على بعد 100 متر من ضفاف نهر خريسان ضمن حوض الوقف شمال شرقي ديالى، وضع الشاب سهيل قفصا حديديا صغيرا بداخله قطع من الفواكه، أمام مدخل جحر لحيوان النيص او ما يعرف بالدعلج لغرض اصطياده، وما هي إلا دقائق حتى سقط الحيوان في الفخ ليتم نقله إلى مزرعة قريبة بانتظار بيعه إلى زبون في بغداد.
ويقول سهيل أحمد، وهو من أسرة تمتهن الزراعة منذ 100 سنة، خلال حديث لـه، إن “الصدفة قادتني لأكون صيادا لحيوان الدعلج من خلال منصات التواصل الاجتماعي حيث لاحظت أن هناك إقبال متزايد من قبل بعض الأشخاص على شراءه، فتحاورت مع أحدهم الذي عرض علي مبلغ 75 ألف دينار لقاء صيد دعلج”.
ويضيف أحمد، “بعد جهود استمرت لثلاثة أسابيع تمكنت من اصطياد دعلج صغير بشق الأنفس لأن عملية الصيد ليست سهلة وتحتاج إلى مهارة في تعقب آثاره وكشف جحوره وصولا إلى تحديد موعد الصيد”.
ويبين أن “هناك دوافع مختلفة لشراء الدعالج، فبعضهم لأجل لحومها التي تعالج أربعة أمراض بينها القرحة وفق رأي خبراء طب العرب (الطب الشعبي)، أو تحنيطه من قبل الأثرياء، أو استخدام بعض أجزاء منه في أعمال الشعوذة والسحر وهؤلاء لا نبيع لهم إذا ما عرفنا مقصدهم”.
ويعد الدعلج أو الشيهم أو النيص، أكبر أنواع القوارض في العراق، ويتميز بجسم كبير حيث يبلغ طوله 55-80 سنتمتراً، وطول أقدامه نحو 10 سنتمترات، ولونه بني مائل للرمادي ومغطى بأشواك طويلة مخططة باللونين الأسود والأبيض، ويهاجم الدعلج بواسطة أشواكه الطويلة للدفاع عن نفسه، ويستوطن في بيئات مختلفة مثل الأراضي الزراعية والأودية الصخرية والجبال وضفاف الأنهار وفي الصحاري الجرداء والتلال والسهول المفتوحة أيضا.
بدوره يوضح الخبير في الثروة الحيوانية صالح وزان، خلال حديث له، أن “الدعلج له أسماء كثيرة في المنطقة العربية منها النيص وسبيكه والضربان وهو من القوارض ويمتلك أشواكا حادة للدفاع عن نفسه ضد الحيوانات المفترسة، ويصل طول بعضها إلى 90 سنتمترا وذيل بطول 20-23 سنتمترا في بعض الأحيان أما وزنه فيتراوح من 4-14 كيلوغراما”.
ويتابع “ألوان الدعلج هي البني والرمادي وفي حالات نادرة هناك دعالج بيضاء اللون، وهو يتغذى على أوراق الأشجار والنباتات وهناك عدة أنواع منه”.
ويلفت وزان إلى أن “ديالى لم تكن تعرف صيد الدعلج ولكن في السنوات الأخيرة برزت حالات صيد محدودة وسرعان ما انتشرت في سبع مناطق قريبة من حوض الوقف ضمن ضفاف نهري ديالى وخريسان و90 بالمئة من الزبائن من أهالي بغداد”.
يشار إلى أن الدعلج من الحيوانات المحدودة الأعداد وفي السنوات الأخيرة باتت تتناقص أعداده جراء عمليات الصيد الجائر ما يهدد بانقراضه في ديالى ومحافظات أخرى.
من جهته، يشير عثمان الزيدي، وهو مزارع وصياد للدعالج، خلال حديث لـه، إلى أن “عملية صيد الدعلج تتم بطرق مختلفة أبرزها من خلال توجيه مصباح مباشر إلى عينيها في الليل حيث تعد هذه نقطة ضعفه إذ يضطر إلى التوقف والهدوء ما يسمح بالإمساك به، وهناك أيضا الصيد بالأقفاص الحديدية، وجميع أوقات اليوم مناسبة لصيد الدعلج لكن أفضلها في الليل”.
ويبين الزيدي، أن “وزن وحجم ولون الدعلج تحدد أسعاره وهي تتراوح من 30-60 ألف دينار وفي بعض الأحيان إلى 75 ألف دينار، أما بعض الدعالج ذات الألوان النادرة فتباع بأسعار أعلى خاصة ممن يريدون تحنيطها”.
ومنذ سنوات عدة انتعش سوق تحنيط الحيوانات التي يقبل الأثرياء والميسورين على اقتنائها وتزيين منازلهم بها، وخاصة الحيوانات البرية والنادرة، فبعضهم يفضلون اصطيادها بأنفسهم أو من قبل صيادين مختصين والإشراف على تحنيطها من قبل المختصين، فيما يختار آخرون شرائها جاهزة من الأسواق المختصة بهذه المعروضات.
إلى ذلك، يقول هادي خالد، أحد العاملين في طب العرب (الطب الشعبي)، خلال حديث لـه ، إن “لحوم الدعالج علاج لبعض الأمراض في الجهاز الهضمي وأبرزها قرحة المعدة، وهناك استخدامات أخرى له، كما أن تناول لحومها يقتصر على المرضى فأغلب الناس لا يحبذونها، لذلك الطلب ليس واسعا عليها بل محدود جدا”.
ويؤكد أن “الدعلج أو النيص موجود بكثرة في المناطق القريبة من جداول الأنهر والمبازل وصيدها يتم من قبل أشخاص لهم مهارة في تحديد جحورها”.
يشار إلى أن الطب الشعبي، أو طب الأعشاب، أو كما يسمى محليا “طب العرب”، يعتمد بالأساس على أنواع مختلفة من الأعشاب البرية وغيرها والتي يتم استخلاص العلاجات منها من قبل المختصين، إلا أن هناك عددا من الحيوانات الأليفة والداجنة والبرية التي تدخل أيضا في بعض العلاجات.
وفي السياق، يحذر الناشط البيئي عبد الأمير الزهيري، خلال حديث لـه، من أن “عمليات الصيد الجائر لها مضار إذ تؤدي إلى اختلال التنوع الإحيائي كما يعد سببا رئيسيا لانقراض بعض الأنواع، وهذا ما نخشاه خاصة وأن عمليات الصيد الجائر تتم بوتيرة كبيرة”.
ويختم “التنوع البيئي يخلق تكاملية بيئية والدعالج مفيدة لبيئة البساتين والمزارع، وعمليات الصيد تتم بطرق مختلفة حتى أن صغار هذا الحيوان باتت تابع في ظل إقبال كبير عليها بذريعة أنها شفاء لبعض الأمراض أو للرغبة من قبل البعض في تحنيطها”.
وتعد ظاهرة الصيد الجائر للحيوانات والطيور والزواحف البرية في العراق، من التحديات الكبيرة التي تهدد بانقراض تلك الكائنات، حتى أن أنواعا عديدة منها انقرضت بالفعل كطائر النعام، وتناقص أعداد غزال الريم العراقي وغيرها.