تصدرت محافظة المثنى (نحو 300 كلم جنوبي بغداد)، القطاع الصناعي الاستثماري في البلاد، حتى باتت الأقرب لنيل لقب عاصمة العراق في إنتاج الاسمنت والصناعات الأخرى، بفضل التسهيلات التي تمنحها الحكومة المحلية، لكنها على الرغم من ذلك ما زالت تشهد نسب فقر عالية، ما عزاه اقتصاديون، إلى اعتماد المشاريع الاستثمارية على العمالة الأجنبية الماهرة، واستبعاد الكوادر المحلية.
ويقول مستشار محافظ المثنى لشؤون الإعمار حيدر محمد، إن "التسهيلات المقدمة للمستثمرين في المحافظة جعلها بيئة جاذبة للاستثمار عكس بقية المدن العراقية، خصوصا وأنها تمتلك أرضا واسعة أصبحت ملائمة لإقامة المشاريع، وقد تجاوزت المثنى مرحلة إنشاء مصانع الاسمنت لتتعدى إلى تصدير بعض إنتاجها الغذائي إلى المحافظات الأخرى وهي بيض المائدة حتى بلغ ما يتم تصديره مليوني بيضة شهرياً".
ويضيف محمد، أن "المثنى تضم أيضا محورا صناعيا جديدا، وهو المحور النجمي الواقع قرب الطريق السريع باتجاه محافظة البصرة ويضم 43 معملا ومصنعا صغيرا ومتوسطا، البعض منها دخل في عملية الإنتاج والآخر تحت الإنشاء وهذا يضم صناعات متنوعة من الغذائية والبلاستك وغيرها".
المثنى التي تقارب مساحتها 52 ألف كيلومتر مربع تضم مساحات شاسعة وهي البادية الجنوبية الممتدة حتى المملكة العربية السعودية التي تحتوي بواطنها الكثير من المعادن والمواد الأولية التي تدفع بالمستثمرين لإقامة مشاريعهم، فضلا عن استقرار المدينة الأمني وعدم وجود التهديدات العشائرية التي تشهدها المحافظات الأخرى كذي قار والبصرة وميسان، ويبلغ عدد سكان هذه المحافظة قرابة الـ700 ألف نسمة.
وتضم المثنى في الوقت الحالي ثلاثة معامل لإنتاج الاسمنت وبواقع إنتاجي 6 ملايين طن سنويا بالإضافة إلى معملين اثنين تحت الإنشاء ما يشير إلى أن عجلة الاستثمار تسير بخطى متسارعة فيها.
وكانت تقارير سابقة قد سلطت الضوء، في تموز يوليو 2021، على صناعة الاسمنت العراقي، والمعوقات التي تقف خلف تطويره وتخفيض ثمنه محليا، في ظل ذهاب 25 بالمئة من قيمة إنتاجه إلى وزارة النفط لقاء تزويد المعامل الحكومية البالغ عددها 18 معملا بالنفط الأسود.
وبحسب التقرير السابق، فإن الشركة العامة للاسمنت، وهي حكومية، أنشئت بعد 2003 وتنضوي جميعها تحت عنوان جمعية مصنعي الاسمنت في العراق، حيث كانت الحاجة الفعلية عام 2015 تقدر بنحو 20 مليون طن سنويا، والإنتاج وصل لنحو 40 مليون طن، ما أدى في حينها إلى تقديم ورقة خاصة بكمية استهلاك العراق من الاسمنت المستورد، حيث اتضح أن البلد يستورد سنويا 12 مليون طن جميعها من إيران، ما دفع مجلس الوزراء آنذاك إلى إصدار قرار بمنع استيراد الاسمنت المرقم 409 لسنة 2015 وتم تنفيذه ورقيا عام 2016 وعمليا في أيلول سبتمبر من العام ذاته.
من جانبه، يوضح الخبير الاقتصادي ماجد أبو كلل، أن "18 مليون دونم من مساحة المثنى تعد أرضا زاخرة ومكانا مناسبا لإقامة المشاريع مع توفر المتطلبات الاستثمارية، إلا أن المشاريع الكبيرة لا تعود بالفائدة على الأهالي بشكل مباشر أو تحسين مدخولهم اليومي فمشاريع إنتاج الاسمنت كما هو الحال في المشاريع النفطية عادة ما تعتمد على التقنيات الحديثة والعمالة الماهرة الأجنبية، أما العمالة المحلية تعتبر عمالة غير ماهرة بالتالي تكون أجورهم قليلة ولا تكفي".
ويضيف أبو كلل، أن "الأثر التنموي الكبير الذي يكون انعكاسا إيجابيا على المواطنين هو إقامة المشاريع الصغيرة والمتوسطة والتي يمكنها أن تستقطب الأيدي العاملة غير الماهرة الموجودة في المحافظة وعادة ما تستوعب هذه المشاريع ما بين 10 إلى 20 عاملا، وإذ ما اكتملت المشاريع الصناعية التي يتم العمل عليها في المحور النجمي وكذلك المدن الصناعية الأولى والثانية ستخفض نسب الفقر والبطالة التي تعاني منها المحافظة بشكل واضح".
ويجد أن "منفذ الجميمة الحدودي مع السعودية إذا ما تم تفعيله لأجل تصدير البضائع من خلاله سيدفع بالمحافظة خطوات نحو نهضة اقتصادية جديدة".
وأعلنت هيئة استثمار المثنى قبل أيام، بحسب بيان صحفي، عن وصول الفرن الخاص بمشروع البورسلين والسيراميك الذي ينفذ من قبل شركة فينوسيا الصينية، ويعد هذا الفرن الأطول في العالم إذ يبلغ طوله أكثر من 1000 متر ويحتاج تركيبه إلى 6 أشهر ليكون جاهزا لبدء الإنتاج، مؤكدة أن الإنتاج سيبدأ مطلع الصيف المقبل، فيما بينت أن 30 بالمئة من إنتاج هذا المشروع سيغطي الحاجة الفعلية للعراق فيما سيصدر 70 بالمئة من إنتاجه إلى دول الشرق الأوسط وأوروبا.
ورغم التوسع الذي تشهده المحافظة في المجال الصناعي إلا أن نسب الفقر مازالت متقدمة حتى بلغت 52 بالمئة بحسب وزارة التخطيط.
إلى ذلك، يؤكد رئيس اتحاد نقابات العمال في المثنى أيهم النعيمي، أن "المشاريع الصناعية في المحافظة تعمل بعكس الاتفاقات المبرمة حسب دراسة الجدوى المقدمة لهيئة الاستثمار فإذا ما نصت الدراسة على تشغيل أيادٍ عاملة محلية بنسب تصل إلى 70 بالمئة والمتبقي هي محلية لكنها تعكس النسبة وتجد في بعض الأماكن الأيدي العاملة المحلية قليلة وغير ملتزمة بشروط السلامة عدا مصنع واحد وهذا ما مؤشر أثناء جولات التفيش عليهم".
ويجد النعيمي أن "هيئة استثمار المثنى هي من تتحمل مسؤولية هذه الأخطاء القانونية وعدم متابعتها، وأن العاملين في المشاريع يجب أن يكونوا خاضعين لقانون الضمان الاجتماعي لاحتساب راتب تقاعدي لضمان استحقاقهم المستقبلي".
وتعد صناعة الاسمنت من الصناعات الاستراتيجية في العراق، وكل موادها الأولية وخبراتها متوفرة محليا، فقد بدأت منذ 85 عاما، حيث تأسس أول معمل في العراق عام 1936 باسم معمل بغداد، وفي ثمانينيات القرن الماضي، كان العراق من أوائل المصدرين في الشرق الأوسط للاسمنت، حيث كانت تصل صادراته إلى 7 ملايين طن قبل الحصار الاقتصادي، وكان يحقق اكتفاء ذاتيا، كما أنه بعد حرب العام 1991، تمت إعادة بناء جميع الجسور والطرق المدمرة اعتمادا على الاسمنت العراقي، وهي الصناعة الأولى في العراق التي حققت الاكتفاء الذاتي، وذلك وفق حديث سابق من المدير العام للشركة العامة للاسمنت العراقية علي زيدان.
وكانت هيئة المنافذ الحدودية، أعلن قبل عامين، أن مجلس الهيئة صوت بالموافقة على فتح منفذ جميمة في محافظة المثنى مع السعودية من أجل رفع المستوى الاقتصادي لأبناء المحافظة، فضلاً عن تشغيل الأيدي العاملة العراقية وزيادة التبادل التجاري بين البلدين، مؤكدا أن العراق بانتظار موافقة الجانب السعودي، إذ تم إشعارهم عن طريق القنوات الدبلوماسية.
وكشفت تقارير سابقة في 18 تشرين الثاني نوفمبر 2020، عن سبب تأجيل افتتاح منفذ الجميمة الحدودي بين العراق والسعودية، التي كان من المؤمل أن يتم خلال تلك الأيام، وبحسب المصدر آنذاك فإن الجانب السعودي طلب تأجيل الافتتاح بسبب فعاليات الرفض التي ظهرت للاستثمار السعودي في بادية المثنى، خاصة وأن قرار الاستثمار كان لا يزال يتم تداوله في العاصمة بغداد، ولم يرسل إلى محافظة المثنى المعنية بالأمر، بسبب اعتراضات أنصار بعض القوى الشيعية، فضلا عن تحذيرات بعض القادة السياسيين أمثال زعيم حركة عصائب أهل الحق قيس الخزعلي، من خطورة الاستثمار السعودي في المثنى.