـه، أن “أبرز طرق معالجة السوسة الحمراء هي من خلال شراء أقراص التعفير (فوسفيد الزنك) ووضع القرص داخل الثقب الذي تحفره الحشرة وسده بالطين وفق التعليمات المحددة مع أهمية إبلاغ فروع دوائر الزراعة عند التأكد من أي إصابة من أجل اتخاذ الإجراءات الوقائية”.
ويشدد على “أهمية المضي في قرار منع دخول وخروج أي فسائل من مناطق الإصابة وأن تتولى السيطرات الأمنية هذه المهمة، بالإضافة إلى تشكيل فرق معالجة لحقن النخيل المصاب ونصب المصائد الفورمونية من أجل منع اتساع دائرة الإصابات في البساتين”.
يذكر أن العراق في العام 1952، اتجه إلى تنظيم تجارة التمور، وأسس في ذلك العام شركة تجارة التمور العراقية المحدودة في البصرة، ثم أسس الجمعية التعاونية لمنتجي تمور المنطقة الوسطى عام 1960، ومصلحة التمور العراقية 1961، ثم ظهرت محاولات بعد العام 1968 لإنشاء مؤسسة مركزية واحدة لجمع متطلبات خدمة ورعاية النخيل والتمور، فتم تأسيس “المؤسسة العامة للنخيل والتمور العراقية” عام 1970، التي ألغيت بعد تأسيس مصلحة التمور العراقية.
وفي العام 1980 تم تأسيس هيئة التمور العراقية، التي حلت محل مصلحة التمور العراقية الملغاة، وفي العام 1988 شكلت لجنة لمناقشة موضوع إيجاد بديل لهيئة التمور العراقية تنظم عمليات تسويق التمور بشكل أفضل حيث تم تأسيس الشركة العراقية لتصنيع وتسويق التمور، وهي شركة مساهمة مختلطة باشرت أعمالها عام 1989 وما زالت قائمة.
من جهته، يلفت رئيس اتحاد الجمعيات الفلاحية في ديالى، رعد التميمي، خلال حديث لـه ، إلى أن “الاتحاد يتابع عن كثب الإصابات التي رصدت في البساتين سواء في بعقوبة أو المقدادية، فالسوسة الحمراء آفة خطيرة للغاية وهي بالفعل تنتشر بوتيرة متصاعدة منذ أشهر وبدأت تشكل مصدر قلق”.
ويختم بالقول إن “هناك تنسيقا مع الزراعة عبر فروع الوقاية من أجل خلق خارطة طريق تجنب بساتين ديالى المزيد من الإصابات من خلال توفير المبيدات والمصائد التي تمنع انتقال الحشرات بين النخيل”.
وكان العراق يفتخر بكونه “بلد النخيل”، ويملك أجود أنواع التمور، لكنه يعاني اليوم من تشتت في المؤسسات المعنية، والأهم هو إهمال الشركة الوحيدة في العراق المعنية بالأمر، وهي “الشركة العراقية لتصنيع وتسويق التمور” التي انهارت تماما بعد العام 2003، بحسب اعتراف وزارة الزراعة.
وكشفت وزارة الزراعة ، في تقرير سابق خلال العام 2020، أن الشركة العراقية للتمور تدهور وضعها ولم تتم إعادة تأهيلها، حيث كانت قبل 2003، تحظى ببرادات ومخازن تتسع لها، لكنها انهارت جميعها بسبب ظروف الحرب، لذا عندما حاولنا تسليمها كميات كبيرة من التمور، لم تتمكن من تسلمها لعدم امتلاكها مواقع للخزن، لذلك فتحنا التصدير المباشر للقطاع الخاص، بغرض إدخال الدولار للبلد.
وفي 24 آب أغسطس 2021، أعلنت الشركة العامة لتصنيع وتسويق التمور العراقية، أن ترتيب العراق هبط إلى المرتبة السادسة عالميا في إنتاج التمور، بعد أن كان يحتل المرتبة الأولى في العقود الماضية.

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - وكالة انباء النافذة