عاد الحديث مجددا حول صفقة الفيول العراقي مع لبنان بعد أنباء عن سعي الحكومتين إلى تجديدها حتى ثلاثة أعوام مقبلة، وسط انتقادات طالتها من خبراء بسبب العجز المالي وعدم جدواها الاقتصادية، في ظل تلميحات بوجود ضغوط إيرانية لتمريرها كنوع من أنواع الدعم لحلفاء طهران، الذين يواجهون ضغوطا سياسية واقتصادية كبيرة.
وكشفت صحيفة ذا ناشيونال الصادرة من الإمارات باللغة الإنكليزية، الأسبوع الحالي، عن اعتزام لبنان زيادة حجم صفقة “الفيول العراقي” إلى 772 مليون دولار سنويا، لرفع طاقتها الإنتاجية للكهرباء، من أربع ساعات الى ثماني ساعات يوميا، وحتى العام 2028، ما يظهر ارتفاع الفاتورة المستحقة للعراق إلى 5.45 مليارات دولار بحلول العام المذكور.
وأكدت الصحيفة ما كشفته ، من أن لبنان لم يدفع للعراق بعد ثمن النفط الذي حصل عليه، لأسباب من بينها أن هناك بعض الشروط غير واضحة في الاتفاقية، فالعقد المبرم بين الطرفين ينص على أن يودع لبنان أموالا في حسابه بالدولار، ويمكن للعراق سحبه بالليرة اللبنانية لإنفاقه (داخل السوق اللبنانية) على “السلع والخدمات”، مثل الخدمات الطبية، دون وضوح في سعر الصرف الذي يختلف بين التسعيرة الحكومية والسوق السوداء، ولا طبيعة الخدمات التي من المفترض أن يحصل عليها العراق.
ويقول الخبير النفطي كوفند شيرواني، خلال حديث لـه، إن “العراق ومنذ اندلاع حريق مرفأ بيروت قدم الكثير من المساعدات الغذائية والمحروقات من دون مقابل إلى دولة لبنان، ثم جرى تنظيم هذا الأمر بشكل تعاقد على أن يكون هناك نوع من المقايضة، بأن يرسل العراق مادة الكازوايل (زيت الوقود الثقيل) المستخدم في تشغيل محطات الكهرباء مقابل تزويده بالمواد الغذائية من لبنان”.
ويضيف شيرواني، أن “الأسعار التي تحتسب فيها المنتجات النفطية لا تعرف ما إذا كانت وفق القيمة السعرية العالمية أم هي أسعار تفضيلية، فالجانب اللبناني كان واضحا في أنه يسعى إلى الحصول على مشتقات نفطية بأسعار تفضيلية على غرار ما يمنح للأردن، حيث يُمنح الأخير يوميا 10 آلاف برميل بسعر أقل بـ17 دولارا من الأسعار العالمية، ولبنان أيضا يسعى لهذا التفضيل مراعاة للوضع الاقتصادي الذي يمر به”.
ويشير إلى ضرورة “الابتعاد في مثل هذه التعاقدات عن المجاملة أو المقايضة الاقتصادية، فالمصلحة العليا يجب أن تكون لها الأولوية، خاصة وأن قانون موازنة 2023 و2024 يحتوي على عجز كبير يقارب 49 مليار دولار، لذا يجب أن يكون هناك تخفيف لهذا النوع من المنح المجانية أو الأسعار التفضيلية التي تستنزف جزءا كبيرا من أموال الخزينة العامة”.
وكان العراق ولبنان وقّعا، في 24 تموز يوليو 2021 في بغداد، اتفاقا لتبادل الطاقة، يمنح العراق بموجبه لبنان، الذي يمر بأسوأ أزمة اقتصادية في تاريخه، مادة زيت الوقود الثقيل، مقابل “خدمات وسلع”، وفق ما جاء في بيان لرئاسة الوزراء العراقية آنذاك.
من جهته، يشير مدير المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية، غازي فيصل، خلال حديث لـه، إلى أن “تصدير النفط الأسود (الفيول) إلى لبنان يمكن أن يوفر للأخير فرصة لاستخدامه في منظومة الكهرباء التي تم تدميرها منذ حرب 2006، ويبدو أن موقف العراق يتضمن تعاطفا كبيرا من قبل الحكومة العراقية مع الشعب اللبناني الذي يعيش ظروفا قاسية في ظل نظام سياسي عاجز ومحكوم بسطوة حزب الله اللبناني وما يفرضه من حروب ومجابهات دمرت البنية الاقتصادية للبلد”.
ويسمي فيصل هذه المقايضة بـ”الهبات”، التي يمكن أن توفر كهرباء لثماني ساعات إضافية، ويضيف: “يبدو أنها مجانية، نعم في البداية تظهر أنها توقيع صفقات للنفط مقابل سلع ومنتجات زراعية وبعض الصناعات، لكن عمليا لبنان عاجز أن يدفع محاصيله من المنتجات الزراعية والصناعية إلى العراق كبديل وقيمة مكافئة لقيمة الفيول”، وفقا لفيصل.
ويعتقد أن “الصفقة ستستمر لدعم الاقتصاد اللبناني، وهذا الموضوع ربما يأتي أيضا في إطار محور المقاومة من بغداد وطهران إلى دمشق وبيروت، أو هو جزء من الكرم العراقي الذي من المرجح أن يستمر بضغوط إيرانية لدعم الاقتصاد اللبناني فهو يعني دعم حزب الله في لبنان من جهة، ونوعا من التضامن بين الحكومة العراقية ولبنان في مجال الطاقة من جهة أخرى”.
ويرى مدير المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية، أن “هذا الدعم الذي تقدمه الحكومة العراقية للدول العربية التي تعاني من فقر الموارد هو جزء من القيمة الأخلاقية الذي مارسته الحكومات العراقية المتعاقبة منذ العهد الملكي وما بعده من أجل دعم الدول التي تعاني من ضعف القدرات الاقتصادية”.
وكانت قد لاحقت الصفقة العراقية اللبنانية فضيحة في أيلول سبتمبر العام الماضي، بعدما كشف مصدر مطلع،، إن “قضية إرسال زيت الوقود (الفيول) العراقي إلى لبنان، انطوت على خفايا خطيرة جدا، تتعلق بالمقابل الذي يدفعه لبنان للعراق، حيث وصلت شحنة من فاكهة الرمان، كجزء من هذا الاتفاق، كانت محشوة بأقراص الكبتاغون المخدرة وبكميات كبيرة جدا”.
وكانت الحكومة الحالية، قد وافقت في أيار مايو العام الماضي، على تجديد اتفاقية تزويد لبنان بزيت الوقود، بشروطها الحالية، سنةً ثالثةً إضافية، بدءاً من تشرين الأول أكتوبر المقبل، والتزام شركة سومو بتجهيز كامل العقد القديم، وزيادة العقد القديم للنفط الأسود إلى 1.5 مليون طن سنوياً، وإبرام عقد جديد للنفط الخام بمليوني طن سنوياً.