16 Dec
16Dec

تقترب المادة 140 من الدستور والخاصة بتطبيع الأوضاع في المناطق المتنازع عليها بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان، من أن تصبح أمرا واقعا، بعد خطوات سريعة بدأها رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، على الرغم من حساسية المادة والتحذيرات العديدة من انعكاسات تطبيقها على السلم الأهلي في محافظة كركوك الغنية بالنفط.

ومنذ عام 2005 وحتى الآن، يجري الحديث عن تطبيق المادة التي تحمل الرقم 140 في الدستور العراقي، والخاصة بإعادة رسم خارطة إقليم كردستان، وتحديد المناطق التابعة له والتي جرى تعريبها خلال النظام السابق، لكن تعطل تنفيذ هذه المادة لما لها من سلبيات كثيرة، إلا أن الإطار التنسيقي بكافة كتله، أتجه حاليا لتطبيق هذه المادة، عبر الحكومة التي انبثقت منه.

لجان كثيرة شكلت منذ إقرار الدستور العراقي، لكن لم تكمل عملها، لاسيما وأن تنفيذها مرتبط بخطوات ثلاث رئيسية، وهي تطبيع الأوضاع ومن ثم الإحصاء وأخيرا الاستفتاء، وما أقدمت عليه الحكومة حاليا هو محاولة إنهاء مرحلة التطبيع وإعادة إحياء اللجنة برئاسة الأمين العام لمنظمة بدر هادي العامري.

قنبلة كركوك
المكون العربي في كركوك، وعبر المتحدث باسم التحالف العربي بالمحافظة حاتم الطائي، فقد كشف عن شكوكه بمرحلة التطبيع الحالية، حيث يقول "هناك سوء استخدام للسلطة وتمت إضافة أسماء على سجل الناخبين بالمحافظة، وبالتالي فهناك شكوك بعدالة التطبيع ولدينا ملاحظات".

يذكر أن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، قال يوم أمس الخميس، إن إجراء التعداد السكاني أولى خطوات تنفيذ المادة 140 من الدستور.

ويضيف الطائي، خلال حديث لـه، أن "الوضع السياسي العام الحالي، مختلف تماما عن الوقت الذي أقر فيه الدستور، وبالتالي فإننا نرفض رفضا قاطعا الخطوات الحالية لتطبيق المادة 140، بسبب قناعتنا التامة بأن هذه الخطوات ستكون مكملة لمشروع الأحزاب الكردية الهادف للسيطرة على كركوك رغما عن إرادة المكونين الأكبر العربي والتركماني".

ويردف أن "مرحلة التطبيع يجب حسمها وإلغاء كافة المشاكل التي رافقتها، وبعدها يمكن الذهاب لمرحلة الإحصاء، لكن في حال المضي بهذه الخطوات، فإن المحافظة مقبلة على تقلبات سياسية يمكن أن تؤدي إلى إضرار بالسلم الأهلي المجتمعي، والكل يعلم بأن كركوك هي برميل بارود".

يشار إلى أن التعداد السكاني، كان من المفترض أن يجري في هذا العام الحالي، لكن تقرر تأجيله للعام المقبل، وبحسب ما أعلن فإن التأجيل مرتبط بأسباب فنية.

قرارات سابقة
وكان رئيس لجنة تطبيق المادة 140، هادي العامري، أصدر توجيها لوزارة الزراعة، عبر كتاب رسمي في 16 تشرين الثاني نوفمبر الماضي، تضمن تخصيص أراض زراعية للمزارعين العرب في كركوك داخل محافظاتهم الأصلية، بعد إلغاء قرار تمليكهم لأراض تابعة لغير العرب.

وتنفيذا للمادة 140، كان مجلس الوزراء، قد وافق في آذار مارس الماضي، على قيام الدائرة القانونية في الأمانة العامة لمجلس الوزراء، بإعداد مشروع قانون تعديل قانون مؤسسة الشهداء (2 لسنة 2016)، بما يفيد (عدم شمول الشهداء بإجراءات المساءلة والعدالة)، وشمول عوائل الشهداء من البيشمركة والأجهزة الأمنية في المناطق التي تقع خارج إقليم كردستان في قانون المؤسسة المذكورة آنفًا، وإحالته إلى مجلس النواب.

وفي كانون الثاني يناير الماضي، أصدرت وزارة الداخلية أمرا لمديرية الجنسية والأحوال المدنية التابعة لها، يقضي بوقف عملية نقل القيود (سجل النفوس) للمناطق المتنازع عليها المشمولة بالمادة 140 من الدستور، كما نص الأمر على إعادة سجلات المواطنين الذين نقلت لهذه المناطق، إلى مناطقهم الأصلية.

الإطار يبرر
عضو ائتلاف دولة القانون علاء الحدادي، سرد بتفاصيل كثيرة سبب توجه الإطار التنسيقي لتطبيق هذه المادة، وبالتحديد في حكومة السوداني، لكنه في ذات الوقت لم يغفل التحذير الأمني، بل عزاه إلى التوافق السياسي الذي من شأنه أن يكون باعثا على تهدئة الوضع المجتمعي ويمنع تفجيره.

إذ يبدأ الحدادي، حديثه لـه، بتوضيح وضع الحكومة الحالية، قائلا إن "الحكومات السابقة سعت لتطبيق القوانين والمواد الدستورية، لكنها بحاجة إلى المناخ الملائم، فقد كانت لها أولويات، منها مثلا محاربة الطائفية ومن ثم القضاء على أزمة الكهرباء، في حكومة نوري المالكي، ومن بعدها محاربة داعش".

ويتابع "الحكومة الحالية، جاءت في وضع يشهد استقرارا سياسيا وأمنيا، فأهم تحد أمامها هو إعادة الثقة بين الحكومة والشارع، وبدأت بملف الخدمات وفرص العمل، فحتى الخطاب الطائفي تراجع ولا توجد تهديدات أمنية، وتخلص العراق من أزمة المحاور الدولية، وبالتالي أتيحت لها الفرصة أن تضع حجر الأساس لتطبيق المادة 140، وهي مادة دستورية".

وفيما يخص المحاذير من تطبيق هذه المادة، يؤكد "على المستوى الشعبي هذه الأزمات متوقع حدوثها، لكن يمكن أن تحل أو يتم تجنبها، في حال كانت هناك إرادة من الكتل السياسية، فكل كتلة هي تمثل مكونا، وبالتالي فإن تحريك الشارع مرتبط بهذه الكتل وأجنداتها"، موضحا: "في حال الاتفاق بين الكتل السياسية وخروجها بمؤتمر موحد فلن يكون هناك أي تأجيج للشارع، وهذا كان من المفترض أن يحصل بقضية المقر المتقدم في كركوك وعودة الحزب الديمقراطي الكردستاني له، فمن ناحية المبدأ هو اتفاق سياسي، لكن الخلل كان بالإجراء، إذ كان يجب الخروج بمؤتمر موحد في كركوك يضم جميع الكتل ومنح تطمينات للشارع".

ويلفت إلى أنه "في حال اجتمعت القوى السياسية على تنفيذ المادة 140 بما يحفظ لها مصالحها، فيمكن أن نتجاوز أي صدامات أو أي إرباك أمني محتمل، لكن مع شعور طرف سياسي معين بالغبن والضرر، فهذا قد يتحول إلى قنبلة موقوتة داخل النظام السياسي وبين أفراد المجتمع".

وبشأن تطبيق هذه المادة، الذي قد يؤدي لتسليم كركوك بالكامل إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني، يؤكد الحدادي "لن نقبل بهذا التنازل، فهناك تفاهمات ستجري ونقاشات كثيرة، فلا يمكن التضحية بمحافظة"، مستدركا "لكن طبيعة الاتفاقيات غير معروفة حتى الآن، وهي تمثل النقطة الحرجة، فأي خطأ فيها أو بالتطبيق، ربما سيؤدي لإرباك أمني وتهديد للسلم المجتمعي"، مؤكدا أن "هذه القضية هي سياسية، لكن سحبت لتكون اجتماعية، وهنا تكمن الخطورة".

يشار إلى أن المحور التنفيذي بالمنهاج الوزاري لرئيس الحكومة محمد شياع السوداني، وفي الفقرة 15 منه، ورد التأكيد على تطبيق المادة 140 وتفعيل اللجنة الخاصة بها، خلال شهر واحد من تشكيل الحكومة، كما تضمنت الفقرات التي سبقتها، التأكيد على إعادة انتشار قوات البيشمركة وعودة الأحزاب الكردية إلى محافظات كركوك ونينوى وديالى وصلاح الدين، وإخلاء مقراتها التي شغلت من جهات أخرى، كما ورد في المنهاج.

تطبيق المواطنة
وحول ما يجري، يرى المحلل السياسي فلاح المشعل، أن "الحل ليس بتطبيق المادة من عدمه، بل يمكن بتطبيق مبدأ المواطنة، بدلا من التوجه للمناطقية، وهذا الخطأ ارتكب في الدستور والآن تكمله القوى السياسية".

ويبين المشعل، خلال حديث لـه أن "تطبيق المادة 140، أصبح مطلبا دستوريا، وعودة اللجنة الخاصة بها الآن، جاء نتيجة لمطالب الكرد"، مضيفا أن "السوداني دائما ما يبحث عن حلول لهذه الملفات العالقة، وهذا توجهه الشخصي كما أعلن، فهو يحاول حل المشاكل العالقة طيلة هذه الـ"20 عاما".

ويضيف أن "حل المناطق المتنازع عليها، يتطلب العودة للخرائط القديمة والإحصاء والبطاقة التموينية، وبالتالي فهو بحاجة لأدوات كثيرة لتحديد امتداد إقليم كردستان، ومن هي المناطق الكردية وجرى تعريبها وبالعكس، لكن باعتقادي أنه بدلا عن هذا، كان الأجدر أن يتم تكريس مبدأ المواطنة لحل جميع الإشكالات".

ويلفت إلى أن "الكثير من البلدان التي انتقلت من النظام الديكتاتوري إلى الديمقراطي، وفيها قويمات وأثنيات، اتجهت إلى تعزيز مبدأ المواطنة ونجحت فيه، لتتخطى بهذا الخلافات الجغرافية والمناطقية".

وشكلت لجان لتطبيق أحكام المادة 140، في ظل حكومة إبراهيم الجعفري، حيث أسندت رئاسة اللجنة إلى حميد مجيد موسى، وفي حكومة نوري المالكي شكلت لجنة أخرى برئاسة وزير العدل السابق هاشم الشبلي، لكنه استقال من منصبه، ثم حل محله رائد فهمي، وأسندت رئاسة اللجنة التي أعيد تشكيلها في آب أغسطس 2011 إلى رئيس تحالف الفتح ووزير النقل الأسبق هادي العامري.

وتعد كركوك من أبرز مناطق الصراع بين بغداد وأربيل، وخضعت لسيطرة الأحزاب الكردية في عام 2014 بعد أن اجتاح تنظيم داعش محافظات عدة.

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - وكالة انباء النافذة