12 Jul
12Jul

اتخذ ملف الكهرباء في العراق مسارا مغايرا، فلم يتم تحميل الحكومة مسؤولية التراجع الكبير بساعات التجهيز مع بدء فصل الصيف، بل تم توجيه البوصلة نحو الولايات المتحدة، وتحميلها مسؤولية تردي الكهرباء على خلفية عرقلتها وصول استحقاقات الغاز من العراق إلى إيران، وهذا المسار، وجده محلل سياسي بأنه محاولة من الإطار التنسيقي لإبعاد الفشل عن حكومته وعدم الاعتراف به، ما اضطره إلى الهجوم على واشنطن، رغم التزام كل الحكومات بالعقوبات الأمريكية على إيران، وهذا المسار الجديد لم ينكره مقرب من الإطار، بل أصرّ على تحميل الولايات المتحدة للمسؤولية بالكامل.

ويقول رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري، إن "الصراع الأمريكي الإيراني، وانعكاساته على العراق ليس بالجديد، خصوصاً وأن العراق استخدم سابقاً كأرض لتصفية الحسابات العسكرية والأمنية بين الطرفين، وأزمة الكهرباء أيضا ليست جديدة، فواشنطن فرضت منذ العام 2018 على العراق أن يلتزم بالعقوبات الأمريكية المفروضة على إيران".

ويضيف الشمري، أن "حكومة عادل عبدالمهدي كانت ملتزمة بالعقوبات الأمريكية على إيران، وكذلك حكومة مصطفى الكاظمي، وحتى الآن حكومة الإطار التنسيقي ملتزمة بهذه العقوبات، كما أن الولايات المتحدة تسعى لتضييق الخناق على إيران من خلال تقييد الحوالات بالدولار لها، مع عدم وجود خطة عراقية لعملية التخلي التدريجي عن الغاز الإيراني، وهذا شكل عامل ضغط على مستوى الحياة العراقية وتفاقم أزمة الكهرباء".

ويؤكد أن "حكومة الإطار التنسيقي أبدت مرونة كبيرة جداً مع الولايات المتحدة، لكن الإطار حالياً عمل على أول خطاب تصعيدي ضد واشنطن، وهذا بسبب أنه وحكومته فشلوا بترجمة وعود تحسين الكهرباء خلال فصل الصيف الحالي على أرض الواقع، وهذا الأمر دفعه إلقاء المسؤولية على الصراع الأمريكي الإيراني، وتحميل واشنطن مسؤولية هذا الإخفاق بهدف التخلي عن المسؤولية".

ويلفت إلى أن "الإطار بدأ يفكر بأنه لا يريد تحمّل أي فشل حكومي، وبالتالي أصدر بيانا يدعو فيه الحكومة المشكلة من قبله، وهذا غريب، كما أن الإطار اتخذ موقفا سياسيا أكثر منه موقف اعتراف بالفشل السابق على مستوى كل الحكومات السابقة".

ومنذ أيام ومع ارتفاع درجات الحرارة، بدأت الكهرباء بالتراجع بشكل كبير في مختلف مدن البلاد، وخاصة محافظات الوسط التي شهدت انقطاعا شبه تام، مع عدم التزام أصحاب المولدات الأهلية بالتسعيرة وساعات التشغيل المتفق عليها، ما وضع المواطن بأزمة كبيرة، لاسيما وأن درجات الحرارة بدأت بتجاوز الـ50 درجة مئوية وتصدر البصرة لأعلى درجة حرارة في العالم على يومين متتاليين.

وأكد وزير الكهرباء زياد علي فاضل، يوم أمس، أن انخفاض تجهيز الطاقة جاء بعد تحقيق أعلى إنتاج بمعدل 26 ألف ميغاواط، لكنه انخفض لـ20 ألفا و600 ميغاواط بسبب نقص الغاز، وبمجرد عودة الغاز سيرتفع معدل الإنتاج وتعود ساعات التجهيز كما كانت.. وهناك مباحثات معمقة مع الجانب الإيراني بشأن إمدادات الغاز، خاصة وأن الوزارة سددت الديون بالكامل إلا أن القضايا المتعلقة بمصرف الـTBI بسبب العقوبات الأمريكية تمنع تحويل المبالغ لإيران.

الإطار يبرر للحكومة
في ظل هذه الأزمة، اتجه العديد من المقربين للإطار التنسيقي إلى تحميل واشنطن مسؤولية تراجع الكهرباء، بسبب عقوباتها المفروضة على إيران، والتي تمنع إرسال الأموال للجارة الشرقية، ما دفعها إلى وقف تصدير الغاز للعراق حتى تتسلم مستحقاتها.

حيث كتب المدون المقرب من الإطار التنسيقي مازن الزيدي: قبل حلول فصل الصيف، أصدر رئيس الوزراء أمرا بإطلاق ملياري دولار من الديون الإيرانية عبر الوسيط العماني ووافقت أمريكا على هذه الصيغة.. لكن الأمريكي طلب التحويل على دفعتين، ثم عاد ليسمح بـ15 مليون دولار فقط للتجربة، ثم وافق نهائياً على 5 ملايين دولار.. واضح أن المماطلة أمريكية بحتة بملف الكهرباء.

فيما كتب المحلل السياسي علي فضل الله، المقرب من الإطار التنسيقي أيضا، أن: أمريكا تذل الحكومات العراقية وتعاقب الشعب العراقي عبر بوابة الكهرباء.. وليس معاقبة إيران كما تدعي ويطبل معها الإعلام النتن.. ولو كانت معاقبة إيران هو مرادها لقامت ببناء منظومات كهربائية متطورة للعراق عبر الشركات الأمريكية أو الغربية.. ونخلص من سالفة الغاز الإيراني وتسديد الديون.


وإلى جانب العشرات من التغريدات المشابهة، فإن السفير الإيراني في العراق محمد كاظم آل صادق، نشر تغريدة قال فيها: ترتفع وتيرة الأصوات الوطنية المطالبة بإخراج ورقة الكهرباء من التعامل السياسي الأمريكي واستغلاله لضرب الشعوب مع تزايد درجات الحرارة.. وهي تطالب بتحقيق السيادة الاقتصادية للعراق، تضع الإصبع على الجرح وتشخيص دقيق للأزمة، تستحق الشكر كما تُشكر الحكومة العراقية على جهدها لتحقيق المصالح المشتركة.


وبالمقابل، فإن العديد من المدونين استذكروا وعود السوداني باستقرار الكهرباء في فصل الصيف، حيث أطلق تصريحه الشهير في 3 كانون الثاني يناير الماضي، وقال فيه: صيف العام 2023 سيكون مختلفاً بتجهيز الطاقة الكهربائية للمواطنين.
من التغريدات التي صدرت بالضد من تحميل واشنطن المسؤولية، ما كتبه سالم الجميلي: وعود الإطار الشيعي وحكومة السوداني للخدمات تتعثر بملف الكهرباء الكارثي الناتج عن سياسة الاتكال على ايران دون البحث في سبل اخرى لحل هذه المشكلة المدمرة لحياة العراقيين.. تركيا والخليج دول مستعدة لتغطية نقص الكهرباء والغاز لكن نذالة التبعية لا تسمح بذلك حتى لو أن الشعب العراقي احترق في نار جهنم .. اذكر تصريحا سابقا لرئيس ايران خاطب العراقيين قائلا (ايها العراقيون دمائنا دمائكم ومياهنا مياهكم الى يوم الدين)، فقطعوا المياه والكهرباء.. والمصيبة الاكبر ان الاطار يتهم اميركا بالمسؤولية عن فشل قطاع الكهرباء.

بدائل وتبرير
وكان السوداني أجرى اجتماعا في ساعة متأخرة من ليلة أمس، مع الكوادر المتقدمة في وزارتي الكهرباء والنفط، وعدد من المستشارين، ووجه فيه بالعمل على إنجاز البدائل والحلول السريعة للغاز الإيراني، وبحث تزويد المولدات الأهلية بالوقود مجاناً أو بأسعار رمزية، مع الاستمرار بالجهود التي بدأتها الحكومة لاستيراد الغاز من تركمانستان وقطر.

يذكر أن وزير النفط حيان عبدالغني، وقع يوم أمس، أربعة عقود مع توتال الفرنسية لمشاريع تطوير ونمو النفط والغاز المتكامل، ومنها مشروع لاستثمار الغاز المصاحب بطاقة 600 مليون قدم مكعب في اليوم، وآخر خاص باستثمار الطاقة الشمسية بطاقة واحد كيغاواط أي 1000 ميغاواط، حسب البيان الرسمي.

إلى ذلك، يؤكد المحلل السياسي المقرب من الإطار التنسيقي عماد المسافر، أن "ملف الطاقة في العراق أصبح سياسيا بعد عام 2003، والولايات المتحدة استخدمت كل نفوذها من أجل منع وإعاقة حصول تطور بهذا الملف".

ويلفت إلى أن "ملف الطاقة في العراق، أيضا هو ملف اقتصادي وسياسي بالنسبة لإيران، ورغم أن هناك حكومات عراقية تعمل بشكل مباشر مع الولايات المتحدة، كحكومة مصطفى الكاظمي، لكن هذا لا يعني أن واشنطن تسمح بأن تكون هناك كهرباء جيدة ومستقرة في العراق".

ويرى أن "نجاح الإطار بتشكيل الحكومة الحالية، يشكل عامل خطر على سياسة الولايات المتحدة في العراق والمنطقة، فهذا النجاح يعني نجاح حكومة لها إرث إسلامي، وهذا ما لا تريده الولايات المتحدة، وعلى هذا الأساس تعمل بكل الطرق لإفشال هذه الحكومة وملف الطاقة ليس بعيدا عن هذه المحاولات".

ويعتمد العراق على الغاز الإيراني في تشغيل محطات الطاقة الكهربائية، حيث يحصل على استثناءات دورية من واشنطن لاستيراد الغاز الإيراني، نظرا للعقوبات الاقتصادية المفروضة عليها.

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - وكالة انباء النافذة