22 Jul
22Jul

يبدو أن شمس تموز لن تمنح المطالبين بسلم الرواتب مرادهم، فعلى الرغم من الوعود والتضامن الذي أبداه البرلمان أمس السبت، يؤكد خبراء الاقتصاد والقانون أن عدم وجود الرغبة الحكومية وعجز الموازنة ما زالا يخيمان على هذا الملف، وفيما أشاروا إلى أن العديد من الفئات مستفيدة من هذا الوضع، حذروا من أن عدم حل القضية سيترك “تصدّعا اجتماعيا” وليس اقتصاديا فحسب.
وتحت درجة حرارة مرتفعة، خرج الآلاف من الموظفين صباح أمس السبت في تظاهرات حاشدة متوجهين إلى المنطقة الخضراء المحصنة وسط العاصمة بغداد مطالبين بتعديل سُلم الرواتب في ظل ارتفاع نسبة التضخم السنوي في البلاد.
ويقول الخبير الاقتصادي نبيل المرسومي، خلال حديث لـه أن “تعديل سلم الرواتب ممكن لو توفرت الإرادة، لكن حتى الآن يبدو أن الحكومة لا ترغب بهذا التعديل لأنه يتطلب تعديل 34 قانوناً، وهناك فئات من الموظفين مستفيدة من الوضع الحالي”.
ويضيف المرسومي، أن “إعادة التوازن في سلم الرواتب من مسؤولية الحكومة العراقية، فالفجوة كبيرة اليوم بين أعلى الرواتب وأدناها قد تصل إلى أضعاف مضاعفة، وهذا أمر غير منطقي وغير مقبول”، لافتا إلى أن “إعادة التوازن يمكن من خلال رفع مرتبات بعض الفئات الدنيا، وتقليص مخصصات الدرجات الخاصة، وهذا هو الحل المنطقي، أما إضافة مبالغ جديدة إلى الموازنة، فهذا الأمر مستبعد لأنه يتطلب إضافة 11 ترليون دولار، وهذا خارج قدرة الدولة”.
وحول طبيعة التفاوت، لم ينس الخبير الاقتصادي، أن “هناك اختلافا في طبيعة جهد الموظفين، فبعض الفئات الفنية التي تعمل في الحقول النفطية وقطاع الكهرباء تتحمل مخاطر كبيرة لذا يجب أن تكون مخصصاتها أعلى، لكن هناك فئات من الموظفين يمتهنون الوظائف نفسها ويتقاضون رواتب متفاوتة، وهذا الموضوع يولد إحباطا لدى الموظفين”.
 ويعتقد المرسومي، أن “إعادة التوازن في المرتبات مهم جدا ليس على الوضع الاقتصادي فحسب، فالوضع الاجتماعي متصدع أيضا لأن هناك 4 ملايين موظف أغلبهم لا يشعر بالعدالة، لذا يجب أن يحظى الموضوع باهتمام أكبر وأن تتجنب الحكومة والبرلمان استغلال هذا الملف بالوعود والدعاية لأغراض سياسية وانتخابية”.
وظهر أمس، كشف عدد من النواب، عن التحرك لإقرار سلم الرواتب، مبينين انه سيتم اتخاذ خطوات أخرى تجاه هذا القانون، إذ أكد النائب رائد المالكي أن “مشروع القانون سحب من قبل الحكومة ومجلس الوزراء ولم يتم إرجاعه رغم المطالبات المتكررة من قبل النواب”.
وعقب ذلك، أفاد النائب أمير المعموري، بأن الكثير من الدوائر والوزارات “تعتبر بيئة طاردة، بسبب عدم العدالة الاجتماعية حول سلم الرواتب”، مضيفاً أن “من واجبنا هو حقوق الكثير من الموظفين، حيث نعمل وفق الدستور والقوانين المشرعة، وستكون هناك خطوات أخرى بخصوص سلم الرواتب كي تكون الصورة واضحة أمام الموظفين بالدوائر الحكومية”.
يشار إلى أن سلم الرواتب الجديد، يتضمن تخفيضا للمخصصات المرتفعة في بعض الوزارات والشركات، وحسب ما أوضح رئيس اللجنة المالية النيابية السابق هيثم الجبوري، أن “هناك توجهاً لتحديد الراتب الأعلى في الدولة، وأن لا يزيد الراتب الاسمي للحد الأعلى عن أربعة أضعاف الراتب الأدنى، من أجل تقليل الفوارق”.
من جهته، يذكر الباحث في الشأن الاقتصادي، همام الشماع، خلال حديث لـه، أن “خيار تعديل الرواتب غير ممكن بحسب أرقام الموازنة المعلنة، لأن العجز كبير والنفقات هائلة، وهناك انعدام للعدالة في توزيع الموارد على الشعب، فعلى سبيل المثال أن تخصيصات الدوائر والتشكيلات التابعة لمجلس الوزراء تصل إلى نصف تريليون وتدخل فيها رواتب الحشد الشعبي والمخابرات والأمن الوطني”.
ويضيف الشماع، أن “مطالب الناس بسلم رواتب جديد مشروعة بسبب سوء التوزيع، لكنها غير متاحة بسبب الوضع الاقتصادي العام الذي لا يساعد على زيادة النفقات الجارية، فالعراق معتمد كليا على الإيرادات النفطية وأي زيادة في النفقات تؤدي إلى زيادة في عجز الموازنة، كما من الخطأ تحميل الأجيال القادمة قروضا وديونا كبيرة”.
ويميل الشماع، إلى “فكرة إعادة توزيع الدخل، وليس إعادة النظر في سلم الرواتب، إذ يجب أن تكون هناك شفافية ويجب أن تعلن أعداد منتسبي الأمن والمخابرات والحشد الشعبي ومنتسبي الرئاسات، حتى يتم وضع خطط لتقسيم الموارد بشكل عادل”، بحسب قوله.
وكان مصدر مسؤول في رئاسة الوزراء، كشف العام الماضي، عدم وجود نية حقيقية لتطبيق سلم الرواتب الجديد وإقراره من قبل مجلس الوزراء، كون هذا السلم يحتاج إلى تخصيصات مالية كبيرة جداً، والحكومة لا تستطيع توفيرها في الوقت الحاضر، “فهي تتجاوز الـ15 ترليون دينار (نحو 11 مليار دولار)”.

إلى ذلك، يؤكد الخبير القانوني عقيل عوكي، خلال حديث لـه أن “العديد من القوانين التي عرضت على مجلس النواب جرى رفضها بسبب احتوائها على جنبة مالية، وفقا للسياسة المالية الأخيرة للحكومة وبسبب العجز الذي تدعيه”.
ويضيف عوكي، أن “وجود قوانين خاصة تعرقل إقرار سلم الرواتب هي شماعة تستخدمها الحكومة لعدم تمرير هذا القانون، فمن الممكن تعديل القوانين بطريقة وأخرى إذا كانت هناك رغبة في الوصول إلى نتائج مرضية للأطراف المعنية”.
ويشير إلى أن “موضوع سلم الرواتب أخذ صدى كبيرا وحيزا واسعا في الإعلام ولفترة طويلة، لكنه لن يرى النور بسبب العجز المالي وعدم وجود تخصيصات مالية للتعديل المنشود لسلم الرواتب”.
وكان النائب المستقل باسم خشان، أكد عدم وجود أي شيء حقيقي فيما يخص تعديل سلم الرواتب، واصفا “ما يجري من حديث بهذا الخصوص هو تصريحات ووعود فقط، لكن لا وجود لإجراء حكومي حقيقي بهذا الخصوص”.

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - وكالة انباء النافذة