في يوم العمال العالمي، تحدث اقتصاديون وقانونيون عن سبب تفضيل العراقيين، العمل في دوائر الدولة على القطاع الخاص، وفيما أرجعوا السبب إلى قلة الإنتاج واستقرار الحالة الوظيفية وضمان الراتب التقاعدي في العمل الحكومي، أكدوا أن العامل في القطاع الخاص مهدد بالإقصاء في أي لحظة، فيما أكد متحدث حكومي أن قانون الضمان الاجتماعي الجديد ضمن لجميع العاملين في القطاع الخاص حقوقهم.
ويقول الخبير في الشأن الاقتصادي، عبد الرحمن المشهداني، خلال حديث لـه إن “إنتاجية العمال والموظفين انخفضت في أغلب دول العالم، وبحسب دراسة استقصائية صدرت قبل سبعة أعوام في بريطانيا، فإن العامل أو الموظف يهدر أكثر من ثلاث ساعات ونصف، من أصل ثماني ساعات في الاستراحات والغذاء والتصفح في مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها، حتى أن بعض الشركات منحت العاملين 3 أيام عطلة على أمل أن تتحسن الإنتاجية”.
وفي العراق، يضيف المشهداني: “بحسب تقديرات البنك الدولي فإن وقت العمل الفعلي هو 17 دقيقة، لكن هذه التقديرات لا يمكن تعميمها على كل الموظفين، إذ اعتمد فيها البنك على قيمة الناتج المحلي الكلي مقارنة بأعداد الموظفين”، لافتا إلى أن “العمل يختلف من دائرة لأخرى فوزارة الداخلية مثلا كدائرة الجوازات والجنسية تعمل كخلية نحل أكثر من الساعات المخصصة، وهناك دوائر أخرى من دون عمل، علما أن الإنتاج لا يقتصر على حضور العامل أو الموظف، فالكثير من المدرسين مثلا يحضرون إلى الدوام ولكن الوقت المخصص للدرس قليل جدا”.
ويشير الخبير إلى أن “سياسة الحكومات المتعاقبة أسهمت في قلة الإنتاجية، بسبب انعدام الاستراتيجيات في التوظيف، فالتعيينات أكبر من طاقة الدوائر الاستيعابية، إذ تعاني أكثر الدوائر العراقية الآن من تكدس الموظفين في مكتب أو غرفة واحدة من دون أعمال، وهذا يسهم في تقليل الإنتاجية لأن الموظف المنتج يتأثر بغيره المتكاسل خصوصا أنهما يتسلمان مخصصات متساوية”.
أما عالميا، يؤكد المشهداني، أن “هذه الاستراتيجية في التوظيف غير متبعة، فالأجور تمنح على قدر الإنتاجية، وفي بعض الدول يتم التعاقد مع العامل بنظام الساعات، على العكس من الوضع في العراق فالرواتب هنا غير مرتبطة بإنتاجية لذا فإن الحرص على الإنتاج قليل”.
ويخلص المشهداني إلى أن “الكثير من العراقيين لا يفضلون العمل في القطاع الخاص، لأن أرباب العمل هناك يطالبونهم بإنتاجية حقيقية، والتزام بالحضور، على العكس من العمل الحكومي الذي يتمتع العاملين فيه بأوقات راحة وحقوق في الإجازات وحماية من الإقصاء”.
وفي تقرير نشرته مؤسسة “عراق المستقبل” المعنية بالإحصاءات في 2022، كشف عن أن العراق يعد الدولة الأكبر بعدد الموظفين الحكوميين نسبة إلى مجمل القوى العاملة بالاعتماد على دراسة أعدتها منظمة العمل الدولية وبيانات المؤسسة.
وبحسب التقرير، فإن نسبة العاملين في القطاع الحكومي بالعراق بلغت 37 بالمئة بين مجموعة دول شملتها الدراسة، إذ يعتبر القطاع الحكومي الأكثر ضغطا على الموازنة العامة للدولة التي تذهب بمجملها كرواتب للموظفين، دون وجود إنتاج حقيقي يوازي هذه المصروفات العالية نتيجة عدم خلق بيئة استثمارية تساهم في تشجيع القطاع الخاص وتوفير فرص عمل من خلاله، الأمر الذي يزيد من الضغط على القطاع العام.
ولكن في القطاع الخاص، يبدو الأمر مختلفا، إذ يشكو العاملون هناك من زيادة في ساعات العمل وقلة منحهم إجازات بمستحقات مالية، كما يبقى شعور التهديد بالإقصاء التعسفي هاجسا يؤرق العمال، على الرغم من وجود قانون العمل الذي يضمن للعاملين بعض الحقوق.
من جهته، يؤكد الخبير القانوني جمال الأسدي، خلال حديث لـه، أن “وقت العمل وطريقته والتعاقدات وغيرها، أمور معرفة في قانون العمل، وهذا القانون قاس جدا في مسألة التجاوز على نصوصه، فلجوء العامل إلى محكمة العمل يسهم في إنصافه ومنحه حقوقه، والإجراءات القانونية المتخذة ضد أرباب العمل تكون شديدة”.
ويؤشر الأسدي، مشكلة تواجه العمال، وهي “نقص الثقافة القانونية وعدم معرفة العامل بحقوقه التي يضمنها قانون العمل، ويكتفي بالواجبات التي تفرض عليه من رب العمل”.
والمشكلة الأخرى، يشير الأسدي، إلى أن “الدولة لغاية اللحظة تهمل وضع العامل وطريقة عمله بعدم وجود ضامن، ما يجعله في موقف قانوني ضعيف يسهم في قبوله للرضوخ إلى رب العمل وعدم الاعتراض على أي أوامر وواجبات خوفا من خسارته للعمل، وبالتالي خسارة قوته اليومي، لاسيما أن من الصعوبة الحصول على عمل آخر، بالرغم من أن قانون العمل يضمن حق التعويض ويوجه عقوبة لرب العمل بسبب الإقصاء التعسفي”.
ويؤكد الخبير القانوني، الحاجة إلى “تعريف عام بقانون العمل، وتثبيت حقوق العامل وتعريف أرباب العمل بها، والأهم أن الدولة عليها أن توفر البديل المالي للعامل في حال تعرضه لخسارة عمله حتى إيجاد عمل آخر ولو كانت على شكل قروض أو ديون يسددها حين الحصول على عمل”.
وينظم قانون العمل العراقي رقم 37 لسنة 2015، العلاقة بين أصحاب العمل والعمال، ويحدد حقوقهم والتزاماتهم، ويشمل ذلك الأجور وساعات العمل واستحقاقات الإجازات وظروف العمل، كما تحدد القواعد والأحكام لدعم مجموعات معّينة مثل النساء في مكان العمل.
إلى ذلك، يذكر متحدث وزارة العمل نجم العقابي، خلال حديث لـه، إن “أوقات وساعات العمل محددة بموجب قانون العمل النافذ، وهذا القانون مشرع وفق نظام دولي معتمد في كل أنحاء العالم، إذ يمنح العامل أوقات استراحة وإجازة أسبوعية وغيرها من المميزات”.
ويضيف العقابي، أن “العراق شرع قانون الضمان الاجتماعي الذي ضمن للعاملين في القطاع الخاص كافة حقوقهم، ولا يسمح هذا القانون بانتهاك حقوق العمال كما يضمن في الوقت نفسه حقوق أرباب العمل”، لافتا إلى أن “هناك عشرات الشكاوى التي تخص ساعات العمل وكذلك إقصاء العمال سواء في الوزارة أو محكمة العمل”.
وأقر البرلمان العام الماضي قانون الضمان الاجتماعي والتقاعد للعمال بالقطاع الخاص، في خطوة عدتها الحكومة ركيزة أساسية ضمن الإصلاحات الاقتصادية التي وعدت بها.
ويحتفل العالم اليوم، الأول من أيار مايو، بـ”اليوم العالمي للعمال”، وهي مناسبة يحتفل بها ملايين العمال في مختلف أنحاء العالم سنوياً.