في ظل الأوضاع الجارية بمنطقة الشرق الأوسط، يعد العراق لاعبا أساسيا محايدا بين محاور الصراع وما تشكله من تنافرات وتجاذبات تنعكس داخليا على الأوضاع والعلاقة المتوترة بين الإطار التنسيقي وحكومة محمد شياع السوداني، فيما لا يبدو وقوف الحكومة على الحياد مناسبا بالنسبة للجانب الأمريكي وحتى الإيراني وفصائله المسلحة، وهو ما قد يجعل الفاعل الدولي يمارس سطوته لتغيير خارطة السلطة في بغداد ما بعد الانتخابات القادمة.
ولم يتمكن الإطار التنسيقي من الظفر بفرصة تشكيل الحكومة إضافة لكسب الأغلبية النيابية، إلا بعدما أعلن التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر في العام 2022 انسحابه من العملية السياسية واستقالة نواب كتلته من مجلس النواب بعد سلسلة صدامات مسلحة لأنصاره مع الفصائل المسلحة داخل المنطقة الخضراء حاولوا خلالها فرض السيطرة على المباني الحكومية والبرلمان، لكن الأمر باء بالفشل.
وحول ذلك، يقول الأكاديمي والمحلل السياسي، سليم سوزة، خلال حديث، إن “الفاعل الدولي لا يتدخل في رسم الخارطة السياسية في الانتخابات العراقية بشكل مباشر، لأنه ثمة عوامل أقوى من تدخلاته تتحكم بمخرجات العملية السياسية في العراق، منها على سبيل المثال الأعداد المشاركة في التصويت ودخول أحزاب وتيارات سياسية جديدة إلى المعترك الانتخابي، ناهيك عن عودة التيار الصدري إلى السياسة مرة أخرى إن قرر زعيمه مقتدى الصدر”.
وكانت الكتلة المرتبطة بالصدر، الكتلة الصدرية، حصلت على 73 مقعدا نيابيا في الانتخابات الأخيرة التي جرت في تشرين الأول أكتوبر 2021، لكن الصدر فشل بتشكيل الحكومة ودخل بصراع مع الإطار التنسيقي استمر لمدة عام، وانتهى بانسحابه وتشكيل الإطار للحكومة.
ويضيف سوزة، أن “هذه الأشياء المذكورة يمكن لها أن تغير من الخارطة السياسية بنسبة ملحوظة”، مستدركا “لكنها لن تخرج العملية السياسية من هيمنة الإسلام السياسي الشيعي، لأن السياسة في العراق لا تصنعها المؤسسة السياسية الرسمية بقدر ما يصنعها السلاح والفصائل الشيعية المسلحة”.
ويتابع “لذلك يصعب القول إن الانتخابات القادمة ستأتي بشيء من التغيير في الخارطة السياسية ما دام ثمة سلاح مهيمن لا يقبل المساس بالتوازن السياسي الحالي”، مشيرا إلى أنه “لا مؤشرات في الوقت الحالي على قيام الفاعل الدولي المتمثل بالولايات المتحدة وحليفتها إسرائيل، بضرب الفصائل الشيعية المسلحة في إطار الصراع الإيراني – الإسرائيلي وتفكيكها تماما، وهو أمر من شأنه أن يسهم بشكل غير مباشر ربما، في تغيير العملية السياسية وظهور فواعل سياسية جديدة تقود لتغييرات في بنية النظام”.
وتقف قوى الإطار التنسيقي اليوم مشتتة بين مواقف الفصائل المنضوية بينها وتطالب بموقف عسكري ضد التواجد الأمريكي، إضافة لعمليات الكيان الإسرائيلي في غزة ولبنان، بينما تؤيد الحكومة الجهود الدبلوماسية الدولية والاتجاه لتطبيق القانون الدولي، وهو الحياد الذي لا يناسب الفصائل ولكنه قد يرضي واشنطن بما أنه موقف مستمر لا يدعم التحشيد الإيراني في المنطقة وعملياته الصاروخية.
في السياق، يعتقد الكاتب والصحافي، عبد الحميد زيباري، بأنه “قبل البت في إمكانية تغيير الفاعل الدولي لشكل الخارطة السياسية المقبلة بالنظر لولاية الإطار التنسيقي الحالية، يجب النظر إلى الظروف الداخلية للبلد والصراع القائم بين الأحزاب التقليدية التي تحكم العراق منذ 2003، والتي لها امتداد لفترة ما قبل سقوط النظام السابق، وبين الحركات السياسية الجديدة التي ظهرت بعد ذلك، وتسعى لتثبيت أقدامها في الساحة السياسية”.
ويؤكد زيباري، خلال حديث، أن “هذه القوى لا تقتصر على الساحة الشيعية فحسب، بل تمتد أيضا إلى الأوساط السنية والكردية”، مبينا أنه “من جهة أخرى، لا ينبغي أن ننسى دور الاحتجاجات الشعبية وتأثيرها على الوضع السياسي، خاصة في جنوب البلاد، حيث تتركز معظم هذه الاحتجاجات في المدن ذات الغالبية الشيعية، وهذه الاحتجاجات قد تظهر مجددا مع اقتراب موعد الانتخابات المقبلة، في ظل الأزمة الاقتصادية وتداعياتها السلبية على الوضع المعيشي للمواطنين، ونقص الخدمات في معظم مناطق البلاد”.
كما يرى، أنه “ليس الفاعل الدولي فقط هو ما سيؤثر على شكل الخارطة السياسية في الانتخابات المقبلة، بل هناك أيضا عوامل داخلية مهمة، فمن المؤكد أننا سنشهد ظهور قوى جديدة وتحالفات مختلفة، ولا ننسى أن التيار الصدري يستعد للمشاركة بقوة في الانتخابات القادمة”.
ويتابع، أنه “من الواضح للفاعل الدولي حضور ملحوظ، خصوصا من جانب الولايات المتحدة وإيران، حيث تعمل الولايات المتحدة على تقليل هيمنة الأطراف الشيعية المدعومة من إيران، بينما تسعى إيران، بعد الوضع المتأزم في لبنان وتأثيره على حزب الله، للحفاظ على نفوذها في العراق”.
ويؤكد زيباري، أنه “بالتالي، يعتمد الأمر على التطورات المقبلة في منطقة الشرق الأوسط، إذا تدهور الوضع أكثر في لبنان وسوريا، فسيكون للعراق تداعيات سلبية، مما قد يزيد من الأصوات الرافضة للهيمنة الإيرانية، وفي حال تفاقم الوضع بشكل كبير وشاركت الجماعات المسلحة العراقية في هذا الصراع كما تروج الآن، قد يتم تأجيل الانتخابات، لأن الظروف غير المستقرة لا تسمح بإجراء انتخابات سليمة”.
يشار الى أنه في الأيام الماضية قد عاد الحديث عن إمكانية توجه العراق نحو إجراء انتخابات تشريعية مبكرة قبل انتهاء الدورة البرلمانية الحالية في تشرين الأول أكتوبر 2025، وهو ما يثير تساؤلات عما إذا كانت هذه الانتخابات المبكرة تهدف إلى الضغط على حكومة محمد شياع السوداني أم هي مناورة سياسية لإعادة ضبط قواعد اللعبة في البلاد من قبل القوى الحاكمة في الاطار التنسيقي بزعامة ائتلاف دولة القانون التي تسيدت المطالبين بالانتخابات.
ويعدّ الاستحقاق الانتخابي القادم لمجلس النواب استحقاقا دستوريا ثابتا، حيث يتم تحديد موعده بناء على المادة 62 من الدستور العراقي التي تنص على أن الانتخابات العامة يجب أن تجرى بعد مرور أربع سنوات على أول جلسة لمجلس النواب، مع حذف 45 يوما من هذه الفترة، وبناء على هذه المادة، يتم تحديد موعد الانتخابات ليكون في 25 تشرين الأول أكتوبر كل 4 سنوات.
إلى ذلك، يرى المحلل السياسي المقرب من الفصائل المسلحة، علي فضل الله، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “حكومة السوداني وبعد الخلافات التي حصلت مع بعض القوى الشيعية لم تعد تمثل رؤية الاطار التنسيقي بالكامل وإلى حد ما هي تسعى لأن تكون قريبة من تلك الرؤية، لكنها تحمل رأيا وتوجها آخر تختلف به مع الإطار التنسيقي، خاصة برسم ملف السياسات الخارجية”.
ويضيف فضل الله، أن “الفاعل السياسي الخارجي وخاصة الأمريكي يلعب دوره بقوة، وحكومة السوداني تتماهى مع تلك السياسات لأنها تريد مسك العصا من الوسط ولا تصبح متمحورة ضمن سياسة الجانب الأمريكي أو الإيراني، بل على العكس فالسوداني عمل على تقويض النفوذ الإيراني في المرحلة السابقة والحالية”.
ويلفت إلى أن “هذه الحكومة قد حققت مقبولية لدى المحيط العربي والإقليمي والدولي ولذلك فالفاعل العربي- الخليجي والغربي- الأمريكي سيكون مع هذه الحكومة ويدعمها مستقبلا، ولكنه لن يدعم الإطار التنسيقي، لأن حكومة السوداني خرجت من نظرية اعتبارها تابعة للإطار وتختلف معه في سياسات يريدها وهي ترفضها، ولذلك فتوجهاتها هي من ستجعلها تحظى بدعم الفاعل الدولي وحتى سياسات الإطار هي من ستجعله يحظى بدعمه للبقاء في الانتخابات المقبلة وبعدها من عدمه”.
وكانت خلافات كبيرة سيطرت على العلاقة بين الإطار التنسيقي والسوداني، تتمحور حول عدم “خضوعه” لقرارات الإطار في القضايا الداخلية مثل عدم التوجه لانتخابات مبكرة، أو الخارجية مثل ملف إخراج القوات الأمريكية، حيث رجح محللون سياسيون في تقرير سابق لـ”العالم الجديد”، اتساع الخلافات بعد محاولة السوداني “شقّ طريقه” بعيدا عن الإطار، وإمكانية دخول زعيم التيار الصدري على الخط ودعمه السوداني.