30 Nov
30Nov

شهدت عمليات التداول بالعملات الرقمية المشفرة في العراق رواجا كبيرا خلال السنوات الأخيرة، خاصة من قبل فئة الشباب، في وقت باتت تعمل شركات مستحدثة بهذا المجال محليا على الترويج بشكل أوسع ضمن مساعيها لتحقيق أرباح كبيرة مقارنة بشركات عالمية، في وضع اقتصادي محلي لم يعتد بعد على التداولات الإلكترونية.

وبالرغم من اتساع دائرة التداول الخفي بهذا النوع من العملات، إلا أنه يبقى ممنوعا بحسب قوانين البنك المركزي العراقي، حيث يخضع المتعامل بها لأحكام قانون مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب رقم 39 لسنة 2015، بحسب بيان البنك الصادر عام 2033 خلال أزمة ارتفاع سعر صرف الدولار، فيما يؤكد ذوي الاختصاص أنه اجراء إيجابي لحماية الاقتصاد لان هذه التعاملات يجب وضعها تحت رقابة البنك المركزي وتغطيتها بشكل كلي.

ممنوعة.. لكنها مفيدة

ويقول أستاذ الاقتصاد العراقي والدولي، علي دعدوش، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “هذه العملات تعد غير مرخصة رسميا في العراق، فالحكومة ومن قبلها البنك المركزي لم يصدرا أي قوانين تنظيمية للتعامل معها ولهذا عندما لا يوجد قوانين تنظيمية فالاحتيال وارد جدا”.

ويضيف دعدوش، أنه “مع ذلك فمن المبكر القول إن هذا التداول بالعملات الرقمية احتيال بشكل كامل، فبعض العملات مُؤسّسة على  تقنيات آمنة وشفافة وتُشكل غياب القوانين حواجز أمام نشر العملات الرقمية وتعزز عدم الثقة بها، بالإضافة إلى ضعف الوعي والثقافة الكافية بين أفراد المجتمع بطرق تداول العملات الرقمية”، مشيرا إلى أن “التداول في العراق بالعملات المشفرة يبقى غير واسع مقارنة بالدول الأخرى بسبب العقبات القانونية ونقص الثقة”.

 أما عن مستويات الفائدة مستقبلا على الاقتصاد، وبحسب أستاذ الاقتصاد، فهي تتمثل بـ”تحسين الشمول المالي خاصة للمناطق المُهمشة والبعيدة عن الخدمات المالية التقليدية، إضافة إلى زيادة كفاءة التعاملات المالية وتقليل التكاليف والوقت المُستغرق، فضلا عن تشجيع هذه العملات على التحول الرقمي للاقتصاد العراقي وتساعد على تطوير الخدمات المالية والتكنولوجيا، كما لا يخفى أنها تمكن من تعزيز التجارة الالكترونية وسلاسل التوريد في العراق ودعم النمو الاقتصادي”.

يشار الى أن هذه العملات الرقمية يتم استخدامها في التعاملات التجارية المباشرة والدفع والسداد الإلكتروني، كما ويجري التعامل بها في عمليات نقل وتحويل الأموال بين المستخدمين بسرعة ودون وجود للوسطاء، دون الاعتراف بالحدود الجغرافية أو السيادية للدول ودون الخضوع لقوانينها الداخلية، وأغلب هذه التعاملات تجري في “الانترنت المظلم”، الذي يُعرف بأنه يمثل مساحة لكافة التعاملات غير المشروعة مثل تجارة المخدرات وبيع الأعضاء البشرية وعمليات تأجير القتلة. 

كما ومن الجدير بالذكر أن أول عملة رقمية، صدرت في عام 2009 وهي البتكوين، وظهرت كرد فعل على الأزمة المالية العالمية التي أصابت النظام المصرفي الأمريكي بالشلل في بداية الأمر، ثم انتقلت إلى النظام المالي العالمي، حيث أدعى مؤسس هذه العملة وهو مجهول الهوية المعروف باسم “ساتوشي ناكاموتو”، أن هذه العملة تعمل بعيدا عن البنوك المركزية.

ودفع تصريح مؤسس تلك العملة الرقمية الى جذب رواد الانترنيت وبعض الشبكات الاجرامية نتيجة لسرعة إجراء التحويلات المالية وبعدها عن الرقابة المصرفية الحكومية، مما يجعل الكثير من عمليات التبادل المالي غير خاضعة للسيطرة والتحكم الحكومي ودون تعقيدات وقيود البنوك المركزية، لكن ومع ذلك تبقى عملة البتكوين محط خلاف لدول العالم بالنسبة لبلدان مثل العراق والجزائر ومصر والصين وتركيا وإيران وبنغلادش، مقابل أخرى سمحت بها مثل السلفادور وأفريقيا الوسطى والولايات المتحدة وكندا، وغيرها من قيدت استخدامها مثل فيتنام وجورجيا فقط.

وشهدت عملة البتكوين ارتفاعا غير مسبوق، حيث بلغت قيمتها 99028 دولارا، وذلك بعد فوز دونالد ترامب برئاسة الولايات المتحدة، لاسيما وأنه تعهد بجهل أمريكا عاصمة للعملات المشفرة.ما الفرق بين المشفرة وغير المشفرة؟ويبدو للمتابع لتطورات العملات المشفرة وغير المشفرة أن الفرق لن يكون واضحا بين المفهومين، لكن الخدعة يمكن حصولها بجذب ما يمكن جذبه من المتداولين بالعملة الثانية ليكون تداولا في عملات من النوع الأول، والتي لا يسمح بها قانونيا في اغلب البلدان كما ذكرنا وبينها العراق.

وعن ذلك يتحدث الخبير وأستاذ الاقتصاد في جامعة البصرة، أحمد صدام، لـ”العالم الجديد”، بقوله إنه “يجب التمييز بين العملات الرقمية المشفرة مثل البيتكوين والعملات الرقمية غير المشفرة، فالأولى عملات دولية مجهولة المصدر ولا تخضع الى ضوابط أي بنك مركزي في العالم ولا توجد أي سيطرة عليها من قبل المصارف المحلية ولا تحكمها أي تشريعات وبالتالي تكون غير مضمونة ومخاطرها مرتفعة جدا”.

ويضيف، أن “الشق الاخر هي العملات الرقمية غير المشفرة، وهذه تخضع إلى ضوابط وسياسات وسيطرة المصارف بشكل تام مثل العملات الورقية التقليدية”، مبينا أن “تداول العملات الرقمية غير المشفرة يحقق سهولة في التعاملات النقدية والتحويلات ويضفي نوع من الثقة في التعاملات المصرفية بسبب ان المصارف تراقب مصادر الأموال واتجاهاتها بسهولة من خلال التحويلات المالية التي تنجز الكترونياً من خلال المنصات على خلاف التعامل بالعملات الورقية”.

ويتابع صدام، أن “اهم فائدة تحققها العملات الرقمية غير المشفرة هي سهولة اكمال إجراءات التحويل المالي الكترونيا ولكن ليس بشكل مطلق، كون ان مصرف العميل له الحق بإيقاف أي تحويل مالي مشبوه أو يثير الشكوك، ولكن مع ذلك فهو يحقق سرعة في انتقال الأموال وهذا يعني رفع مستوى الأنشطة الاقتصادية وسهولة إنجازها ماليا”.وفيما يخص الثغرات التي يواجهها المتعامل بالعملات الرقمية غير المشفرة، ووفقا للأكاديمي، فهي “إمكانية التعرض للقرصنة إذا لم يوفر المصرف المعني الحماية السيبرانية العالية لمنصات التداول، أو قد يتعرض المتعامل بهذه العملات إلى الاحتيال من قبل بعض الأشخاص او حتى الشركات إذا لم يمتلك الخبرة الكافية في التعامل”.

مغامرة بلا ضمان ورقابة صارمة

وبينما يشهد العراق منذ ثلاث سنوات تذبذبا بسعر صرف الدولار، قامت الحكومة وعبر البنك المركزي بفرض قيود كبيرة على التحويلات المالية سواء الخارجة أو الداخلة له، وذلك لمنع تهريب الدولار إلى خارج البلد، كما ويتم تسليم أي حوالة مالية بالدولار واصلة للحسابات في البنوك العراقية للمستفيد منها بعملة الدينار وذلك للحد من تداول العملة الأجنبية وتقوية الدينار العراقي، وبذلك فلا يمكن السماح لعملات مشفرة مثل البيتكوين بخوض مغامرة في الاقتصاد العراقي بشكل علني وقانوني يعيد الازمة المالية والمصرفية الى المربع الأول.ويتفق مع إمكانية تعريض الاقتصاد والتعاملات المالية لخطر كبير بحال السماح للعملات المشفرة بالتداول، مستشار رابطة المصارف العراقية، عبد الرحمن الشيخلي، إذ يبين خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “البنك المركزي العراقي ومنذ عام 2022 قد منع استعمال البطاقات والمحافظ الإلكترونية لغرض المضاربة والتداول بالعملات الرقمية بجميع أنواعها وليس المشفرة فقط”.

ويشير إلى أن “المصارف العراقية والمؤسسات المالية كافة ملتزمة بشروط الاجازات الممنوحة لها مع توعية الزبائن وتحذيرهم عبر الارشادات من هكذا عمليات تداول مالية”، مؤكدا أن “القانون العراقي واضح بشأن هذا التداول حيث يشير الى منعه كليا وفقا لقانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب رقم 39 لسنة 2015 والتعليمات الصادرة بموجبه”.ويستطد أن “ما أصدره البنك المركزي في عام 2022 ليس بالجديد بل هو تأكيد لما سبقه بعام واحد فقط من ذات الامر بسبب المخاطر الكبير من رواج هذا النوع من التعاملات المالية خارج الغطاء القانوني والرقابة في العراق”.

ويتابع، أن “من يتداولون للحصول على عملة بيتكوين وصلوا ‘لى حد دفع مبلغ 800 ألف دينار عراقي مقابل واحد بيتكوين، وهذا يعتبر مغامرة كبيرة وخطرة وليس فيها أي ضمان لاسترداد شيء”، مشددا على أن “البنوك العراقية ترصد أي مبالغ تصل للحسابات لديها وتقوم بتأشير مصادر الأموال والابلاغ عن أي شبهات أيضا ولذلك يجب الحذر من هذا النوع بالتداول”. 

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - وكالة انباء النافذة