قبل نحو أسبوع، استهدفت عبوة صوتية سيارة سياسي قرب قضاء الخالص شمالي ديالى، بدوافع جنائية وليست “إرهابية”، في حادثة كشفت عن أن هذا النوع من العبوات بات سلاحا غير قاتل يتم استخدامه لترويع الخصوم في النزاعات الشخصية و”العشائرية”.
وبهذا الصدد، يقول مصدر أمني فضل عدم ذكر اسمه، خلال حديث له، إن “محافظة ديالى شهدت زيادة في عمليات الاستهداف بالعبوات الصوتية خلال الأشهر الماضية، لأسباب متعددة، لكن جميعها تمت بدوافع جنائية وليست إرهابية”.
ويضيف المصدر، أن “العبوة الصوتية أصبحت في السنوات الأخيرة ضمن قائمة الأسلحة التي يتم استخدامها في تخويف الخصوم والمنافسين، وفي الدگة العشائرية، كما أن سوق السلاح يوفر هكذا أسلحة، حيث يتم تصنيعها محليا، وقد تم اعتقال العديد من هؤلاء في عمليات أمنية خلال الأشهر الماضية بعدما توصلتا إلى من يقف وراء بعض العمليات”.
والدگة العشائرية، هي عملية إطلاق نار يقوم بها فرد أو جماعة بحق شخص أو جماعة أخرى، باتجاه منزل الفرد أو الجماعة المستهدفة، بقصد التهديد.
بدوره، يؤكد عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية ياسر وتوت، خلال حديث له، أن “العراق يعاني من وفرة كبيرة لمختلف أنواع الأسلحة كما أن الاضطرابات الأمنية خلقت أجواء استثنائية من ناحية امتلاك البعض لأسلحة متوسطة وثقيلة، وهذا ما يظهر خلال النزاعات العشائرية وصولا إلى مراسم تشييع الجنائز التي توثق كاميرات بعض المواطنين الذين يقومون بتصويرها، الخزين الهائل من الأسلحة والأعتدة”.
ويشير وتوت، إلى أن “العبوات الصوتية هي جزء من الأسلحة التي تم رصد استخدامها في النزاعات وتصفية الحسابات بين الخصوم، ولكن الأجهزة الأمنية لهم بالمرصاد وتم اعتقال العديد من هؤلاء، كما أن التشديد القضائي على ملف الدگة العشائرية وتحديد سياقها القانوني قلل من خطورتها بسبب وسائل الردع”.
وكان مجلس القضاء الأعلى، قد قرر في تشرين الثاني نوفمبر 2018، تصنيف الدگة العـشائرية ضمن المادة الثانية من قانون مكافحة الإرهاب والتوجيه لمحاكم التحقيق كافة بضرورة التعامل مع الدگة العشائرية على أساس كونها عملا إرهابيا وبحزم.
إلى ذلك، يلفت الخبير الأمني جاسم الشمري، خلال حديث له، إلى أن “الاضطرابات الأمنية ومخاطر الإرهاب زادت من معدل الخبرات في تصنيع الأسلحة المحلية ومنها العبوات الصوتية التي يتم استخدامها من قبل البعض في تصفية حسابات بينهم، وهي رسالة تهديد وتخويف، ولكنها ليست قاتلة مثل العبوات اللاصقة”.
ويتابع الشمري، أن “استخدام العبوة الصوتية لا يقتصر على محافظة دون أخرى ففي العاصمة بغداد شهدت السنوات الأخيرة استخدام العبوات الصوتية وخاصة في النزاعات والخصومات ورسائل التهديد التي تكون لأسباب متعددة”.
ويوضح أن “أحد أقاربي تعرض قبل عامين لحادث مماثل في محيط بغداد، حيث تم إلقاء عبوة صوتية على منزله، ومن ثم تبين بأنه لم يكن المقصود، بل جاره بسبب خلافات مالية مع شريك له في عمل حر بمبلغ يصل إلى 100 مليون دينار”.
يشار إلى أن استخدام العبوات الصوتية في الخلافات الشخصية والدگات العشائرية والاستهدافات لأسباب سياسية أو تنافس تجاري أصبحت بديلا عن للأسلحة القاتلة في العديد من الحالات بعد قيام مجلس القضاء العراقي بإدراج الدگة العشائرية ضمن قانون مكافحة الإرهاب، حيث يلجأ البعض لاستخدام العبوة الصوتية، كونها لا تؤدي للقتل وحتى إصاباتها طفيفة ما يجعل العقوبة القانونية أخف.
من جهته، يرى الناشط الحقوقي فريد العزاوي، خلال حديث له، أن “ضعف القانون مشكلة في المجتمع العراقي، لذلك استخدام العبوة الصوتية لم يعد أمرا مفاجئا بنظر الكثيرين لكثرة استخدامها في حسم النزاعات كأداة ضغط نفسية مرعبة بسبب صوتها وما تحدثه من فوضى”.
ويشدد العزاوي، على “ضرورة إعادة صياغة القوانين بحيث تردع في بنودها من يستخدم العبوات الصوتية وغيرها كفعل إرهابي أمر بالغ الأهمية من أجل إنهاء هكذا مسارات تثير بين فترة وأخرى قلقا حقيقيا وترعب العوائل الآمنة”.
وكانت وزارة الداخلية قد كشفت في إحصائية رسمية أن عدد الدگات العشائرية من العام 2020 وحتى شهر كانون الأول ديسمبر 2022 قد بلغ 5992 حادثة.
من جانبه، يروي علاء هادي (63 عاما)، وهو مواطن من ديالى، اللحظات المرعبة التي عاشها قبل أربع سنوات، بعد استهدافه بعبوة صوتية، أصيب على إثرها بجروح في قدمه، إذ يقول خلال حديث لـه، إن “زجاج نافذة منزلي تساقط علي وأنا أتعرض لهذا التفجير، وفي وسط ذهولي تنبهت إلى أنني أصبت بجرح خطير في قدمي”.
ويؤكد هادي، “لم أعرف حتى الآن سبب استهداف منزلي رغم أنني موظف على وشك التقاعد وأعمل في مؤسسة خدمية وليس لدي عداوات، لا أخفيك أن حالة الرعب مما جرى لازمتني لعدة أشهر ولم ينته قلقي حتى ظهرت الحقيقة وتبين أنني لست المستهدف الحقيقي، بل أخطأ الجاني في العنوان”.
وسبق لرئيس الحكومة محمد شياع السوداني، أن أورد في منهاجه الوزاري، فقرة تخص السيطرة على السلاح المنفلت وحصره بيد الدولة، وهي الفقرة ذاتها التي وردت في البرامج الحكومية لرؤساء الحكومات السابقة، لكن لم تنفذ، لا سابقا ولا حاليا.
ويشهد البلد انتشارا كبيرا للسلاح المنفلت، سواء على مستوى الأفراد أو الفصائل المسلحة أو العشائر، ودائما ما يستخدم بالنزاعات الشخصية أو السياسية أو العشائرية.